تابعت مؤخراً وباستغراب شديد تصريحات لوزير الخارجية التركية فيما يتعلق بسياسية إسرائيل ونتنياهو، فهي بالفعل استهزاء بذكاء الناس؛ والسبب هو أن مستوى الازدواجية والنفاق في السياسة التركية قد وصل إلى القمة. فتراهم حيناً يصبحون ممثلين عن العالم الإسلامي بأجمعه، كما تجلى في التصريح حول التفجير الذي حصل في أحد جوامع نيوزيلندا، وأحياناً يتحولون إلى ممثلين عن القضية الفلسطينية فيخرجون بتصريحات راديكالية تُزايد حتى على القادة الفلسطينين وكأنهم بالفعل ضد إسرائيل، بالمختصر هذه كلها محاولات ومراوغات سياسية، أولاً للتأثير على الرأي العام التركي ولصرف انتباهه عن قضاياه الداخلية نحو قضايا خارجية وأيضاً مداعبة الشعور الديني لدى القاعدة الشعبية التي يعتمد عليها أردوغان وكذلك للتأثير على الرأي العام الإسلامي والعربي بشكل خاص؛ لإظهار أردوغان بطلاً للمسلمين وبطلاً للشرق.
لكن فاقد الشيء لا يعطيه؛ لأن ما تتم ممارسته في المناطق الكردية وفي عفرين من جرائم من قبل الدولة التركية ليس أقل من ما ترتكبه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. فالتغيير الديمغرافي الذي حصل في عفرين خلال سنة يضاهي ما قامت به اسرائيل في فلسطين لعدة سنين، حيث تم توطين السلفيين والتركمان وحتى عناصر داعش وجبهة النصرة في عفرين.
هنالك بشكل يومي حالات خطف وقتل وتعذيب بحق الكُرد الذين ما زالوا يعيشون في عفرين. حالات الاغتصاب والسطو والسرقة على مال المدنيين؛ تتم على قدم وساق. حيث تم قطع مئات الآلاف من أشجار الزيتون خلال فترة قصيرة. ليس هذا فحسب، بل تم هدم كل ما يرمز للشعب الكردي ويتم تطبيق سياسة التتريك في المدارس، كل هذا تم خلال سنة. نعم يومياً يتعرض شعب عفرين للإبادة الجسدية والثقافية ويتم ارتكاب أبشع الجرائم بحق المدنيين العُزّل، وهنا أسأل؛ هل هناك فارق بين ممارسات إسرائيل في فلسطين وبين ممارسات الدولة التركية في عفرين أو ضد الشعب الكردي في باكور كردستان؟!
سياسة الكذب والرياء والخِداع أصبحت جزءً لا يتجزأ من الممارسة السياسية اليومية لحزب العدالة والتنمية في تركيا، فعندما يتكلمون عن فلسطين هدفهم هو التعتيم على ما يرتكبونه من جرائم بحق الشعب الكردي، وأيضاً لإخفاء علاقاتهم الاستراتيجية مع إسرائيل وكسب ودّ العالم العربي، وفصل القضية الكردية عن القضية الفلسطينية، في حين أنه في الحقيقة هناك علاقة حميمية بين إسرائيل وتركيا وعلى كلِّ الصُعد؛ الاقتصادية والسياسية والعسكرية، علاقة تمتد لتاريخ طويل وكلما مر الزمن تصبح أكثر متانة.
يجب أن يعرف أشقاؤنا العرب بأن تصريحات المسؤولين الأتراك؛ ما هي إلا ذَر للرماد في الأعين؛ والهدف منها هو التعتيم والتشويش على الحقيقة، فالذي يقوم بمحاربة وقتل هوية شعب لا يملك قدراً كافياً من السوية الأخلاقية ليتضامن مع مظلومية شعب آخر، ومن يدعم التطرّف الديني؛ لا يمكن له أن يدعو صادقاً لإسلام حقيقي، إنها عملية سمسرة لا غير، إنهم تجار ويمكنهم أن يتاجروا بكل شيء في سبيل الوصول إلى هدفهم. لذلك؛ من الهام جداً أن نعمل على ألا يقع أحد ضحية لهذه الدعايات ويصدق هذه الاستعراضات التي نحن بغنى عنها.