روناهي/ قامشلو: بلون الحرية وبروح الديمقراطية نبضت ثورة التاسع عشر من تموز أولى نبضاتها في كوباني، لتكون القلب الخافق لشعوب المنطقة التي تضخ الدم إلى الجميع بالتساوي، وكانت الثقافة والفن ثمرةً يانعةً أعطت المجتمع أملاً جديداً في الحياة.
عُرفت الثورات الشعبية السلميَّة في العالم بطابعها المدني والإنساني؛ حيث كانت مجمل الثورات المدنية حول العالم تشتعل من أجل الحرية والحقوق الإنسانية التي كانت الأنظمة الحاكمة تسلبها، وفي سوريا وبالتحديد في شمال وشرق سوريا أصبحت ثورة التاسع عشر من تموز الشعلة النضالية التي لا تنطفئ، وكانت من أنجح الثورات التي بنتيجتها تأسست الإدارة الذاتية في مناطق شمال وشرق سوريا، وأخذ كل فردٍ حقه بالحرية والهوية واللغة، فقد كانت بداية الثورة في كوباني عام 2012م، ومن ثم انتقلت إلى سائر مدن شمال وشرق سوريا، وفي عام 2014م أخذت شعوب المنطقة بيد الإدارة الذاتية ليكونوا أولياء أنفسهم على أرضهم، وبات الكرد والعرب والسريان والأرمن… في روج آفا يديرون شؤونهم، وبدأت المؤسسات المجتمعية تبصر النور، وكان الهدف من هذه الثورة بالدرجة الأولى تعلم كل شعبٍ بلغته الأم والتخلص من نظام البعث الذي يحكم على الجميع التكلم باللغة العربية والالتزام بالقوانين والأحكام البعثية، ناهيك عن استبعاد الكرد عن وطنهم وحرمانهم من الهوية السورية وتعريب كل ما هو كردي.
فسحة من حرية التعبير
من ركائز ثورة التاسع عشر من تموز الثورة الثقافية التي دفعت عجلة الارتقاء بالمجتمع إلى الأمام، ومن ضمن الهيئات التي تشكلت منها الإدارة هيئة الثقافة والفن، والتي نمت براعمها وامتدت إلى مختلف مدن الشمال السوري، فكانت ثقافة وإرث الشعوب المختلفة والحفاظ عليها من الاندثار هدف هذه المؤسسات، كان الكرد يعانون من طمسٍ للهوية واللغة والفكر الحر، والعرب والسريان والآشور ومختلف شعوب المنطقة متساوون في التهميش الممنهج لأبسط حقوقهم، فكان الفكر الديمقراطي الحر صلة الوصل التي لمّت شمل الجميع تحت مظلة الثقافة والفن، وبدأت المراكز الثقافية تعكس الطابع الاجتماعي المشترك وكانت صورة لكل مبدعٍ وأعطت كل ذي حقٍ حقه بتقديرٍ وود.
أعراس ثقافية
أخذت المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية المختلفة تُقام، وكانت وما تزال الليالي والسهرات الثقافية الشعبية تُنظم، وإلى جانب الفعاليات والنشاطات الثقافية مارس كل شعب طقوسه الخاصة في ميادين الشعر والكتابة والرواية ومجالات الفن كافة، فعلى مدار أعوام عدة أقيم مهرجان المسرح كتقليدٍ سنوي من أجل الاحتفاء بيوم المسرح الكردي والعالمي، وانضمت إليه عشرات الفرق، وعرضت المئات من الأعمال المسرحية التي حاكت الواقع تارة، وكانت خيالية مقتبسة من الروايات العالمية تارة أخرى، فتمثلت صورة المجتمع على خشبة المسرح. ومهرجان ميتان المسرحي جزء لا يتجزأ من الأعمال السنوية الثقافية، وكما كان معرض هركول للكتاب في قامشلو جامعاً ومنبراً لأدب وفكر الشعوب بمشاركاتٍ محلية وعالمية، وحضنت المئات من العناوين والآلاف من الكتب في معرضٍ واحد يُقام بشكلٍ دوري.
بالإضافة إلى ذلك تقام على مدار السنة فعاليات مميزة كمهرجان أوصمان صبري للأدب ومهرجان الشعر الكردي ومهرجان الأفلام السينمائية ومهرجان الموسيقى والرقص الشعبي وغيرها من عشرات الفعاليات والمؤسسات الثقافية.
الطفل والمرأة ركنا الثقافة
ومن باقة الفعاليات الفنيّة والثقافية مهرجان فن وأدب المرأة، فلم تكن المرأة بعيدة عن الحراك الثقافي بل انخرطت فيه ولعبت دوراً هاماً في هذا الطريق، ويُنظم مهرجان فن وأدب المرأة في كل سنة في قامشلو ليكون البيت الثقافي الذي يجمع إبداعات وفنون المرأة، بالإضافة إلى مشاركتها في جميع المهرجانات والأنشطة الثقافية الأخرى. ولم تغب أجيال المستقبل عن هذه الفعاليات، وكان مهرجان أدب وفن الطفل يكتمل كل سنة بابتسامات الأطفال، كما كان مهرجان روج آفا برعاية اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان اللون الثقافي المتنوع والحاضن لكل أنواع الفن الجميل الرصين.
الإعلام مرآة المجتمع
اتحاد المثقفين كان مثابراً على دعم المثقفين ولم شملهم وإلقاء عشرات المحاضرات وعقد الندوات والفعاليات الثقافية. وإصدار مجلة “شرمولا الثقافية”، ومجلة “سيوان” من إصدارات هيئة الثقافة والفن، وحديقة القراءة التي أصبحت مزاراً لمحبي الأدب والفن، وقد كان للإعلام الدور الأهم في نقل ثقافة الشعوب إلى العالم وبالعكس، فمنذ تأسيسها “صحيفة روناهي” والثقافة تشغل مكاناً هاماً في الصحيفة، وكانت ومازالت تسعى إلى إظهار فسيفساء الثقافة الجميلة التي تشكلها المنطقة، واهتمت بالطفل فأصدرت إلى جانب الأعداد الصحفية الأسبوعية مجلة مختصة بالطفل “مزكين”، ترسخ الأدب والفن والثقافات عند الأطفال لأنهم بناة المستقبل ويجب الاعتناء بهم وتعريفهم على نوافذ وروافد المجتمع القديم ليكونوا خير بناة للمجتمع في المستقبل.
ومن منجزات الثورة الثقافية في شمال وشرق سوريا التشجيع على القراءة وتوفير الكتب من مختلف الأذواق الأدبية ولكافة الأعمار، فكانت مكتبة أمارة في قامشلو والمكتبة العامة في ديرك، والمكتبتين في مخيمات مهجري عفرين الوجهة المضيئة للأهالي ومحبي القراءة.
لن يكفينا تقريراً أو مقالاً أو كتاباً لنوفي ثورة التاسع عشر من تموز حقها، فهي ثورة الفكر الحر والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان والثورة الثقافية الكبرى التي نجحت وسطّر التاريخ اسمها في كتب التاريخ، وما تزال هذه الثورة مهد النجاحات والطموح والآمال، وبهمة وثقافة ووعي أهالي شمال وشرق سوريا المتحابين ستبقى الثورة أبية شعبية تحقق مطالب المجتمع.