سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الحرب الخاصة.. شكلٌ آخر للإرهاب التركي في شمال وشرق سوريا

آزاد كردي –

يسعى الاحتلال التركي من خلال شبكة من عملائه “الميت التركي” وهو أحد أذرعه الذي ينفذ مخططاته الدنيئة؛ إلى تفكيك الروابط الاجتماعية في شمال وشرق سوريا أخلاقياً، ويستهدف بشكل خاص الفئة الشابة، لذا يتطلب من شعوب المنطقة الاتحاد في وجه هذه المخططات للحفاظ على تماسك المجتمع
مع نشوء المجتمعات وتطورها الاجتماعي والتاريخي الديناميكي بشكل الكلان لتتحول إلى أخطر شكل عرفته البشرية وهو المدينة، يبدو أن الحروب لم تتوقف بل إنها جرّت الويلات للإنسانية؛ عبر أساليب خطيرة ومتعددة من الحروب، عرفت فيما بعد حديثاً بالحرب الخاصة.
لا يمكن تخيل البشرية دون نزاعات وخلافات منذ بداية التاريخ باعتبار أن هنالك دائماً قوى ما تقوم بفرض إرادتها على قوى أخرى لضرب وزعزعة الفئات الاجتماعية الأخرى كافةً. كما تعمل قوى الشر هذه على تفسخ المجتمع عبر توجيهه إلى أمور جانبية عبثية، كالمخدرات والدعارة، حتى تتمكن من فرض نفسها على أنها أمور رئيسية، خاصةً بالنسبة للفئات الشابة حتى يسهل السيطرة والاستحواذ عليهم فيما بعد.
ومن المفيد القول أن الحرب الخاصة خطيرة جداً إذا ما قيست بالحرب التقليدية التي نعني بها الحرب المباشرة بين قوتين عسكريتين أو اقتصاديتين لأنهما تتصارعان وجهاً لوجه وتكون عادةً خسائرهما كبيرة جداً، بينما كان لا بد من اللجوء إلى وسائل أخرى أقل تكلفة وخطورة من التدخل المباشر في المجتمع، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، هي أول من استخدمت هذا المصطلح خلال الحرب العالمية الثانية.
ومع اندلاع الأزمة السورية في عام 2011م وبروز نماذج للتطرف والفكر المتشدد في مناطق واسعة من الأرض السورية لا سيما مرتزقة جبهة النصرة وداعش اللتان سيطرتا على مناطق واسعة وكبيرة من الجغرافية السورية، حينئذٍ كان لزاماً على الشعب السوري في شمال وشرق سوريا أن ينتفض ويقوم بثورته في 19 تموز لتحرير هذه المناطق من المتطرفين، وقد أثبتت كثير من التقارير الاستخباراتية الإقليمية والعالمية أن المرتزقة يتلقون دعمهم المادي والمعنوي من الاحتلال التركي بشكل خاص ومريب. في مقابل ذلك بدأ الحراك الثوري، حيث شهدت مناطق شمال شرق سوريا حراكاً سياسياً وفكرياً، تضمن إرساء قواعد فلسفة الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب. ووفقاً لهذا السيناريو الجديد على المنطقة الجغرافية السورية، تمكنت من وضع حد للحرب والاقتتال بين شعوب المنطقة، بما تميزت من قدرة كبيرة على الإدارة والتنظيم.
شبكة العملاء، أحد أذرع المخططات الاجتماعية الدنيئة
لا شك أن تاريخ المنطقة هو تاريخ للحروب بامتياز التي لا تزال تندلع بين الفينة والأخرى، إلا أن دولة الاحتلال التركي هي الأكثر بين دول المنطقة تعزيزاً وترسيخاً لمفهوم الحرب ولا سيما الحرب الخاصة باعتبار أن هنالك الكثير من الحوادث التاريخية التي تثبت أنها تقوم على إيقاد حرب مباشرة بين المرتزقة التي تدعمهم، كما تحاول بالدرجة الأولى من خلال وسائلها الدنيئة وبحرب خاصة زعزعة الأمن والاستقرار في شمال وشرق سوريا، حيث تروج في أغلب القنوات التلفزيونية في الشرق الأوسط إطلاق تسمية “قوات الحماية الكردية” على وحدات حماية الشعب قبل أن تتحول إلى قوات سوريا الديمقراطية. ولابد القول أن هذا ليس خطأً تقع فيه تلك القنوات وإنما كان ذلك عن قصد، في إشارة إلى محاولة التحريض ضد هذه القوات أو خلق شرخ بين الكرد والعرب والسريان وزرع فتنة بين شعوب وأطياف وأديان المنطقة في إطار الحرب الخاصة التي تتبعها.
