No Result
View All Result
المشاهدات 5
مدحت صفوت_
رغم مكانتها الرفيعة وشهرتها الواسعة، لا تزال جائزة نوبل في الآداب مثار جدل ونقد. فمعيارية منحها، خاصة في ظل عمرها المديد وكمّ الإنتاج الأدبي الهائل حول العالم، يثير تساؤلات حول مدى عدالتها وشموليتها.
أُسست هذه الجائزة لتكريم الإنجازات الأدبية البارزة، إلا أن تاريخها حافل بالانتقادات حول الانحيازات السياسية والثقافية، بل حتى الأخلاقية في بعض الحالات. فمنحها لرئيس وزراء مثل ونستون وتشرشل مثلًا، بدلًا من روائيين كبار مثل تولستوي وتشيخوف، أثار جدلًا واسعاً حول معايير اختيار الفائزين.
إن حصر الجائزة في كاتب واحد سنوياً، مع الأخذ بعين الاعتبار الثراء الأدبي الهائل في مختلف اللغات والثقافات، يجعل من الصعب تحقيق العدالة التامة. فكثير من الأدباء الكبار لم يحظوا بالتقدير الذي يستحقونه، بينما حصل آخرون على الجائزة لأسباب قد تكون خارجة عن إطار الإنجاز الأدبي البحت.
إن «ذاكرة» جائزة نوبل الأدبية، كما يصفها البعض، تبدو «مثقوبة» في كثير من الأحيان، فعيونها تغفل عن أسماء كبيرة، وتختار أحياناً أخرى أسماء أقل جدارة. هذا الأمر يثير تساؤلات حول المعايير التي تعتمدها الأكاديمية السويدية في اختيار الفائزين، وهل هي معايير موضوعية بحتة، أم أنها تتأثر بعوامل أخرى؟ بالتالي، يبقى السؤال مطروحاً: هل تستطيع جائزة نوبل في الآداب، بصورتها الحالية، أن تحقق هدفها المنشود في تكريم أبرز الإنجازات الأدبية في العالم؟ أم أنها بحاجة إلى إعادة النظر في معاييرها وآليات اختيارها؟
ولطالما راود العرب حلم الظفر بجائزة نوبل في الأدب مجدداً، بعد أن تذوقوا طعم الفوز مرة واحدة بمنحها للكاتب المصري نجيب محفوظ عام 1988. ومع ذلك، فإن فوزاً واحداً فقط، يجعل هذا الحلم يبدو بعيد المنال. فما الأسباب التي تجعل الأدباء العرب يتطلعون بشغف لهذه الجائزة؟ وما هي العوامل التي تعوق حصولهم عليها؟
تكررت ترشيحات العديد من الأدباء العرب، أبرزهم الشاعر السوري أدونيس والشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش والروائية الجزائرية آسيا جبار واللبناني الفرنسي أمين معلوف. ورغم تزايد الآمال، ظل الحلم بتتويج نوبلي جديد في الأدب يراود المثقفين العرب، دون جدوى.
وفي حين تحقق للعرب حلم نوبلي آخر في مجال العلوم من خلال فوز أحمد زويل بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، فإن جائزة نوبل في الأدب ظلت حلماً يراود الأدباء العرب.
وجهات نظر
يرى البعض أن هناك تحيزاً ضد الأدب العربي، وأن لجنة نوبل تميل إلى اختيار أدباء من الثقافات الغربية. كما يشيرون إلى أن هناك نقصاً في الشفافية حول عملية الاختيار، مما يثير الشكوك حول وجود عوامل سياسية أو ثقافية تؤثر في القرار النهائي.
من جهة أخرى، يرى البعض أن الأدباء العرب أنفسهم يتحملون جزءاً من المسؤولية، فبعضهم يركز على القضايا المحلية الضيقة، ولا ينتج أعمالًا ذات بعد عالمي. كما أن هناك من يرى أن الترجمة تلعب دوراً حاسماً في إيصال الأدب العربي إلى العالم، وهناك نقص في الجهد المبذول في هذا المجال.
وتمثل جائزة نوبل للأدب اعترافاً عالمياً بالإبداع الأدبي، وتفتح أبواب الشهرة العالمية للأديب الفائز. في حين يرى فريق ثالث أن السعي وراء هذه الجائزة يجب ألا يكون الهدف الأساسي للأديب، بل يجب أن يكون تركيزه منصباً على الإبداع الأدبي الحقيقي.
لعل تجاهل الجائزة لاسم عميد الأدب العربي طه حسين، هو الأغرب في تاريخ علاقة الأكاديمية السويدية بالثقافة العربية، ففي العام 2019 أعلن القائمون على الجائزة عن ترشيحات الجوائز منذ مطلعها حتى 1969، أي بعد مرور 50 عاماً على أقرب الأعوام، وتبيّن ترشيح «حسين» للجائزة 14 مرة من جهات عدّة، فيما لم يفز في أي دورة من الدورات.
وتنوعت ترشيحات العميد، فمرة تأتي من أحمد لطفي السيد، وثانية من الفرنسي برنارد جويان، وثالثة من جامعة القاهرة «جامعة فؤاد الأول حينذاك»، ومرات أخرى على يد السويديين كارل زترستين وهيدبرج وهنريك صاموئيل نايبرج، والفرنسي شارل بلا، والسويسري سيزار دوبلير، ليخسر أمام وليام فوكنر، والفيلسوف البريطاني برتراند راسل، وبار لاجركفيستن وفرنسوا مورياك وإيفوأندريتش واليوناني جيورجوس سفريس، وجان بول سارتر، والسوفييتي ميخائيل شولوخوف، وغيرهم.
