أحمد بيرهات: (كاتب وباحثورئاسة مشتركة لمنتدى حلب الثقافي)_
القائد أوجلان وأحقيّة التحدّث باسم الشهداء
عبارة جميلة نطق بها القائد عبد الله أوجلان منذ أكثر من 25 سنة تليق بالشهداء في رده على سؤال موّجه إليه من قبل الإعلامي والأديب السوري نبيل ملحم في كتابه “قائد وشعب”: “كلما حاربنا، وصلنا إلى الحرية وكلما حققنا الحرية وصلنا إلى الجمال وكلما صنعنا الجمال صنعنا الحب”.
لقد تحولت حركة حرية كردستان إلى حركة الشهداء، والقائد أوجلان أكد أنه المتحدث باسمهم بقوله: “إني متحدث باسم الشهداء”.
وجاء في فكر حركة التحرر الكردستانية: “للشهداء مكانة خاصة وعالية في حركتنا، فهم قادتنا المعنويين، البوصلة التي تدل مسيرتنا إلى الطريق الصحيح، سلسلة متواصلة من النضال والمقاومة يستحيل على أي قوة مهما بلغت جبروتها للنيل من حلقاتها، نستلهم منهم روح الفداء والشجاعة لأنهم ضحوا بكل شيء في سبيل القضية الكبرى دون أن يفكروا ولو للحظة بأنفسهم، حيث نجد فيهم مصدر إيماننا الثابت بالنصر لأننا ندرك تماماً أن أي مسيرة تتقدمها قوافل الشهداء سوف لن تقبل بأقل من النصر”.
وتعتبر الشهادة والواجب الوطني تجاه الوطن على رأس المهام التي يقوم بها المرء كون التاريخ يُكتب بدمائهم وتضحياتهم في مواجهتهم ومقوماتهم للعبودية، سار الشهداء في طريق وعالم لا تحكمه عقلية التسلط والقمع والاستبداد بل عالم يسوده الحب والمودة بين الشعوب والثقافات والأديان في جو من التسامح والحرية.
رفاق حركة حرية كردستان والقائد أوجلان عندما يحملون أمانة التحدث فهذا يحمل في طياته معاني كثيرة أي يجب أن يسيروا على خطاهم وتحقيق أهدافهم في نيل الحرية.
ووفق كل ما ذكرنا توصلت الحركة ضمن مسيرتها النضالية بما يخص تضحيات الشهداء إلى استنتاجات قيّمة وهي أن:
ـ سبب قوة وإرادة هذه الحركة هم الشهداء، فهم الذين قدموا أجسادهم في سبيل تحقيق الحياة الحرة التي تسودها العدالة والمساواة والديمقراطية.
ـ ميراث هؤلاء العظماء من عرّف الكرد على أنفسهم وقضيتهم وحقق المكتسبات العظيمة اليوم في روج آفا وباشور كردستان بدمائهم.
ـ تم إحياء الحداثة الأممية بانضمام العشرات من المناضلين الأمميين من كل أنحاء العالم لتحقيق اليوتوبيا الإنسانية ومن أجلها شكلوا ضمن ثورة روج آفا كتائب الحرية الأممية واستشهدوا في محاربة الاحتلال التركي وفي مواجهة داعش الإرهابي بالعشرات.
ـ لم يفعل هؤلاء الشهداء شيئاً لحياتهم الخاصة بل كل ما عملوا لأجله كان من أجل شعبهم ومجتمع راقي وحر، ورفعوا من شأن القيم الإنسانية في وقت كثر فيها المنافقون والخونة في عالم تسوده ثقافة الاستهلاكية والحداثة الرأسمالية، أول عمل نقوم به وفاءً لقيم شهدائنا هو استفراغ ثقافة الحداثة الرأسمالية.
شهداء الحرية وعلم المعنى
من الهام إدراك وفهم الشهداء والمعاني التي ضحوا من أجلها حياتهم فهم من يشكلون القوة والإرادة والروح التي لا تنضب في مسيرة الحرية.
من يقرأ تاريخ حركة حرية كردستان والثورات التحررية العالمية يدرك أن ما توصلت إليه الشعوب من إدراك حقيقتهم والعيش بكرامة وعدم الرضوخ للقوى المهيمنة، تأتي من هذا الإدراك وهذه الحقيقة.
ما من حركة ثورية تقدمت وحققت انتصارات واستولت على السلطة وأسست إدارات مجتمعية دون خلق الكوادر الثورية المدركة للتاريخ وحقائق التقدم الحضاري ودون تقديم نفسه فداء لذلك الهدف.
الرفاقيّة الحقّة هي رفاقيّة الشهداء
حركة حرية كردستان بدأت مسيرتها النضالية برؤية واضحة وشفافة عبر قراءة التاريخ والكشف عن الثغرات والخلل الموجودة فيه وطرح الحلول البديلة والبناء عليها والتوصل إلى نتائج باهرة (فهذه الحركة طورت نظرية جديدة أضيفت لمفاهيم الحركة الثورية العالمية وهي أن الرفاقية الحقيقية هي رفاقية الشهداء والمناضلين لتحقيق أهداف الشهداء، وهم الوحيدون الذين يستحقون أن يقال لهم رفاق الشهداء، كل انتصار يتم إحرازه وتقصير لطريق الوصول إلى الحرية يعود الفضل فيه للشهداء والمُخلصين لهم من رفاقه).