السعي لتفتيت طاقات المجتمع بتجنيد الفئة الشابة
آخر التحركات التركية الإرهابية في شمال وشرق سوريا، كان سعيها لتجنيد عدد من السوريين في هذه المناطق عبر شبكة استخباراتية تتبع للميت التركي في كوباني وقامشلو؛ بهدف تتبع أعضاء في قوات سوريا الديمقراطية وتنفيذ اغتيالات وتفجيرات في شمال وشرق سوريا. وتؤكد التقارير، أن استمرار الحرب في سوريا يشكل أولوية بالنسبة لتركيا، فالفوضى الدائرة منذ اندلاع الحرب في 2011 تمكن دولة الاحتلال التركي من استغلال خيرات سوريا، خاصةً أن الفئة الشابة باتوا يشكلون جيشاً من المرتزقة يقاتلون من أجل دعم مشاريع الاحتلال التركي الاستعمارية، ومحاولاتها استعادة الخلافة العثمانية.
وقد عملت منذ اندلاع الحرب في سوريا على إدخال القيادات الإرهابية إلى شمال وشرق سوريا، ويؤكد العديد من الخبراء العسكريين، أن الحدود بين الاحتلال التركي وسوريا شكلت خطاً مهماً بالنسبة لها لإرسال متطرفين دعماً لمرتزقتها المسلحة في مدينة إدلب، كما لا تفتأ عن تجنيد المجموعات المتطرفة والمرتزقة سواءً في داخل مناطق شمال وشرق سوريا أو خارجها للقتال برعاية المخابرات التركية إلى جانب ميليشيات حكومة الوفاق الإخوانية في ليبيا. إن تجنيد الفئة الشابة لتنفيذ أجندات خارجية تعني أن المجتمع على حافة الانهيار نتيجة فقدان المجتمع لدعائم بنيانه التي تركت ضرورات البناء والتطوير وقصدت التطرف والإرهاب.
آفة المخدرات وتفسخ المجتمع أخلاقياً
لا شك أن عماد الشعوب في مناطق شمال وشرق سوريا هم الفئة الشابة كونهم الأكثر نسبة وطاقة وحيوية في كل الأمور. لذلك تدرك القوى الشريرة مدى أهميتهم في الوصول إلى كنه المجتمع، فتجند عملاءها؛ بهدف الترويج للمخدرات والحشيش بأنها إحدى سبل الحياة المتطورة ولا يمكن الاستغناء عنها لأنها ضمن متطلبات السعادة التي لا تتحقق إلا بهذه الأمور، فيقعون في فخّ الانحراف المدمر لقدراتهم وأخلاقياتهم. إن المتمعن في مجتمعاتنا لَيدرك ازدياد ظاهرة انحراف الفئة الشابة بشكل مخيف، ولا شك أن أحد أبرز جوانبها؛ الانحراف الأخلاقي الذي أدى إلى تعاطي المخدرات والحشيش والحبوب المخدرة. وهذه الأشياء قد أثبتت بالحقائق والأرقام، ففي اليوم العالمي لمكافحة المخدرات الذي يصادف في 26 حزيران، أتلفت قوى الأمن الداخلي في العديد من مناطق شمال وشرق سوريا؛ كميات كبيرة من المخدرات تم مصادرتها خلال العام الجاري، ليتم إتلافها أصولاً في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات. كما ضبطت قوى الأمن الداخلي في دير الزور كميات كبيرة من مادة الحشيش قُدرت بثمانية كغ، بالإضافة إلى أنواع من حبوب الكبتاجون، ما يعادل 11 ألف حبة، وأنواع من العقاقير تم حرقها. أما في الرقة فقد تم إتلاف أنواع وكميات كبيرة من قبل قوى الأمن الداخلي 28513 حبة كبتاجون، 28.92 غرام من الحشيش المخدر بالإضافة إلى كميات متفرقة من الحبوب المخدرة من نوع “سيتوفيد، ترامادول، بيوغابلين، زولام”. وفي كوباني على شاكلة الكثير من مناطق شمال وشرق سوريا تم إتلاف مواد مخدرة تضمنت المواد 61 كيلو غراماً من الحشيش المجفف، 7150 حبة كبتاجون، 30 أبرة ترامادول، 40 حبوب سودفيس، 70 حبوب مخدرة من أنواع مختلفة، 100 غرام حشيش بودرة، و150 غرام بودرة هروين، وكل هذه الأرقام الكبيرة من المخدرات التي يدخلها المحتل إلى مناطقنا تدل على الجهود الحثيثة للمحتل التركي إلى انحراف الفئة الشابة في شمال وشرق سوريا عن مسارهم الصحيح ليستطيع القضاء على فكرهم وتجريدهم من المبادئ والأخلاق.
