رامان آزاد
عندما هبّت نسائمُ الربيعِ العربيّ على سوريا، واتخذت اسم ثورة المطالب الشعبيّة كتحسين الوضع المعيشيّ ومكافحةِ الفسادِ، طابق كثيرون المفصل السوريّ بأحداثِ تونس ومصر، في تجاهلٍ للخصوصيّة السوريّة. ومع التّدخلِ الخارجيّ الإقليميّ ودفعها الحراك الشعبيّ إلى العسكرة؛ سقطت الثورة، لتتلقف قوى الإسلام السياسيّ والحركات الجهاديّة الفرصة وتتحول سوريا إلى ميدان صراع مُتعدِّد الطّبقات دينيّ مذهبيّ وتنافسٍ إقليميّ ودوليّ.
الشعارُ ليس اختزالاً وتكثيف العبارة، بل رسم الملامح البارزة وتحديد أهدافّ أي نشاطٍ أو فعاليّة اجتماعيّة أو سياسيّة أو ثقافيّة، ولدى صياغة شعارات ثورةٍ شعبيّة يجب الحرص على جعله متوافقاً مع المزاجِ الشعبيّ العام ويكون محلّ اتفاقٍ، ويأخذَ منحى الإصلاحِ مقابل رفض الفسادِ.
غياب الوطنيّة والسقوط الذاتيّ
كان لافتاً تعمّدُ أنْ تكونَ الشعاراتُ والأسماءُ في مظاهراتِ الجمعةِ تحريضيّةً مستفزةً، أكثر منها ثوريّة وطنيّة جامعةً، رغم أنّها في سياقها العام كانت سوريّةً، وعلى سبيل المثال كان شعار المطالبة بتدخلِ تحالفٍ أجنبي خروجاً عن الوطنيّة وإقراراً بالعجز وضيق الحاضن الشعبيّ.
صحيحٌ أنّ الحراك المناوئ للنظام تصاعد بامتلاكِ القوةِ العسكريّة. ولكن؛ غيابَ معايير الثورة الوطنيّة، كان سقوطاً ذاتيّاً، بعدمِ تمثله مقتضياتِ الهويةِ الوطنيّةِ بتعدديتها الثقافيّة والقومية والدينيّة، فوقعَ في هوةِ العسكرةِ مبكراً وأصرّ على الدخولِ المسلح على القرى والبلداتِ والأحياءِ، وتبنّى الخطابَ الدينيّ المذهبيّ، وكيلِ تهم التكفيرِ والردةِ للمخالفين له، وراح يشتقُّ من الإسلامِ أسماء الفصائل والمعارك، مستحضراً واقعاً تاريخيّاً خلافيّاً، ومستثمراً قدسيّةَ النصِّ الدينيّ لاستقطابِ المقاتلين، الذين تحوّلوا إلى مرتزقةٍ وقتلةٍ، فيما كان التكبيرُ والتهليلُ مجردَ طقوسٍ خاويةٍ ترافقُ عملياتِ القتلِ والإعداماتِ الميدانيّةِ والتعذيبَ والسلبَ.
لم يكن بإمكان أنقرة التدخل على خط الحراك الشعبيّ المطلبيّ لو أنّها حافظت على خطه الوطنيّ، فالبوابة المذهبيّة والنعرات العنصريّة وصولاً لاحتضان التطرّفِ منحتها خيارات أوسعَ للتدخل وتجنيدِ العناصرِ لخدمة أجندة حزب العدالة والتنمية في إحياءِ العثمانية وتوسيع النفوذ بالمنطقة.
ومع إطلاق الأسماء الدينيّة على المعاركِ وغرفِ العملياتِ غاب التوصيفُ الوطنيُّ الذي كان حاضراً في أولى أيامِ الحراكِ الشعبيّ المطلبيّ، ثم اختفى وللأبد، وأصبح التوصيفُ الإسلاميّ أو المناطقيّ أو تداول الكنى دراجاً، وبات شائعاً استخدامُ مفرداتٍ مثل (خليفة، أمير، شرعي، قصاص، الكفر، الردة، مجلس شورى، ومجاهد،…)، وصار يُشار إلى المرأة بالأَمَةِ أو الحرّة.
