لعل أسطورة “ممي آلان” تكون الأساس لجميع حكايا الحب حول العالم، التي استمد منها شاعر الكرد العظيم “أحمدي خاني” ملحمته الشهيرة “ممو زين” ذات الشهرة العالمية، والتي يعرفها القارئ العربي عبر ترجمة الدكتور الشيخ رمضان البوطي. كما أن ملحمة “سيامند وخجي” تأتي في مرتبة هامة من حيث مقارنتها في كثير من الأحداث بأسطورة “فينوس وأدونيس” الإغريقية، وتنهل ملحمة “فرهاد وشيرين” من قيم الحب والتضحية والإرادة الصلبة في امتحان الوفاء للعشق. كما تستقر حكاية “زمبيل فروش/بائع السلال” كأعظم تصوير عن الإغراء ومقاومته والتزام العفة والصعود بقيم العشق نحو الله في حضرة قصيدة طويلة تعتبر من أبهى القصائد الكردية في أدب التصوف، حيث الذوبان والحلّول في العشق الإلهي.
بالإضافة لما ذكرنا، فهناك العشرات من الحكايات التراثية في العشق التي تتبادل أدوار البطولة والوفاء، كما في الملحمة الكردية “درويشي عفدي” وتلك العلاقة مع محبوبته “عدولة” والبناء الدرامي العنيف لأحداثها ونهايتها المأسوية كما كل قصص العشق والحب في التراث الكردي، وأغلب هذه الحكايات تم تناقلها عبر رواة يُطلق عليهم لقب )ستران بيج-Sitranbêj /المغني).
والحب لم يكن محصوراً بين عاشقين بل تعدى ذلك إلى حب الأهل والوالدين وحب الوطن، وكان الشعر الكردي ديواناً للعشق، وراوياً للحب، واصفاً خلجات العشاق، مصوراً للجمال الجسدي، غارقاً في عمق الجمال الروحي، مشرقاً بنور من النبالة والنقاء، وظهر الحب في القصص الكردية كأحد أشكال الحبكة وتوليفة لرواية مشاكل اجتماعية أو عائلية وأبرزت الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية من سطوة التقاليد وقيود الدين والفقر والهجرة.
اما الرواية الكردية، والتي لم تظهر إلا في المئة عام الأخيرة، والتي نشطت نسبياً خلال العقود الأخيرة، فإنها أيضاً منحت الحب المكانة الهامة رغم انشغالها في كثير من الأحيان بالقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية مثل الفقر والبطالة والنضال من أجل الشعب الكردي وقضاياه العادلة، وانعكست هذه المواضيع في أعمال روائية عديدة للكتّاب الكرد الذين لم يلجئوا إلى حكايا الحب والغرام إلا لتسليط الضوء على التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها مجتمعاتهم. بالإضافة إلى العامل السياسي، كما في رواية “الراعي الكردي” للكاتب الكردي السوفييتي عرب شمو، والتي نشرت عام ١٩٣٤ فصولاً في العشق والحب، كأول رواية باللغة الكردية، وأيضاً رواية “الجبال المروية بالدم” للكاتب بافي نازي التي تتحدث عن الريف الكردي في بداية الستينيات وفترة نهوض الفكر اليساري الكردي عبر علاقة غرامية للشاب “جتو” الحزبي و”كلي” الفتاة القروية التي لا تدرك من العالم أبعد من أعشاش الحجل حدوداً لقريتها، ونقرأ الحب في رواية للكاتب محمد أوزون حملت “ظل العشق” عنواناً لها حيث السيرة الذاتية للمثقف الثوري “ممدوح سليم بك وانلي” التي وظف الكاتب قصة عشقه لفتاة شركسية لسرد الأوضاع السياسية والثقافية لفترة هامة من فترات نضال النخبة المثقفة في سبيل تحرير كردستان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وإخلاص بطل الرواية إسكندر بك لعشقه، والذي لم يقل عن عشقه لوطنه وشعبه الكردي في عموم كردستان.
واستمرت الرواية الكردية طافحةً بالعشق ومرارته، واستمر الحب مناخاً دافئاً مترعاً بالخيبة والمرارة لاسعاً آواره بصقيع الثلج.