على مدى أكثر من أسبوع وفي سياق سياسة إبادة الطبيعة، في عفرين المحتلة؛ اندلعت سلسلة من الحرائق المُفتعلة قضت على مزيدٍ من المساحات الخضراء، وذلك في إطار سياسة سلطات الاحتلال التركيّ في تغيير هوية عفرين البيئيّة والطبيعيّة لتتوافق مع عقليّة التصحر ومنهج المرتزقة الفكريّ والثقافيّ، وبذلك يستكمل عمليات تغيير الهوية الإثنيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والتاريخيّة التي عمل عليها عبر التغيير الديمغرافيّ وفرض التتريك.
حرائق مُفتعلة
نقلت وكالة نورث برس في 29/7/2024 عن أهالي عفرين أنّ حرائق أحراش ناحية راجو المستمرة منذ أيام، مُفتعلة من قبل مرتزقة الاحتلال التركيّ، وأشعل عناصر من مرتزقة “فيلق الشام” في 25/7/2024، النيران في الأحراش القريبة من قرية “علبيسكة” بناحية راجو. وحاول السكان إطفاء النيران لكن دون جدوى بسبب وعورة المنطقة وهبوب الرياح ما أدى لامتدادها على مساحات واسعة، وقال شهود إنّ مرتزقة من “فيلق الشام” أقدموا على حرق الشجيرات لتجميع مُخلّفاتها وبيع الفحم، حيث يوجد مكان لتجميع الفحم وتحميله وبيعه قرب مكان اندلاع النيران.
وتداول روّاد مواقع التواصل الافتراضي مشاهداً وصوراً للحرائق الممتدة على مساحات واسعة، دون وجود أيّ جهود تُذكر للمجالس المحلية التابعة للاحتلال التركيّ في المنطقة للسيطرة على النيران المستمرة.
والتهمت الحرائق مساحات شاسعة من طبيعة عفرين المحتلة، وامتدت إلى الأراضي الزراعيّة العائدة ملكيتها للمواطنين، وبذلك يستمر الاحتلال لتركي ومرتزقته في عمليات التغيير الديمغرافي وإبادة الطبيعة في المناطق التي يحتلونها، لتضييق الخناق على من تبقّى من أهالي تلك المناطق في ديارهم، وتهجيرهم من أرضهم.
المدعو آزاد عثمان عضو مجلس عفرين المحليّ التابع للاحتلال التركيّ اضطر للخروج عمن صمته، وقال في تصريح لقناة “رووداو” إنّ الحرائق التي تحدث عملٌ ممنهج والغاية الأساسيّة منها الحصول على الفحم بغاية التجارة، وأشار إلى أنّه تم القضاء على نحو 85% من الغابات الحراجيّة في عفرين، وتتوزع على مساحة تناهز 58 ألف هكتار، وتمّ الانتقال إلى حرق الشجيرات الصغيرة في الجبال وتتوزع على مساحة تتجاوز 50 ألف هكتار.
حرائق الأسبوع الأخير
الاثنين 29/7/2024، قال الدفاع المدنيّ التابع للاحتلال التركيّ “الخوذ البيضاء” إنّ فرقه أخمدت حريقاً حراجيّاً اندلع في أحراش قرية موسيه بريف راجو والتهم نحو ثلاثة دونمات، وتم العمل على منع انتشار النيران إلى مساحات أخرى من المنطقة الحراجيّة.
الأحد 28/7/2024 افتعل المرتزقة حريقاً جديداً في الجبل المُطل على قرية درويش بناحية راجو، وامتد في المنطقة الخاضعة لسيطرة مرتزقة “الحمزات”، ولم تُحرك سلطات الاحتلال ساكناً رغم وجود قاعدة عسكريّة تركيّة على سفوح الجبل، وفي اليوم نفسه؛ تم افتعال حريق للمرة الثانية خلال أسبوع في جبل بعيفه الكائن بين قرى ميدانا وكوسا وبنيراكو وشنكيله وكان أهالي القرى قد قاموا بإطفائها، إلا أن المرتزقة عاودوا إضرام النيران في أجزاء أخرى من المنطقة، لتطال مئات الهكتارات من هذه الغابات ومئات أشجار الزيتون وكروم العنب وأشجار الفستق. فيما استمرت النيران مضطرمة لليوم الخامس على التوالي في الغابات الحراجيّة وحقول الزيتون في جبال “راجو”.