الاتجار بالدعارة؛ كضرورة لتغيير المفاهيم
تمارس الدولة التركية المحتلة من خلال عملائها كل ما بوسعها من أساليب لاأخلاقية ودنيئة في محاولة منها الوصول إلى انحلال المجتمع أخلاقياً عبر تزايد تفشي ظاهرة الدعارة بين شرائح المجتمع كافةً. وتعتبر الدعارة مرضاً خطيراً إذا استشرى في مناطق شمال وشرق سوريا لأنه سوف يدمر العروة الوثقى للنسيج الاجتماعي الفريد، ويتوجب على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا الارتقاء على مستوى الحدث وسن تشريعات تحد من انتشاره على نطاق واسع كون الاتجار بالبشر يعد جريمة محرمة دولياً. إلى جانب إقبال الفئة الشابة إلى ممارسة الدعارة الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كانت دولة الاحتلال تبدي أنها تقوم بالواجب تجاه منع المواقع الإباحية وحجبها عن الفئة الشابة، فهي من جهة أخرى تقوم بترويج لبعض البرامج لفتح تلك المواقع من جهة أخرى. ويستخدم في الحرب الخاصة عدة أساليب ودعوات لإقبال الفئة الشابة، نذكر منها: نشر مسميات مثيرة للدعارة ترتبط بمفاهيم تشير للقوة والنشاط، ومسميات أخرى ترتبط بالإغراءات. إلى جانب استخدام مسميات تجذبهم وتثير غرائزهم وتخدعهم وتصور لهم أن الدعارة هي الحل لنسيان أزماتهم الخاصة لا سيما وأن القوى الشريرة تعمل على إنشاء حسابات لأسماء وصور نسائية؛ بهدف إيقاع الشباب في براثن الدعارة. إضافةً إلى استخدامهم ألغازاً وشفراتٍ وصوراً عبر حسابات مشبوهة لبيع سمومهم والإيقاع بضحاياهم. ولابد من القول أن الإقبال على ممارسة الدعارة ليس كحال تعاطي المخدرات والحشيش في مناطق شمال وشرق سوريا، فهي أقل مما ذكر بكثير وإن كان من المستحسن التذكير بها من أجل التنويه على معالجتها بدءاً على بدء.
تجليات وحلول؛ للحفاظ على تماسك المجتمع
إن الحرب الخاصة التي تدار من قبل شبكة متخصصة في كثير من المجالات لا يمكن مواجهتها بالطرق العادية التي تقوم على القراءة السطحية عادةً، وإنما من خلال عدد من التوصيات والحلول، التي يمكن تقسيمها إلى أربعة جوانب، كالتالي: أولاً: الجانب التشريعي والعقابي. حيث أكدت الدراسات ضرورة سن القوانين وإعداد التشريعات والضوابط المناسبة لمكافحة انتشار المخدرات والدعارة وتجريم مرتكبيها ومن يمولونهم ويدعمهم مادياً واستخباراتياً.
ثانياً: الجانب الأمني، ويشتمل على: تعزيز الدور الكبير الذي تبذله الجهات الأمنية المتخصصة في متابعة مروجي المخدرات والدعارة عبر تحقيق التعاون بين المواطنين والجهات الأمنية للإبلاغ عنهم وتزويدهم بأي معلومات عن أماكن نشاطهم أو عن حساباتهم والاستخدامات المشبوهة في شبكات التواصل الاجتماعي.
ثالثاً: الجانب الأسري والتربوي، ويشتمل على: توعية الأسر بتفعيل دورها الرقابي وتحذير أبنائها من خطورة التعامل مع أصدقاء السوء وتفعيل برمجة الرقابة الأبوية على الحواسيب الشخصية، وقيام المؤسسات التربوية والتعليمية بدور كبير في تغيير مفاهيم الفئة الشابة وتعديل سلوكياتهم واتجاهاتهم وتفعيل برامج متنوعة في المؤسسات الرياضية والفنية وغيرها لخلق متنفس لتفجير الطاقات والمواهب.
رابعاً: الجانب التوعوي والمجتمعي، ويشتمل على: رفع الوعي في المجتمع، ويتم ذلك بنشر خطر تأثير المخدرات والدعارة على النواحي العقلية والنفسية والجسدية والأسرية، ومشاركة وسائل الإعلام المختلفة في التوعية عن المخدرات ومصادر ترويجها باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي. وتبني برامج وقائية حديثة مبنية على الممارسات الحديثة المبرهن على فعاليتها مثل: المهارات الحياتية، المهارات الأسرية، تثقيف الأقران، المشاركة المجتمعية الفعالة وغيرها.