No Result
View All Result
المشاهدات 2
تحقيق/ فيروشاه أحمد –
في الجزء الأول من هذا التحقيق؛ سلطنا الضوء على بدء انطلاقة ثورات الشعوب في الشرق الأوسط، وبدء الثورة السورية، وتحولها من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة وتدخل الدول الإقليمية والدولية فيها وإبعادها عن أهدافها، وانطلاقة ثورة روج آفا وشمال سوريا وتميزها عن تلك الثورات بالتنظيم والفكر الحرّ… وفي هذا الجزء سنتناول تعقد الأزمة السورية والتدخل الخارجي في شؤونها من خلال عقد المؤتمرات وإطالة عمر الأزمة لتحقيق مصالحها…
مؤتمرات تهكمية وحلول خرافية
سبع سنوات من الحرب أهلكت الحرث والنسل في سوريا ولم تتوضح حتى الآن معالم أي حل سياسي في الأفق القريب ولا البعيد، كل السيناريوهات والأجندات والمفاوضات والحوارات والتحالفات باءت بالفشل، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا فشلت هذه المؤتمرات بإيجاد صيغة يتفق عليها السوريين؟
القائمون والمشرفون على هذه المؤتمرات لا نيَّة طيبة لديهم بإنهاء الأزمة، ولا المعارضة أيضاً ولا حتى النظام، كون كل طرف لا يمثل السوريين، بل يمثلون أجندات إقليمية ودولية، لهذ جاءت أغلب نتائج هذه اللقاءات تهكمية وكأنهم يحاورون ويتفاوضون على بستان لا خير في ثمره، وكانت أغلب هذه المؤتمرات بمثابة عقاقير مهدئة للشعب السوري، كي يعيش أزمته دون وعي.
أسرعت أغلب الدول المتصارعة على سوريا بأقناع المتحاربين عليها باللجوء إلى طاولة المفاوضات فكان جنيف واحد في عام 2012 وهي دعوة من مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان باجتماع لـ “مجموعة العمل من أجل سوريا” في مدينة جنيف السويسرية وهذه المجموعة تتألف من عشر دول وممثلين عن الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية.
تبنى المؤتمر ست نقاط رئيسية لحل الأزمة تلخصت بوقف إطلاق النار والافراج عن المعتقلين وحرية تكوين المؤسسات وحق التظاهر السلمي، كل الجهات وافقت على الصيغة النهائية إلا روسيا التي اعترضت على البيان الختامي بأنه لا يتضمن ترحيل الأسد، بينما أمريكا أكدت بأن المؤتمر يمهد لمرحلة ما بعد الأسد، ويعتبر مؤتمر جنيف واحد حتى الآن الوثيقة السياسية الوحيدة التي حازت على توافق دولي وعربي وإقليمي ومجلس الأمن.
عقد فيما بعد في جنيف أكثر من تسع مؤتمرات بين النظام والمعارضة بقصد التوصل إلى وضع صيغة لحل الأزمة في سوريا، لكن الظروف الغامضة والمتناقضة في الداخل والخارج لم تسمح لهذه المؤتمرات أن توضح معالم خطة طريق لإنهاء الأزمة حول القضايا المطروحة في المفاوضات، تمحورت الخلافات بين الطرفين حول نقاط جوهرية ففي الأول كان حول مصير الأسد، وفي الثاني حول تعريف الإرهاب وتشكيل هيئة حكم انتقالي.
تتالت المؤتمرات في جنيف وتتالت معها الخلافات بين الطرفين، وتتحمل روسيا وأمريكا النصيب الأكبر من أسباب الفشل كونهما لم يعملا بالضغط على الطرفين وإنهاء الحرب، بل كانتا سبباً في توسيع الهوة وتأجيج الصراع وفق مقتضيات مصالحهما، أمام هذا الفشل في جنيف سرقت موسكو الأنظار بعقد جلسات تفاوضية بين النظام والمعارضة في آستانا (كازاخستان).
ومن آستانا كانت موسكو وإيران وتركيا تجتمع في (سوتشي) مع طرفي النزاع، وخلال تسع جولات ولقاءات باتت ست حقائق واضحة للطرفين حول إنهاء الأزمة منها دراسة الأوضاع في سوريا بشكل عام والإفراج عن المعتقلين وتحديد مناطق خفض التوتر واتخاذ قرارات بشأن وقف اطلاق النار في بعض الأماكن، وفي سياق آخر أكد الجميع بأن لا حل عسكري في سوريا، بل الحل السياسي هو الأمر الذي يمكن اللجوء إليه، كونه يتوافق مع قرارات مجلس الأمن واتفاق جنيف1.(قرار الأمم المتحدة رقم 2254 وينص على أن تتم المفاوضات بين السوريين برعاية أممية مع وضع دستور لسوريا خلال ستة أشهر وانتخابات خلال 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة) وانبثقت من هذه الجولات التفاوضية تشكيل مجموعة (روسيا ـ تركيا ـ إيران) مهمتها مراقبة وقف القتال، من جانب آخر اقترحت موسكو وضع دستور جديد للبلاد، والتأكيد على خفض التوتر في إدلب وحلب ودمشق واللاذقية.