واندلع يوم الأحد أيضاً حريق بالأعشاب اليابسة في حرش قرية شمشك بمنطقة دير صوان بريف عفرين، وتم إخماده باستخدام المُعدات اليدويّة. كما أُخمِد حريقٌ حراجيّ اندلع في أحراش قرية مسكة بناحية راجو مساء الأحد بعد ثلاث ساعات من العمل عن طريق المياه وطريقة العزل لعدم قدرة وصول سيارات الإطفاء إلى بؤر النيران، بسبب طبيعة تضاريس المنطقة الجبليّة الوعرة.
مساء السبت 27/7/2024 اندلع حريق كبير في الأحراش المحيطة بقرية شنكيليه بناحية راجو، وقال الدفاع المدنيّ إنّ عناصره عملوا على مدى سبع ساعات على إخماده، وسط صعوبات كثيرة واجهتهم في وصول آليات الإطفاء إلى بؤر النيران بسبب وعورة الطرقات والتضاريس الصعبة، والعمل بطريقة العزل وبالمعدات اليدويّة، وزيادة شدة الرياح من انتشار ألسِنة اللهب وتجدد اشتعال الحرائق، وتم إخماد الحريق بعد منتصف الليل.
ويوم السبت أيضاً، أُخمد حريقٌ في منطقة حراجيّة قرب قرية أرندة في ناحية شيه/ الشيخ حديد، واستمر لنحو تسع ساعات وتم إخماده عبر التبريد والعمل على منع انتشاره إلى بقية المنطقة الحراجيّة التي تُقدّر مساحتها بنحو 100 دونم.
والتهمت الحرائق مزيداً من المساحات الزراعية والغابات بعد ظهر السبت، وامتدت بسبب الرياح الشديدة، إلى جبل (بانة ميشي – دشتكه – بعيفة) في قرى كوسانلي وبنيراكا وشنكليه في ناحيتي راجو وبلبل، وتخضع المنطقة التي اندلعت فيها الحرائق لمرتزقة “فيلق الشام” و”الحمزات”.
يوم الجمعة 26/7/2024، التهمت النيران مساحات من غابات قرى حج قاسمه وروتا – بناحية معبطلي، وطالت أشجار الزيتون والفستق العائدة للمواطنين الكُرد في هذه القرى بالإضافة لعشرات الهكتارات من الغابات، وعمل الأهالي على إخماد الحرائق بإمكانياتهم البسيطة. ووُجهت دعوات إلى الجهات المسؤولة بما فيها سلطات الاحتلال للعمل على إخماد الحرائق، لكنها لم تُستجب.
الأربعاء 24/7/2024، أضرم المرتزقة النيران في الغابات الممتدة على سفوح الجبال التي تربط قرى بليلكو، خرابي سلوك، عاداما، علبيسكي وصولاً إلى قره بابا بناحية راجو، واستمرت النيران مضطرمة أكثر من يومين دون تدخّل من الجهات المختصة بإطفاء الحرائق، فيما حاول أهالي القرى المذكورة إخماد الحريق بمعدات أولية دون جدوى بسبب انتشار النيران الكبير.