فلقد ناضلت هذه الحركة ضد التشتت والأنانية الفردية، التي سادت تاريخ الكرد، وعدم وجود مرجعية فكرية وسياسية وقوات دفاعية منظمة ومدركة لذاتها إضافة لانجرار أغلبهم لنفس أساليب السلطات الحاكمة وطرحت وفق ذلك أساليب خلاقة باتخاذ الثورية نموذجاً في عملها والتركيز على الآليات التنظيمية وبعثت الجرأة في شتى المجالات القيادية على المستويين السياسي والعسكري والاهتمام الكبير بالمرأة وإعادة دورها الريادي بما يواكب العصر حتى باتت ثورة روج آفا تسمى بثورة المرأة وامتدت إلى أصقاع أخرى تحت شعار “المرأة.. الحياة..الحرية” من أوسع أبوابها.
لقد بات واضحاً أن قوة حركة حرية كردستان كانت ومازالت في القراءة الصحيحة لتاريخ الكرد وكردستان ومنطقة الشرق الأوسط عامةً، عبر خلق الإنسان والكادر الذي يدرك ويفهم ذلك ويلتحم مع الشعب ويناضل بكل عنفوان في سبيل إدراك وفهم القضايا الإنسانية وحقوق شعبه وفق قوانين الديالكتيك والكوانتم، وفق أسلوب معاصر مواكب للتحولات التاريخية والفلسفية والعلمية وقد أبدع القائد أوجلان في ذلك بشدة منذ الانطلاقة الأولى له منذ خمسين عاماً مع رفاقه من الرعيل الأول للحركة والشهداء الأوائل من حقي قرار وكمال بير ومحمد خيري دورموش ورفاقهم الآخرين واستكمل ذلك في التحول الثاني للحركة من إمرالي عندما فكّر بأن يكون لائقاً برفاقه الشهداء وكل المناضلين في مواقع نضالهم فطرح مانيفيستو الحضارة الديمقراطية “البراديغما” ويعد هذا قوة الحركة التي أكدت جدلية وعلمية فكره والتزام كوادره وأنصاره بذلك ونجاح هذه النظرية الجديدة مرتبطة بكل تأكيد على مدى التفاف الشعب حولها فكان تجاوب شعوب المنطقة قاطبةً منقطع النظير مع هذا التحول التي يدعو إلى التعايش المشترك بين الشعوب، ومواجهة القوى الرجعية المتعاونة مع النظم الحاكمة وقاوموا التيارات الانهزامية والارتزاقية وعدم الرضوخ والاستسلام رغم الصعاب التي واجهتهم، ففي كردستان إلى جانب كل صخرة وتحت كل شجرة وعلى كل جبل وفي كل جزء من تراب كردستان هناك شهيد ولم تتوقف المقاومات على هذه الجغرافية وجبالها الشماء بل استمرت هذه المقاومات وباتت يوتوبيا هؤلاء قابلة للتحقيق مع ظهور الحقيقة التي باتت قاب قوسين أو أدنى وتتحقق أهداف الثوريين من ضحوا بدمائهم وأرواحهم فداء للوطن والجغرافية التي احتضنت الحضارة البشرية وتقود الآن الحضارة الجديدة التي وضعها الفيلسوف وعالم علم الاجتماع الحديث عبد الله أوجلان القائد والرفيق الأكثر إخلاصاً لرفاقه عند وضع هذه النظرية ليوصل شعوب المنطقة لإثبات وجودهم وتحقيق الحرية والديمقراطية وتقف بذلك شلالات الدماء وتسخّر جهد وكدح الإنسان لخدمة الإنسانية وتُحاكم كل نظم الاستبداد والقمع في محكمة التاريخ فالحقائق مخفية بالتاريخ والتاريخ مخفي في حاضرنا، وهذا هو سر البراديغما الأوجلانية.
الشهداء والحياة الحرة
تعود المكاسب التي تحققت خلال تاريخ حركة حرية كردستان إلى تضحيات الشهداء والسير على خطاهم، فهم ناضلوا لتحقيق الحياة الحرة وإسقاط حياة العبودية والتبعية ولترسيخ هذه الثقافة لابد من بذل الجهد والتضحية بالنفس وهذا هو السبب الرئيسي لترديد كلمة الشهداء هم من ينيرون دربنا.
المقاومة المستنيرة في كل أماكن تواجد البراديغما الأوجلانية وتصعيدها بكل السبل وبأشكال متعددة يعتبر مؤشر إيجابي ومتقدّم لتحقيق الإنجازات والمكتسبات لشعوب المنطقة عامةً وللكرد خاصةً وإنهاء الذهنيات الفاشية والاستبدادية وما تحقق في ثورة روج آفا يعتبر إحدى المكاسب الكبيرة لتضحيات الشهداء.
وأخيراً أقول لنكن لائقين لهؤلاء الشهداء من خلال:
-معرفة الذات والقيام بالثورة الذهنية لفهم وإدراك ما ناضلوا من أجله والالتحام مع الشعب.
-قراءة مانيفستو الحضارة الديمقراطية بعمق كونه البديل الطبيعي للشعوب.
-التعمق في أسرار الكون والحياة والبحث عن الحقيقة المخفية في ميزوبوتاميا والتعرف من خلالها على تاريخ الكرد وكردستان وبذلك تعاد العلاقة والتوازن بين المجتمع والطبيعة والشعوب بعضها ببعض.
-تنظيم فعاليات متنوعة بمناسبة استشهادهم (استذكار، زيارة مزارات الشهداء).
-قراءة كتب الشهداء وإشعارهم وكتاباتهم القصصية وتقاريرهم وإجراء الأبحاث حولهم.
-الثقة بالنفس وتجديد العهد بالسير على دربهم رغم كل الصعاب.
واختتم بأن مرتكزات الرفاقيّة الحقّة تكمن في الإخلاص والوفاء والمحبة لقيمنا الإنسانية وشهدائنا من أعظم قيمنا، وسيكون جوابنا الشافي بأن نستفرغ ثقافة الحضارة المركزية للحداثة الرأسمالية لنُعيد التاريخ لمساره الطبيعي.