إثارة الجدل
غربياً أيضاً ثمة عدم رضا عن جائزة نوبل، للحد الذي كتبت عنه الناقدة والصحفية البريطانية جوليا كاربونارو، أن نوبل للآداب أثبتت أنها الأكثر إثارة للجدل إلى ما لا نهاية، منذ أن منحت لأول مرة في عام 1901. وفي أغلب الأحوال، أثارت جوائز الطب والفيزياء والكيمياء بعض الجدل، ربما كان اختيار الخبير أو فريق الخبراء الفائزين غير مستحقين، لكن عامة الناس لم يكونوا قادرين على الحكم، لأن هذه الأبحاث غالباً ما تكون تقنية للغاية وغامضة تقريباً بالنسبة لأولئك الذين ليسوا على دراية بالموضوعات.
وعندما يتعلق الأمر بالأدب، فمن المرجح أن يكون عدد كبير من الناس قد قرؤوا المؤلفين الذين تأخذهم الأكاديمية السويدية في الاعتبار كل عام لنيل الجوائز المرموقة. خاصة لأن جائزة نوبل لا تُمنح لكتب فردية بل لأعمال كاتب، ولهذا السبب تطرح الجائزة أكبر عدد من الخلافات التي شوهت جوائز نوبل في أي فئة.
وترى كاربونارو، أن واحدة من أكثر جوائز الأدب إثارة للجدل حقاً هي تلك التي مُنحت للكاتب النمساوي بيتر هاندكه، رغم مواقفه من الإبادة الجماعية في البوسنة أثناء الحرب في البلقان في التسعينات من القرن الماضي، وتأييده الكبير للرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش. وقتها، احتج مئات الأشخاص خارج الحفل في السويد، ووقع ما يقرب من 60 ألف شخص على عريضة تطالب الأكاديمية السويدية بإلغاء الجائزة.
في عام 2010، فاز المؤلف البيروفي، الذي يُلقب ب «ملك الخلافات»، ماريو فارغاس يوسا، بالتأكيد هو أحد أهم الروائيين والكتاب في أمريكا اللاتينية، لكنه أيضاً كاتب تخلى عن التزامه الأولي بالاشتراكية من أجل السياسة اليمينية، وترشح لانتخاب رئيس بيرو في عام 1990. بالنسبة للعديد من الناس، كان فوزه اختياراً مثيراً للجدل من قبل الأكاديمية السويدية، وقيل وقتها «عندما تفكر في يوسا، فإنك تفكر في رأيه السياسي أكثر من كتبه».
سري للغاية
على صعيد آخر، في عام 2021، طرح الكاتب جو سويني على موقع The Amherst Student سؤالًا حول نوبل في الآداب ومعاييرها وسريتها، أو تحديداً: هل نظام اختيار جائزة نوبل سري للغاية؟ وأشار إلى أن قِلة قليلة من الناس يفهمون المعايير المقررة لاختيار الفائزين، وقتها أعلن عن فوز الروائي التنزاني البريطاني عبد الرزاق قرنح، دون أن يعرف أحد خارج لجنة الترشيح كيف تقيم جدارة عمل المؤلف، أو يعرف من هم أعضاء لجنة الترشيح أو كيف جرى اختيار أعضائها.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن معظم الحائزين الجائزة لن يتصدروا قائمة أكثر الكتب مبيعاً أو أن أحد استوديوهات الأفلام في هوليوود سيتواصل معهم، فقد تكون أموال الجائزة هي المكافأة المالية المرضية الوحيدة لكتاباتهم طوال حياتهم.
ومن الواضح أن الجائزة لديها القدرة على تحقيق بعض المنافع. ومع ذلك، فإن ما قد يجعلها صعبة التقبل هو مدى جهل مؤسسة نوبل بما تقدره المجتمعات الأدبية العالمية. فمن الناحية التاريخية، تجاهلت المؤسسة العديد من أعظم الكتاب الذين عاشوا على الإطلاق. قد يبدو هذا التصريح مبالغاً فيه بعض الشيء، لكنك بعد ذلك ترى أسماء محذوفة من قائمة الفائزين: جيمس جويس، ورينر ماريا ريلكه، وفيرجينيا وولف، وخورخي لويس بورخيس، وبرتولد بريشت، وليو تولستوي، على سبيل المثال لا الحصر. والواقع أن الجائزة لا تُمنح بعد الوفاة، وبالتالي فإن هذه الأخطاء لا يمكن تصحيحها.
تحديات وفرص
بالعودة إلى السؤال السابق طرحه بشأن فقدان العرب الأمل، فثمة عوامل تؤكد ذلك الشعور منها أنه بعد محفوظ، لم يحالف الحظ أي أديب عربي آخر، مما يولد إحساساً بالإحباط لدى الكثيرين، بجانب الشك في المعايير، وهيمنة اللغات الأوروبية على المشهد الأدبي العالمي، كذلك غياب ترجمات دقيقة وشاملة للأعمال العربية مما يحد من وصولها إلى لجنة التحكيم والجمهور العالمي، فضلًا عما تلعبه العوامل السياسية من دور في اختيار الفائزين لدعم مواقف سياسية معينة.
ورغم ما سبق من تحديات، هناك من يرى بوجوب عدم فقد الأمل، خاصة مع وجود العديد من الأدباء العرب المتميزين الذين يستحقون هذا التقدير، والجهود التي تبذل لتطوير الأدب العربي وترجمته ونشره على نطاق واسع، وتزايد اهتمام الشباب العربي بالمؤلفات والإصدارات، الأمر الذي يدفع للمطالبة بالتركيز على ترجمة الأعمال العربية إلى اللغات العالمية، وتوفير الدعم المادي والمعنوي للمترجمين.
No Result
View All Result