الثلاثاء 23/7/2024 التهمت النيران أشجار غابة جبل راجو لليوم الثاني على مرأى سلطات الاحتلال التركي دون أن تحرك ساكناً، وطالت النيران أشجار غابة جبل عتمانا – غرب بلدة راجو، وقضت على مساحات شاسعة من الغابة بالإضافة لحرق مئات اشجار الزيتون والكرز العائدة لأهالي القرية، وسط مناشدة الأهالي لمركز الدفاع المدني “الخوذ البيضاء ” لإخماد الحرائق دون أن تستجيب، ليضطر الأهالي إلى إخماد الحرائق بوسائل بدائية ضمن الإمكانات المتاحة
وتسبب مستوطنون ومرتزقة بإضرام حريق في جبل قره بيليه ووادي آشلة في قرى ميدانيات التابعة لناحية راجو (بليلكو – عداما – سيمالا) وحاول الأهالي الاتصال بالجهات المسؤولة، ولم يتلقوا أيّ استجابة، وقام الأهالي بإطفاء النار بوسائل بدائيّة، بعدما تسببت بخسائر كبيرة وحرق أشجار الزيتون والكرز. فيما نشر الدفاع المدنيّ “الخوذ البيضاء” على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك أن عناصره أخمدوا ظهر الثلاثاء حريقاً ضخماً في غابة حراجيّة اندلع في محيط قرية ميدان إكبس بناحية راجو.
حريقٌ في جبل “هاوار”
مساء الأحد 21/7/2024 أضرم عناصر من مرتزقة “السلطان مراد” النيران في الجهة الشرقيّة من جبل “هاوار”، وقالت وكالة نورث برس إنها حصلت على صور تظهر اصطفاف عدة سيارات في سهل الجبل وعلى بعد عشرات الأمتار تُظهر النيران المشتعلة حديثاً، ونقلت الوكالة عن مصادر محليّة إنّ عناصر من مرتزقة “السلطان مراد” أشعلوا النيران في الجهة الشرقية للجبل المحاذية لقريتي “شوربة” و”سيمالكا” بناحية معبطلي. ولم يشاهد سكان تلك المنطقة قدوم سيارات إطفاء أو محاولات لإخماد النيران، وأضافت المصادر أنّه تم اقتلاع الأشجار بعد احتراق أغصانها لبيعها حطباً وفحماً في أسواق عفرين وإعزاز.
الثلاثاء 16/7/2024 أقدم عناصر من مرتزقة سليمان شاه/ العمشات التابعة للاحتلال التركيّ على إضرام النيران بالمنطقة الجبلية الكائنة ما بين قريتي شيتكان وحسه/ ميركان بناحية موباتا/ معبطلي. وهرع أهالي القريتين إلى مكان الحريق وعملوا على إطفائه ومنع امتداده إلى مساحات إضافيّة، فيما لم تبادر سلطات الاحتلال أو المؤسسات التابعة للقيام بأي إجراء.
الإثنين 15/7/2024 التهمت النيران التي اندلعت صباحاً مساحات حراجيّة من جبال ناحية راجو في محيط قرية هوبكا غربي بلدة راجو. وبعد سبع ساعات تم إخماد الرحيق وسط صعوبات كبيرة مع درجات الحرارة المرتفعة والعمل عن طريق العزل لعدم قدرة سيارات الإطفاء من الوصول لمكان الحريق بسبب وعورة المنطقة الجبلية الوعرة، وقضت الحرائق على مساحة تقدر بنحو 300 دونم من الأحراش.
الأحد 14/7/2024، اندلعت النيران في جبال قرية كوندي حسه/ ميركان – ناحية معبطلي، وتم إطفاؤه مباشرة بمبادرة من الأهالي.
مزيد من الحرائق
الخميس 4/7/2024، أضرم مرتزقة “سليمان شاه/ العمشات” في حرش حراجيّ في قرية حج حسنلي بناحية جندريسه وتم إخماده يوم الجمعة بعد أكثر من 10 ساعات، وامتد على مساحة 4 هكتارات ضمن مساحة تُقدّر بنحو 50 هكتاراً. ويوم السبت 6/7/2024 تجدد الحريق في المنطقة ذاتها، وقال الدفاع المدنيّ إنّ فرقه أخمدت حريقاً حراجيّاً في قرية حج حسنلي بناحية جندريسه بعد ساعات طويلة.
الأحد 30/6/2024، التهم حريق مُفتعل من قبل مسلحي فرقة العمشات وتم حرق “400” شجرة الزيتون ومئات الأشجار الحراجية في قرية حسيه “ميركان”، وذلك بإضرام النار في موقع “كالي بيركة” الواقعة بين قريتي كوندي حسيه وبريمجا التابعتين لناحية معبطلي، ما أدى إلى احتراق 350 شجرة زيتون للمواطن “كاميران عارف قاسو و50 شجرة للمواطن صبحي قاسو”. واستمر اشتعال النيران لمدة عشر ساعات، ما أدى لاحتراق مئات الأشجار الحراجية مثل السرو والصنوبر.