قد لا يحلو لبعض الساسة والمتابعين بأن سبب فشل هذه المؤتمرات والمفاوضات هي تجاهل الكرد ومشروعهم الديمقراطي، وينسون أو يتناسون بأن الكرد هم المكون الهام في التشكيلة الاجتماعية والسياسية في المستقبل السوري، لأنهم بالنتيجة هم أبناء هذه الأرض منذ آلاف السنين، ومن جانب آخر لم يتوانى الكرد بالتصدي لقوى الظلام ودحرهم في أكثر من موقع، وحافظوا على الشمال السوري من كل حالة انقسام وتشرذم، بل عملوا على وحدة الأرض وتقارب الرؤى بين المكونات بخلق ثقافة مشتركة منبثقة من مفاهيم الإدارة الذاتية.
تجدد الصراع وغياب الحلول
بالأمس كانت لعنة الفراعنة تلحق بعض الشخصيات والمجموعات جراء التمرد أو التحدي للآلهة، وفي سوريا لحقت لعنتها كل الأنظمة الحداثوية والقوموية التي لا تبحث إلا عن تحقيق مصالحها على حساب نزيف الدم السوري.
لا يختلف اثنان بأن الأزمة السورية لا تشبه أزمات تونس وليبيا ومصر، وإلا لماذا تكالبت أغلب الدول الإقليمية والدولية على نهش لحمها، ففي كل مرحلة تتلاشى الحرب نسبياً عندما تتوافق هذه القوى بتقسيم مصالحها، وفي كل لقاء أو تسوية يجددون الحرب والصراع وكأن سوريا وكأن شعبها أنابيب اختبار لسياساتهم وأسلحتهم وبقدر ما يتم التصعيد بقدر ما يحققون سياساتهم وأجنداتهم.
ففي المرحلة القصيرة الماضية من عمر الأزمة تناحرت هذه الدول سياسياً فيما بينها وتوصلوا من خلال تسويات ومقايضات على حساب الشعب السوري، وتعطيل الحراك السياسي والمسلح في أغلب المناطق، وتحولت سوريا أرضاً وشعباً إلى ساحات صراع بين الدول العظمى وبعض الدول الإقليمية، في حين تأجل الحل إلى تقاسم النفوذ فيما بينهم، ففي أقل من سنة بات هذا التحول واضحاً في ظل الهجرة والقتل والدمار الذي طال السوريين.
كي ندرك حقيقة هذا التدخل والتحول لا بد أن نعرف حقيقة هذه الدول وسياساتها، فروسيا التي هي الأقرب للنظام ترجع تلك العلاقة إلى سنوات خلت من زمن الاتحاد السوفيتي فكان الدعم وما زال غير محدود باستخدام السلاح الروسي، صحيفة (الإكونوفيست) أكدت بأن روسيا تدعم النظام من خلال نقل مئات الاطنان من الأوراق النقدية، وقيام مستشارين عسكريين روس بحماية الدفاعات المضادة للطائرات التي أرسلتها روسيا لسوريا، من جانب آخر زودت روسيا النظام منذ 2014 بسيارات مدرعة وأجهزة مراقبة وأنظمة حرب إلكترونية، هذه المقدمات سهلت لروسيا بالتدخل مباشرة عام 2015.
أما أمريكا التي تدخلت بكل قوة في سوريا بعد أن مدت يد العون والمساعدة للمعارضة بمعدات قتالية، ففي 2013 قامت أمريكا بتدريب عناصر غير إسلامية، ونتيجة سيطرة داعش على مساحات واسعة في سوريا حشدت قواتها ودول أخرى بضرب ومحاربة الإرهاب عبر تحالف دولي، بريطانيا من جهتها وعبر قواعدها في قبرص ساهمت في دعم بعض الفصائل المعارضة للنظام بأجهزة اتصالات وملحقات طبية، ولم تبقى فرنسا مكتوفة اليدين أمام هذا المشهد المثير، بل ساهمت هي أيضاً بأرسال معدات قتالية وإمدادات عسكرية لبعض الفصائل المعارضة.
