سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الجبن البلدي… ملاذ النساء لتأمين احتياجاتهن الأساسية

يقع على عاتق النساء الريفيات في اليمن مسؤولية دعم أُسرهن ماديّاً من خلال العديد من الأعمال التي يقمنَ بها، منها تربية المواشي، أو صناعة الخزف، أو الزراعة، أو صناعة الجبن وغيرها من الأعمال التي تكفل لهن ولأسرهن احتياجاتهن الأساسية.
على الرغم من اندثار الكثير من الصناعات والحِرف اليدوية اليمنية القديمة، إلا أن صناعة الجبن البلدي في مدينة تعز بقيت صامدة لعشرات السنين، وما تزال مشهودةً حتى الآن وبطرقها التقليدية، ولم تستطع المنتجات المستوردة أن تحل مكانها، حيث أنها تعد واحدة من أهم المأكولات الشعبية التي يتميز بها المطبخ اليمني، ويُقبِل عليه المئات لمذاقه المتميز ومكوناته الطبيعية.
وعلى خطوط النار شمال غرب مدينة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن، تعمل رقية هائل (50) عاماً على صناعة الجبن البلدي، الذي تشتهر به مدينة تعز، لتوفر لأسرتها أبسط الاحتياجات، فهي تعتمد على بيع الجبن وتربية المواشي كوسيلة وحيدة للعيش منذ قرابة 20 عاماً.
ألغام وقنص يُحيطهم
وتعاني رقية هائل وبقية النساء في تلك المنطقة الواقعة على خطوط النار من انعدام وصول الخدمات، واستمرار القصف والاشتباكات، حيث تقع بالقرب من سيطرة الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً، وعن ذلك تقول: “مصدر رزقنا الوحيد هو الأرض التي نزرعها والحيوانات التي نستفيد من ألبانها والزبدة لصناعة الجبن والسمن البلدي، لكن الأرض القريبة منا زُرعت بالألغام من قبل الحوثيين، فلا نستطيع أن نرعى الأغنام هناك، وأن فرت إحدى المواشي إلى هناك لا نستطيع اللحاق بها خوفاً من الألغام”.
تقوم رقية هائل كل صباح بحلب الماعز والبقرة الوحيدة التي تملكها لتعمل على إعداد الجبن من اللبن، حيث تقوم بتصنيعه بالطرق التقليدية وتجهيزه وبيعه على التجار في الأسواق، وتشرح طريقة تجهيزه: “نقوم بصناعة الجبن من حليب الأبقار والماعز فقط ولا نقوم بخلطه بأي ألبان غير طبيعية، ثم نضيف الملح ومادة طبيعية لتماسك الجبن، حيث يتم استخراجها من أمعاء الماعز الرضيع وتُخزن ويتم استعمالها وقت صناعة الجبن، ثم أقوم بتحمير الجبن على الحطب بحسب الحاجة وبذلك يكون جاهزاً للبيع”.
جهد ومبلغ زهيد
وتعيل رقية هائل من خلال بيع الجبن أسرتها المكونة من ستة أبناء وزوجها الذي فقد عمله بسبب الحرب، إلا أن المبلغ الذي تجمعه أسبوعياً من بيع الجبن لا يسد احتياجات أسرتها على حد قولها.
تبيع فطيرة الجبن الواحدة بـ 3500 ريال يمني، ما يعادل دولار ونصف، ويعتبر هذا المبلغ قليل مقابل المجهود الذي تقوم به وجودة صناعة الجبن “أبيع الجبن بسعر زهيد لأنني لا أستطيع الوصول إلى السوق ولا أملك محلاً، لذا أضطر لبيعه لبائعي الجبن”.
تراجع إنتاج الجبن منذ اندلاع الحرب، بحسب رقية هائل، وذلك بسبب انحسار المساحات الزراعية لرعي الأغنام والأبقار لندرة هطول الأمطار ووقوع أغلب المزارع على خطوط النار، كما أن الكثير منها مزروعة بالألغام.
تنمية وتمكين
وتحتاج رقية هائل وجميع الريفيات في تلك المنطقة والمناطق المجاورة إلى التدخل بحلول عاجلة التي يمكن تنفيذها من قبل الجهات المعنية والمنظمات المهتمة بالزراعة سواءً الدولية أو المحلية، بحسب قول المدربة فاطمة الشرعبي.
وأكدت: “النساء الريفيات يحتجن للدعم وبذل المزيد من الجهود في تدريبهن وتوعيتهن حول التقنيات الزراعية ومواجهة التغيرات المناخية ودعم مشاريعهن الخاصة التي تعتبر مصدراً للدخل لهن، وتسهيل الوصول إلى الخدمات في الريف وخصوصاً للنساء، والتي ستُساهم في تحسين وضع النساء الريفيات وتعزيز دور المرأة الريفية في التنمية”.
ويعدُّ الجبن البلدي من أكثر الأكلات التي تشتهر بها اليمن، خصوصاً مدينة تعز وتقول نوره عبده، وهي امرأة اعتادت على شراء الجبن بشكلٍ يومي، بأن الجبن البلدي أفضل وأجود الأجبان، ويتم تحضيره مع وجبة “السحاوق” وهي عبارة عن خليط من الطماطم والنعناع الأخضر والثوم والفلفل الأخضر وبعض الأعشاب اليمنية كالريحان وغيره ويُهرس الجبن مع الخليط ويتم تناوله مع أنواع مختلفة من المخبوزات اليمنية.
وكالة أنباء المرأة