التهمت النيران مساحات شاسعة من حرش بالقرب من قرية حج حسنلي – ناحية جندريسه يوم الخميس 27 حزيران/ يونيو وأخمد النيران من قبل الدفاع المدني “الخوذ البيضاء” بعد 18 ساعة من اندلاع النيران في الحرش.
28/6/2024، قال الدفاع المدني التابع للاحتلال التركيّ إن فرقه أخمدت بعد 18 ساعة من العمل وعلى مدار يومين، حريقاً كبيراً اندلع في حرش قرب قرية حج حسنلي في ريف ناحية جندريسه وتم إطفاء قسمٍ من الحريق، فيما تم عزل القسم الآخر لصعوبة وصول آليات الإطفاء بسبب وعورة المنطقة.
إضرام حريق على سبيل النكاية
بأوامر من القياديّ في مرتزقة سمرقند المدعو “ساهر” أقدم المرتزق المدعو محمد خلف المسؤول عن قرية روتا بناحية معبطلي على إحراق حرش القرية والمعروف باسم حرش (سمو) أكبر الغابات بالمنطقة، واستمرت النيران مندلعة على مدى ثلاثة أيام دون تدخل الجهات المختصة لإخمادها، لتلتهم مساحات شاسعة، وطالتِ النيران أشجار الزيتون المحيطة بالحرش. وجاء إضرام الحريق على سبيل النكاية إثر خلاف مع مجموعة أخرى من المرتزقة حاولوا قطع الأشجار في الغابة ذاتها.
الزراعة سِمة الكرديّ
مسألة الزراعة تنسجم مع طبيعة الكرديّ في عفرين، فهو يزرع حيثما حلّ، وهذه الصفة ثابتة تؤكدها حقولٌ تضم ملايين الأشجار المثمرة في عفرين، إضافة للأراضي الزراعيّة والبساتين. وهذا العدد الكبير من الأشجار هو ميراثٌ قديم ونتاجُ عملِ أجيالٍ متعاقبةٍ. وخلال أربع سنوات من الإدارة الذاتيّة ورغم أنها كانت فتية ورغم عشرات الملاحظات على أدائها إلا أنّ عفرين شهدت نهضة عمرانيّة وازدهاراً تجاريّاً، وكان قطع أيّ شجرة يستوجب المساءلة، وزادت المساحات المزروعة وعدد الأشجار.
خلال السنوات الماضية من احتلال عفرين؛ تم إحراق عشرات آلاف الأشجار المثمرة والقضاء على مساحات كبيرة من الغابات الحراجيّة، تضاف إليها أعداد مضاعفة من الأشجار طالها القطع والتحطيب الجائر والاقتلاع من الجذور. وبذلك؛ فإنّ المتغير في عفرين بعد الاحتلال المتمثل بالتغيير الديمغرافيّ والإداريّ له انعكاساته المباشرة في أدق تفاصيل الحياة، ولا يمكن المقارنة بين ثقافتين مختلفين كليّاً أحدهما تزرع وتحفظ الطبيعة والأخرى تقطع وتدمر الطبيعة، وفيما يتنطع المرتزقة بشعارات الثورة ويضجون بها، فالحقيقة تؤكد أن الحطابين لا يمكنهم أن يصنعوا ربيعاً.
وبالمجمل لا يمكن المرتزقة استباحة المنطقة بهذا الأسلوب الممنهج إلا بأوامر مباشرة من سلطات الاحتلال واستخباراته. والغاية القضاء على كل مصادر الدخل لدى الأهالي وإفقار المنطقة وتغيير معالمها البيئيّة وفرض اليباس والتصحر عليها، إذ يجري ذلك بالتوازي مع عملية سرقة المياه المخزنة في سد ميدانكي وفرض الإتاوات على الحقول الزراعية وسرقة المواسم.