ولولا الدعم المالي للسعودية وقطر منذ بداية الثورة وحتى الآن لما وصلت الأزمة إلى ما وصلت إليه، فقد أعلنتا عن دعمهما اللامحدود للثورة، وبكل المقاييس احتلت السعودية المرتبة الأولى في هذا الدعم، من جانب آخر كانت إيران قبل الثورة بسنين طويلة تعيش في العمق السوري سياسياً واقتصادياً، لهذا لم تتأخر في دعمها ومساندتها للنظام بدون تحفظ بالعدة والعتاد والرجال، والزبداني ما زالت مركزاً حيوياً واستراتيجياً للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، لم تكن تركيا أقل حضوراً وتدخلاً من غيرها من الدول فهي الجارة العدوة التقليدية للثورة وشعوب سوريا وبخاصة الكردي، فكان تدخلها السياسي والعسكري بشكل سافر، واستثمرت دبلوماسيتها مع كل الأطراف كي تحظى بأكبر قدر من الكعكة، احتضنت ما يشبه المعارضة وقدمت لهم الدعم، ثم لملمت الدواعش وقدمت لهم أيضاً كل شيء، رغم ذلك كانت تراقب المشروع الديمقراطي للشمال السوري حين احتلت عفرين في بدايات عام 2018 بقوة عسكرية كبيرة ومدعومة بالمرتزقة، قد يطول الحديث عن الدول التي ساهمت وما زالت تساهم بدون أخلاق سياسية ومجتمعية في تصعيد الصراع بين النظام والمعارضة.
بالمحصلة تبقى حقيقة الصراع على سوريا من قبل هذه الدول هي بسط السيطرة والهيمنة على المنطقة وليس في إرساء الأمن والسلام للشعب السوري، وما حدا بهذا الصراع أن يكبر الموقع الجيو سياسي لسوريا في الشرق الأوسط، فهي منطقة مصالح حيوية كونها غنية بالموارد الطبيعية (النفط) لهذه الأطماع بات التنافس شديداً بين هذه الدول، وكانت لأدوارها الخفية قبل الأزمة والعلنية بعد بدء الأزمة تأثير واضح على التصعيد، ولم تحاول أن تأتي بحلول وطنية وبمقاسات وطنية ودستورية، حتى تستمر الفوضى وهم يبسطون هيمنتهم بكل سهولة.
من جانب آخر تعمل الدول العظمى من خلال هذا الصراع والتنافس على سوريا بإضعاف القوى الإقليمية (العراق 2003) المتنامية فتدخل إيران في سوريا أدخلها في متاهات وموقع لا تحسد عليه من خلال علاقاتها مع أوروبا وأمريكا، وهذا ما أضعف من قوتها وأدى إلى استنزاف طاقاتها ومحاصرتها من خلال برنامجها النووي في زوايا المفاوضات والمقايضات، وتركيا ليست بأحسن حال من جارتها حين تتعرض للابتزاز من قبل روسيا وأمريكا وبخاصة ما يتعلق بحساسيتها من القضية الكردية التي كان لها الشأن الأهم في الثورة السورية من خلال حضورهم السياسي والعسكري المتميز حين حاربوا ودحروا داعش من أقصى الغرب لأقصى الشرق من الشمال السوري.
حل الأزمة السورية يكون بتطبيق الفكر الديمقراطي
من خلال ما سبق؛ نجدّ أن الدول الإقليمية والدولية تطيل عمر الأزمة السورية، وتتدخل في الشأن السوري لانقسامها فيما بينهم وتحقيق مصالحهم، فبالرغم من تعدد المؤتمرات واللقاءات والنشاطات المكثفة التي ترعاها واشنطن وموسكو حول وضع حلول أو جدول بإنهاء الصراع في سوريا، لم تتوضح حتى الآن الرؤية المستقبلية لهذه الحلول، فهي أولاً وأخيراً مرتهنة بمصالح هذه الدول، أمريكا وبكل قوتها تعمل على تسويق وتسويف الأزمة السورية كي تكسب وقتاً إضافياً بإملاء شروطها على الكل، أما روسيا فهي أيضاً تحاول أن تعمل وفق صيغة مشتركة مع أمريكا حتى تحقق مصالحها في الساحل السوري.
والحل يكون من خلال الشعب السوري نفسه، وذلك بالحوار السوري ـ السوري واللامركزية في الإدارة، وتطبيق المشروع الديمقراطي المطبق في شمال وشرق سوريا في عموم سوريا، وكذلك مشاركة الشعوب السورية كافة في صياغة دستور جديد يضمن حقوقهم وحرياتهم، بما فيهم الشعب الكردي، ويضمن له حقوقه الثقافية والتاريخية من خلال تطبيق مبادئ حق المواطنة الحقيقية.
المراجع.
ـ الثورة السورية .. الأسباب والتطورات ……….. د. غازي التوبه.
ـ الثورة السورية وإشكاليات التحول نحو العسكرة….ماجد كيالي.
ـ مؤتمر جنيف الأول من أجل سوريا… المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام.
No Result
View All Result