واصلت تركيا محاولاتها لإخراجِ جسمٍ عسكريّ باسمِ “الجيشِ الحرّ” واستعادةِ التوصيفِ السوريّ، وكذلك الاعتدال وقبول العلمانيّة، إلا أنّ ذلك لا يستقيمُ مع واقع انشقاقِ العناصرِ وانتقالهم من فصيل لآخر، والأهم المُمارسات والانتهاكات التي يرتكبها، لتبقى تلك الأسماء مجرد عناوين للتّداول السياسيّ. وآخرها المحاولات الإعلان في 4/10/2019 بمدينة أورفا عن كيانٍ باسم “الجيش الوطنيّ” من ثلاثة فيالق، ليوحّد الفصائل بريفي إدلب وحلب، وفي 9/10/2019 بدأ العدوان التركيّ على مدينة سري كانيه/ رأس العين في هجمات وحشية سمتها عملية “نبع السلام”.
احتضانٌ خارجيّ مُنذ البِداية
الحديثُ عن سلميّةِ الحراكِ في سوريا لأكثرِ من عامٍ وتدحرجها بعدها قسراً للعسكرةِ والتسلّحِ عارٍ عن الصحّةِ، فقد احتضنت دولة الاحتلال التركي أولى التشكيلاتِ المسلحةِ، خلال أشهر وقدّمت قطر ودول أخرى الدعمَ الإعلاميّ والماليّ للمظاهراتِ ومن ثم التسليحِ والتّدريبِ.
في 9/6/2011، وقبل اكتمال الشّهر الثّالث من الحراكِ أعلن المقدمُ المنشقُّ حسين هرموش تشكيلَ لواءَ الضباطِ الأحرارِ وطالب زملاءه بالانشقاقِ، ليكون ذلك أولِ إطارٍ تنظيميّ للعسكرةِ، واتخذ اللواءُ مقرُّه في تركيا، حيثُ التدريبُ والتمويلُ والتسليحُ. وفي 29/7/2011 أعلن العقيدُ المنشقُّ رياض الأسعد كيانٍ عسكريّ باسم “الجيش السوريّ الحر”، وفي 24/11/2011 أُعلن عن المجلسِ المؤقّتِ للجيشِ الحرّ، وظهرت بالداخلِ عشراتُ المجموعاتِ خاضتِ الصراعِ المسلّحَ بدونِ قيادةِ عملياتٍ مركزيّةٍ ولا توجيهٍ سياسيّ.
تأسستِ النواةُ العسكريّةُ الأولى بحي بابا عمرو بإعلان أولِ كتيبةٍ مقاتلةٍ، باسم “الفاروق” بقيادة الملازم أول عبد الرزاق طلاس، (الفاروق لقب الخليفة عمر بن الخطاب) في تموز 2011، وتوسّع عملُ الفصيلِ وشمل معظم مناطقَ سوريا. ويُعدُّ المحامي أسامة جنيدي (أبو سايح) أهم قياديي هذه الكتائب، دون ظهورٍ مباشرٍ له.
اشترطتِ الدّول الغربيّة والعربيّة لتقديم الدعمِ تبلورَ قيادةٍ سياسيّةٍ وعسكريّةٍ واضحةِ المعالمِ، فتشكّلت حكومةٌ بالمَنفى ترأسها أحمد طعمة، وتشكّل المجلسُ العسكريّ الأعلى في 8/12/2012 وترأس اللواءُ سليم إدريس الأركانَ، ومن الفصائلِ التي ارتبطت بالمجلس العسكريّ الأعلى لواء شهداء سوريا ويتمركز في إدلب و”لواء عاصفة الشمال” وهو عبارة عن جماعةٍ إسلاميّةٍ أسّسها النقيب قاسم سعد الدين، وتمركزت في إعزاز على الحدود التركيّة إلى أن سيطرت عليه، وقُسّمت البلاد لخمسِ جبهات (شماليّة، شرقيّة، جنوبيّة، غربيّة، وسطى)، لكلٍّ منها مجلس استشاريّ يضم مدنيين وعسكريين.
لم تنجح أركانُ المجلسِ العسكريّ الأعلى بتوحيد العملِ، وفشلتِ المجالسُ بمهمتها، وتحالفتِ الكتائبُ المسلحة مع جماعات إسلاميّة متشددةٍ. وبفشلِ سليم إدريس بتوحيد العمل العسكريّ والتنسيق أُعفي من رئاسةِ الأركان في 16/2/2014 وعُيّن عبد الإله البشير مكانه.
