سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الحركة السياسية الكردية أمام محاسبة تاريخية

كورديار دريعي_

لم تُسنح للكُرد فُرص تاريخية كثيرة لكي ينالوا كغيرهم من الشعوب حريتهم ويتمتعوا باستقلالهم أو إدارة شؤونهم بنفسهم، بعد سقوط الدولة العثمانية وتقاسم البلدان التي كانت تحتلها بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918، حيث تكالبت عليهم كل من الاتفاقات الاستعمارية الدولية والدول المُتشكلة حديثاً في الشرق الأوسط على حساب الشعب الكردي وقضيته، وأجهضت كل محاولاته في نيل حريته بالحديد والنار ومن دون أن يسمع العالم بصرخات هذا الشعب عن سابق إصرار في إبقاء القضية الكردية “قضية أكثر من  40 مليون إنسان”  قيد الإغفال والنسيان وتسخيرها وفقاً لمصالحهم بشكلٍ آني في زعزعة أو تهديد الدول الإقليمية المتشكلة أو للحصول على تنازلات من هذه الدول ومن ثم مساندة هذه الدول نفسها في قمع وتدمير ثورات الشعب الكردي وقضيته.
فلولا الحرب العالمية الثانية 1939- 1945لما رأت جمهورية كردستان (مهاباد)1946  النور والتي لم تتوافق ومصالح الدول الكبرى التي سمحت بتدميرها في العام نفسه.
ولولا صراع القوى الكبرى على الشرق الأوسط وتوجه القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة تمركزها في الشرق الأوسط وإسقاط الأنظمة الخارجة عن سيادتها وتأديبها “كما فعلت في أفغانستان وإسقاط نظام صدام حسين في العراق بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001” لما كان للكرد أن يجدوا مُتَنفساً لهم والحصول على منطقة حكم ذاتي في باشور كردستان على الرغم من أنه جاء في الوقت الذي تم فيه ضرب القضية الكردية في باكور كردستان واعتقال المناضل عبد الله أوجلان في أقذر مؤامرة شهدها التاريخ القديم والحديث.
ولولا أحداث ما سُمِّي بالربيع العربي ودخول سوريا في صراع مقيت على السلطة ما بين النظام السوري وما سُميت  بالمعارضة ودخول حزب الاتحاد الديمقراطي في مسألة تجنيب القضية الكردية وروج آفا “غرب كردستان” من الانجرار إلى هذا الصراع الذي لا ناقة ولا جمل للكرد فيه لما كان اليوم هناك شيء اسمه روج آفا أو حديث عن الشعب الكردي وقضيته في سوريا في ظل بروز الفصائل المسلحة  التي دعمتها تركيا وبقيادة السلفيين والإخوان الذين اتخذوا من المذهب السني “غطاء وذريعة واهية” كرأس حربة لضرب كافة المكونات العرقية والدينية والمذهبية في سوريا وعلى رأسهم الشعب الكردي، وقد توضحت أهدافهم المقيتة المرسومة في تركيا منذ بداية الأحداث الدموية من خلال توجه هذه الفصائل إلى المناطق الكردية في 2012، ولولا وجود وحدات حماية الشعب التي ومن خلال التضحيات الجسيمة استطاعت ردهم على أعقابهم وإلا فأنهم كانوا يخططون لاحتلال كامل الجزيرة من روج آفا بدءاً من سري كانيه وصولاً إلى ديرك، ومن ثم من خلال داعش 2014 والسعي لاحتلال كوباني ومن ثم احتلال عفرين  2018 وسري كانيه وكري سبي 2019.
استطاعت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية التي جمعت هذه القوات بالإضافة إلى مجموعات من المكونات الأخرى العربية والسريانية من تشكيل الإدارة الذاتية في روج آفا (شمال وشرق سوريا) على الرغم من كل المصاعب وتعدد الجبهات والاعداء والدخول التركي المباشر مع المرتزقة ضد هذه الإدارة الفتية، وبعد تقديم أكثر من 12000 شهيد و20000 جريح.
وبالعودة إلى العنوان نفسه، لماذا تقف الحركة السياسية الكردية اليوم أمام محاسبة تاريخية؟ لأنه عندما ذكرنا هذه النماذج أعلاه من الفرص التاريخية – وإذا ما استثنينا جمهورية مهاباد كونها لم تكن في تلك القوة التي تؤهلها للصمود أكثر من عام – فإن تجربَتَيْ باشور وروج آفا يجب التوقف عليها والتوقف على الكيفية التي تمت فيها استثمار هاتين التجربتين من القوى الكردية أو الأحزاب الكردية.
