سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الحرفية النبيلة والعمل الدقيق في قصة بنّاء حجر من الشدادي

الشدادي/ حسام الدخيل ـ

في قلب كل مبنى، خطَ اسمه بحروفٍ من نور، وترك ذكراه خالدة في كل منزل، قطرات عرقه التي سالت من جبينه مُزجت مع كل بناءٍ شيده، الحرفي “أحمد الأحمد”، الذي قضى أكثر من 30 عاماً من عمره في عالم البناء، فتحولت أدواته خلال هذه السنوات الطويلة إلى عصا سحرية لتتحول بها المواد الخام إلى هياكل صلبة شاهدة على إبداعه وعطائه. 
قضى “أحمد الأحمد”، ذو الخمسون عاماً، أكثر من نصف عمره في تشييد الأبنية، رسم خلالها لوحاتٍ فنية، ونحت اسمه في ذاكرة كل أبناء المنطقة، كان ينحت الحجر ويعيد تشكيله وكأنه يتحول بين يديه إلى طين سهل التشكيل، ويحمل الطوب كما يحمل الأب الحنون فلذة كبدة، ليرسم بها جدران تبدو كأنها لوحة فنية هاربة من العصور الوسطى.
البدايات 
وبدأت رحلة الكادح “أحمد الأحمد“، في عالم البناء عندما كان شاباً صغيراً، فقبيل ثلاثين عاماً، حاله حال بقية الشباب آنذاك، يبحث عن عمل ليوفر قوت يومه، فقد كانت الصدفة هي التي قادته إليه، والشغف الكبير للعمل الذي جعله فيما بعد الرقم واحد على مستوى المنطقة.
وقد بدأ عاملاً بسيطاً في إحدى ورش البناء، يتعلم من زملائه الأكبر سناً، ويكتسب الخبرة بمرور الوقت، كان دقيق الملاحظة سريع البديهة، مما ساعده على تعلم “المصلحة”، في أقصر وقتٍ ممكن، حتى قام بتشييد أول مشروع له، هو “بناء جدار صغير في قرية صغيرة تقع على بعد ستة كيلو مترات من مدينة الشدادي جنوب مدينة الحسكة شمال وشرق سوريا”، حرص من خلال هذا المشروع على تعلم أهمية الدقة والصبر والتفاني في العمل، وجعل من قطرات عرقه المتساقطة من جبينه شاهداً على الجهد المبذول والتفاني في العمل، وذكرى أبدية تُحفر في كل منزل بناه.
وفي الصدد، قال الأحمد: “لم تكن البدايات سهلة كما يظن الجميع، ولم يكن المستوى الذي وصلت إليه والسمعة الطيبة، نتيجة الصدفة، بل على العكس تماماً، كانت ثمرة ثلاثين عاماً من التعب، ثلاثون عاماً أستيقظ خلالها مع طلوع الشمس، ولا أعود إلى منزلي إلا مع غروبها، ثلاثون عاماً أكلت من صحتي ما أكلت، وألم الظهر والمفاصل اليوم هو خير شاهدٍ على ذلك”.
وتابع: “لا شيء يأتي بالمجان، فحتى الخبرة والمهارة دفعت فاتورتها جهداً كبيراً أخذ من عمري ثلاثين عاماً”.
سر النجاح 
وعن سر نجاحه في مهنته، قال الأحمد: “يكمن سر النجاح في الحب الذي أضعه في عملي، في كل قطعة حجر أقوم بنحتها، في كل طوبة أحملها بين ذراعي، في المطرقة التي أنحت بها الحجارة، في خيط العمار والميزان”.
وتابع: “حيث أتخيل الفراغ وكأنه ورقة بيضاء كبيرة، والمواد التي لدي ما هي إلا الريشة والألوان، لأقوم بتكوينها وتشكيلها بأبهى حلة لتكون لوحة فنية نابضة بالروح، عليها توقيعي الذي كان عبر بصمات أصابعي، التي أتركها خلفي كدليلٍ وشاهدٍ على التعب الذي بذلته، لبث الروح في الفراغ ليغدوا مبنىً نابضاً بالروح”.
التحديات التي تواجهه 
وعن التحديات والصعوبات التي تواجهه، لفت الأحمد، إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه الحرفيين والأهالي بشكلٍ عام في الفترة الحالية، هو الوضع الاقتصادي المتردي، وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وهذا السبب جعل حركة العمل خفيفة بالمقارنة مع الأعوام السابقة، وقلة نسبة البناء بدرجة كبيرة لارتفاع تكاليف البناء وزيادة أسعار مواد البناء من أسمنت وبلوك وغيرها، ما يشكل عبئاً إضافياً على الأهالي، وجعلهم يعزفون عن البناء، أو يستعيضون بذلك عن وسائل بناء نستطيع أن نقول عنها كما يقال في اللهجة العامية “تمشاية حال”، حيث أن أقل تكلفة بناء منزل بتجهيز يمكن أن تسكنه عائلة تتجاوز 180 مليون ليرة سورية.
أما على الصعيد الشخصي، قال الأحمد: “لقد أكل مني العمر ما أكل، الشباب الذي كُناه في الأمس انتهى اليوم، والقوة التي كانت تسكن ذراعي اليوم بدأت بالتلاشي، ومثلما يقال لكل بداية جميلة لابد أن تكون هنالك نهاية، وهذه النهاية أراها قد اقتربت كثيراً، على رغم إن الشغف وحب المهنة التي أمضيت عمري معها لايزال يسكن قلبي، ولكن هذه سنة الحياة، ولكن اليوم يكفيني إن اسمي كان حاضراً في كل منزل وكنت الذاكرة لأصحابها”.
وتابع: “سأستمر في العمل ما دامت هذه الأرجل تحملني، وهذه الأيادي تستطيع نحت الحجر وحمل الطوب، وحرصت على تعليم هذه الحرفة لأبنائي، ليحملوها من بعدي”.
وفي ختام حديثه، قدم الكادح “أحمد الأحمد”، نصيحة لكل من ينوي العمل بهذا المجال: “نصيحتي لكل من ينوي أن يدخل هذا المجال، عليه بالدرجة الأولى أن يحمل حُبّ المهنة داخل قلبه، وأن يكون صبوراً ومثابراً، وأن يتعلم من كل تجربة يمر بها، كما يحرص على تطوير عمله واستخدام التقنيات الحديثة في البناء، وعدم الاكتفاء على أسلوب البناء التقليدي، لأنها ستساعد في رفع جودة عمله وزيادة كفاءته”.