في 25/6/2013 أعلنت واشنطن تمويلَ المجلس العسكريّ الأعلى بـ500 مليون دولار، وفي اليوم التالي أقال أحمد طعمة اللواء سليم إدريس وإحالته للتحقيق بتهمة الفسادِ.
تداول اسم الشام
مع انحسار اسم سوريا؛ بدأ استخدامُ “الشام”، كمصطلحٍ تاريخيّ دينيّ ذي دلالاتٍ أوسع، وتشكّلُ سوريا الطبيعيّةُ، وتشملُ أربعَ دولٍ عربيّة. و”الشام”، ذاتُ قدسيّةٍ كبيرةٍ لدى المسلمين، علاوة على كونها مهبطَ الرسالاتِ السماويّة. وقد وردت عِدَّة أحاديث نبويّة بحقها، مثل “عليك بالشّام”؛ فإنّها خيرةُ الله مِنْ أرضه، يَجْتَبِي إليها خِيرتَهُ من عباده” والحديث “إِذَا فسدَ أهلُ الشامِ فَلا خيرَ فِيكُمْ…”، وسواهما كثير.
باتساعِ الخارطةِ العسكريّةِ؛ تأسست عشراتُ الفصائل الصغيرةِ اتخذ معظمها أسماء شخصياتٍ أو عباراتٍ دينيّة، وأكّد بعضُها انضواءه تحت راية “الجيش السوري الحر” الفضفاضة، ولبست أخرى عباءةَ “الإسلام” وأعلنت عن أهدافٍ تتصل بإقامة إمارة أو دولة إسلاميّة في “الشام”. رغم اختلافِ علاقاتها ومصادر تمويلها ودعمها. ففي 19/11/2012 صدر بيانٌ باسم فصائل حلب قالت إنّها توافقت على تأسيس “دولة إسلامية”، والفصائل هي (لواء التوحيد، جبهة النصرة، كتائب أحرار الشام، لواء حلب الشهباء الإسلاميّ، حركة الفجر الإسلاميّة، لواء درع الأمة، لواء عندان، كتائب الإسلام، لواء جيش محمد، لواء النصر، كتيبة الباز، كتيبة السلطان محمد، ولواء درع الإسلام).
نماذج الفصائل المُسلّحة
– جبهة تحرير سوريا الإسلاميّة:
تأسست في 12/9/2012 بعد تفكك “جبهة ثوار سوريا” التي أُعلن عنها في إسطنبول في 4/6/2012. وضمّت تحالفاً لأكبر الفصائل المُقاتلة داخل سوريا (الفاروق، التوحيد، عمرو بن العاص، الفتح، الإسلام، صقور الشام، مجلس ثوار دير الزور، أنصار الإسلام، لواء الإيمان بحماه، وتجمع الاستقلال باللاذقية)، وتزعمها أحمد عيسى، ووفقاً لانتشارها كان نشاطها واسعاً وشكّلت معظم القوة القتاليّة لهيئة الأركان العامة، وتتمثل رؤية الجبهة بإقامةِ حكمٍ إسلاميّ وتقديم مشروعٍ لنهضةِ الأمةِ.
ـ كتائب صقور الشام:
تأسست في أيلول 2011 وتألفت من 17 فصيلاً وقادها أحمد الشيخ “أبو عيسى”، وتمركزت بمناطق إدلب وجبل الزاوية، وشاركت في معارك حلب والسيطرة على مطار تفتناز. وكانت جزءاً من الجبهة الإسلاميّة ما بين عامي 2013 ـ 2015، ثم اندمجت مع “حركة أحرار الشام” في 22/3/2015 وانفصلت عنها في 3/9/2016، وانضمّت إلى جيش الفتح وانفصلت عنها في عام 2017، ثم انضمّت إلى أحرار الشام في 25/12/2017 مع قدر من الاستقلاليّة. وأمّا أيديولوجيّاً فهي سلفيّةٌ وتدعو لدولةٍ إسلاميّةٍ ولكن دون فرضها.
ـ حَركة أحرار الشّام الإسلاميّة:
أسسها حسان عبود في أواخر 2011 وكان قياديّاً في “الدولة الإسلاميّة بالعراق”. وكانت تحالف مجموعة كتائب في محافظات حماة وإدلب وحلب، وأصبحت خلال عام أبرز الفصائل المقاتلة في سوريا وضمّت 20 ألف عنصر، وشملت تيارين رئيسيين: سلفيّ جهاديّ، والآخر مقربٌ من “الإخوان المسلمون”. في عام 2012 شكّلت الحركة مع عشر جماعات أخرى الجبهة الإسلاميّة السوريّة، وفيما بعد اندمجت مع ثلاث جماعات وشكّلا حركة أحرار الشام الإسلاميّة، فاقتربت من التنظيمات القاعديّة.