باشور كردستان تحوّل بعد 1991ونيلها للحماية الدولية إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكردية نفسها في صراع  على السلطة راح ضحيتها الآلاف من البيشمركة والمدنيين، وبعد سقوط صدام حسين 2003، لم يكن هناك سوى مصالحة شكلية بين هذه القوى مع الاحتفاظ بنياتهم الاستحواذية على السلطة والنفوذ والتي كانت نتيجتها نكبة الاستفتاء 2017 لينهي مرحلة من نشوة القوة والتأثير على المركز والتصرف كشبه دولة مستقلة والدخول في نفق التنازلات وعودة الصراع البيني المباشر على ما تبقّى من وطن لم يحافظوا عليه كثوريين وإنما أضاعوه كورثة وكعوائل حاكمة باتت تهتم بمصالحها أكثر من حلم كردستان حرة. يتحمل كل من الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني المسؤولية عن ذلك وخاصةً الديمقراطي الكردستاني كونه أكثر من نفخ في اللبن خشية من الحليب الساخن، أي خشية من فقدان السلطة ساوم في كل شيء مع أكثر أعداء الكرد (تركيا ومحورها الإخواني).
وفي روج آفا وبعد أن كانت الأحزاب الكردية المعتزة  بتاريخها الممتد لأكثر من  نصف قرن لا تُجيد سوى مناشدة الاعتراف بالثقافة واللغة الكرديتين ودخل لأجل ذلك العشرات  من الشباب الكرد إلى السجون ورغم  تجارب التاريخ ومعرفة ذهنية الإخوان وحقيقة أن لا أحد يتصدق بالحقوق، غير أنهم ولعجزهم عن تحمّل المسؤولية التاريخية في استثمار التطورات بعد 2011عدُّوا أنفسهم جزءاً من ما سُمي بالمعارضة السورية التي كانت تنادي بإسقاط الأسد، علماً أن مسؤولية إسقاط النظام لم تكن يوماً من مطالب الكرد، ظناً أن النظام سيسقط خلال شهور مع أنهم وخلال ثمانية شهور من اندلاع ما سُميت بالثورة السوريّة كانوا مترددين ما بين ما سُمي بالمعارضة والنظام، أي لم يكن لديهم أية قراءة مستقبلية أو استراتيجية للأحداث، ولكن وبما أن حزب الاتحاد الديمقراطي تمكن من التحوّل إلى قوة واتخذ الخط الثالث بعيداً عن النظام أو المعارضة وأصبح ذو شأن كبير في روج آفا، تحولت الأحزاب الكردية الأخرى بشكلٍ آلي لا إلى معارضة وإنما إلى أعداء ورفضوا كل مُنجز أو مشروع أو سياسة ما دامت من حزب الاتحاد الديمقراطي وتحت يافطة إنه جزء من حزب العمال الكردستاني لا بل العمال الكردستاني نفسه، وأن ساحته شمال كردستان لا غرب كردستان – في الوقت الذي يعدون الإرهابيين المتعددين الجنسيات في المناطق المحتلة معارضة وشركاء في الوطن – ومن دون أن يقدروا على تمكين أنفسهم كبدلاء أو القيام بدلاً من الاتحاد الديمقراطي في رد غزوات مرتزقة تركيا أو تشكيل قوات حماية لروج آفا لافتقار أغلب أعضائهم وقياداتهم لروح تحمّل مسؤولية الكفاح المسلح وتقديم التضحيات في وجه القوى السلفية والإخوانية، وحتى الآن يقولون بأنهم يمارسون العمل السياسي وتحقيق مطالبهم بالسياسة في الوقت الذي توجهت فيه قوى لا تُميّز بين الناقة والبعير لإبادة مكونات المنطقة وخاصةً الكرد!!
 ومن خلال ممارستهم السياسة احتلت عفرين وباركوا المحتلين واحتلت سري كانيه وكري سبي وباركوا المغتصبين، ودفعهم عجزهم ويأسهم وشعورهم بالفشل إلى أن يكونوا لكل تطور ولكل مكسب ولكل الشهداء والتضحيات مشوهين وعملوا على لصق صفة الإرهاب بوحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية وباتوا اليوم يهددون الإدارة الذاتية “إن لم يناصفوهم في ما لم يستطيعوا تحقيقه بالمحتل التركي نفسه”، ويشترطون الشروط التركية مع الإدارة الذاتية، فهل هذا تفكير قوى وطنية تغنت خلال نصف قرن بالكردايتي وحلمت بالاعتراف باللغة والثقافة الكردية؟ ولكنهم يشهدون اليوم وطناً كاملاً “لغة وثقافة وعزّة وقومية ومكانة” وشرف القضاء على الإرهاب وتحوّل القضية الكردية إلى قضية دولية وتتصارع السياسات الدولية والإقليمية عليها، وبدلاً من أن يعززوا كل ذلك يسعون إلى تشويهها وتدميرها ما داموا ليسوا حكّاماً. فالحركة السياسية الكردية أو من يسمون أنفسهم بالحركة السياسية الكردية أمام محاسبة تاريخية “عاجلاً أم أجلاً”.