قتل معظم قادة الصف الأول والثاني من الحركة في أيلول 2014 بمن فيهم متزعمها حسان عبود، في عملية اغتيال ما زالت غامضة حتى اليوم، لكنها حافظت على قوتها في الساحة السورية على المستويات العسكريّة والسياسيّة، وتتلقى دعماً عسكريّاً وماليّاً من قطر، ليقود الحركة المهندس “هاشم الشيخ” أبو جابر، ومن بعده جابر علي باشا.
ـ كَتائب أحرار الشّام:
انضوت تحت لواء الجبهةِ الإسلاميّة السوريّة وعدد كتائبها 86 كتيبة، وتتمركز بمحافظة إدلب، ولها مرجعيّةٌ إسلاميّةٌ وتتبنى الفكر الجهاديّ السلفيّ، وتعتمد أسلوبَ “حرب العصابات”. ولها نشاطٌ ملحوظٌ بأرياف حلب وإدلب وحماة. وتتطلع لإقامة دولة إسلاميّة ووصفتِ الثورة بانّها “جهادٌ ضد المؤامرةِ الصفويّةِ”.
وقد خرجت قيادات “الأحرار” لتنفيَ ما روّج له البعضُ بأنّها تتبع “لجبهة النصرة”، وأكّدوا استقلاليتهم وعدم انتمائهم لأيّ من الفصائلِ الأخرى في سوريا. وقد تحالفت “أحرار الشام” مع قوىً أخرى تحت مُسمّى “جبهة ثوار سوريا”، كما تقودُ ما يُسمّى “الجبهةَ السوريّة الإسلاميّة”.
ـ فيلق الشام:
أعلن عن تأسيس فيلق الشام في آذار 2014، من اندماج عدة ألوية وكتائب شمال ووسط سوريا، ويعرف عن الفصيل كفاءته العالية وضمه عدداً من الضباط المنشقين عن النظام السوري، وينتمي تنظيمياً لـ “الجيش السوري الحر”، لكنه يعتبر الذراع العسكرية لجماعة الإخوان المسلمون في سوريا.
ـ تجمّع أنصار الإسلام:
تأسس في 8/8/2012 وحدد مهمته بالعمل على توحيد الحراك الثوريّ والسياسيّ وإقامة الدولة الإسلاميّة وبناء المجتمع الإسلاميّ بالغوطة ودرعا ومن بعدها في إدلب، وضمّ كتائب منها (لواء الإسلام، كتائب الصحابة، لواء الحبيب المصطفى، لواء أحفاد الرسول، لواء الفرقان، كتيبة حمزة) تزعمها أبو المجد الجولانيّ.
ـ لواء التوحيد:
أسّس عبد القادر الصالح لواء التوحيد في 16/7/2012 ونواته السابقة كانت لواء أحرار الشمال، وتمركز اللواء في حلب، وتحالفَ مع عدد من الفصائل المقاتلة القريبة من الإخوان المسلمين ضمن ما سُمي بـ”جبهة تحرير سوريا الإسلاميّة”، واليوم انقسم اللواء لعدةِ فصائل.
ـ جيش الإسلام:
وتشكل جيش الإسلام في أيلول 2013 باتحادِ 50 فصيلاً مسلحاً، أبرزها لواء الإسلام الذي تأسس على يد زهران علوش كفصيل صغيرٍ بالغوطةِ الشرقية أواخر عام 2011، ثم توسع نشاطه بريف دمشق ومحافظات أخرى، ويُحسبُ الفصيلُ أيضاً على التيار السلفيّ. وضمُّ أكثر من 30 لواء منها (فتح الشام، توحيد الإسلام الأنصار). وتبنّى جيش الإسلام في تموز 2012 تفجير مكتب الأمن القوميّ.
اغتيل زهران علوش في 25/12/2015، بصاروخ موجّه من طائرة يُعتقد أنّها روسيّة، ليخلفه عصام بويضاني بقيادة “جيش الإسلام”، وكان الفصيلُ يتلقى دعماً سعوديّاً.