سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

التنمر الإلكتروني بمنبج؛ من يقف خلفه؟

آزاد كردي –

انتشرت في هذه الآونة في منبج وريفها ظاهرة التنمر على مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما على صفحات الفيس بوك وغيرها من السوشيال ميديا؛ ضد فئات اجتماعية مختلفة، ويراد بها الحط من منزلة هؤلاء وتشويه صورهم والنيل من نجاحاتهم بالعمل
تعد منبج إحدى المدن الساخنة بالنسبة لموقعها الإستراتيجي الهام، حيث تمركزت بها الكثير من المرتزقة التي لم تبذل جهداً كبيراً في طرد فلول جيش الحكومة السورية. غير أن ذلك لم يدم طويلاً على نحو عام ونيف إذ طفت على السطح مظاهر السرقة والنهب والتعفيش، فقد تمكن المرتزقة من الفتك ببعضهم تقتيلاً وتذبيحاً وتعليقاً للرؤوس في الدوارت والمنصفات على مدى عامين، بلغ حينها السيل الزبى عند السكان في الفقر والفاقة وتوقفت عجلة الحياة بالكامل عن النهوض والتطور، حتى استطاعت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” أن تكبدهم خسائر كبيرة في الأرض والعدة والعتاد بشكل لافت ليس له نظير.
وهنا تكمن النقطة الأهم، أن المدينة التي كانت قد سيطر عليها العديد من المرتزقة إضافة إلى الحكومة السورية، ولازالت خلاياها النائمة موجودة فيها، فينتهزون تقلبات الوضع السياسي الراهن وقضية ما من القضايا الساخنة على الواجهة السياسية أو الاجتماعية سواءً في منبج أو خارجها، ليصوّبوا بنيرانهم الحامية ضد الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا محملين إياها أخطاء المنطقة كاملةً، فيتهجمون عليها بكافة الأساليب والأبواق المسمومة التي لا تخلو من تجريح وإيذاء للبعض لاسيما إذا كان التنمر موجهاً لشخص المعني بالقضية لا القضية ذاتها.
نوع من الحرب الخاصة
وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الصفحات في الفيس بوك التي تحمل عناوين عريضة ورنانة بعضها من كلمتين أو ربما ثلاثة، لكنها وإن اختلفت في العناوين الجذابة لكنها تتشابه في تداول الأسماء وارتباط إحدى كلمات العنوان باسم منبج وريفها في محاولة من القائمين على هذه الصفحات لإثارة الفوضى والفتن بين أطياف المجتمع وخلق الأحقاد والنعرات بين شعوب الفسيفساء الاجتماعي المتنوع، إلى جانب محاولتها – أي الصفحات – جذب المتابعين إليهم على اعتبار أنهم الوحيدون الذين يعبرون عن لسان حال السكان وما يعانونه ـ حسب رأيهم – في ظل الإدارة المدنية الديمقراطية؛ من ظروف معيشية غاية في الصعوبة وأن لا مناص للخلاص من هذا الواقع المزري سوى اللجوء إلى هذه الجهة.
ولا شك أن المتتبع لهذه الصفحات بكل تفاصيلها الدقيقة على اعتبار أنها جهة مثلى للمتابعين لتسجيل الإعجاب أو الحصول على تعليقات بالصفحة على حساب إنسانية الضحية مهما كان حجم الهجوم والتأثير، مما يدفع المتنمرين إلى استخدام أقسى العبارات بحق الضحايا بأسلوب لا يخلو من سخرية وتهكم وتجريح قد يصل للأخلاق، وربما يطال أيضاً الشرف والكرامة، إضافةً إلى محاولتهم التأثير على الرأي العام عبر نشر البلبلة وفضح الضحية بأمور غير صحيحة مطلقاً لا تمس جوهر الحقيقة ولا تمت له بصلة من قريب أو بعيد.
وفى الوقت ذاته، فإن هذا النموذج من الحرب الخاصة، هو جديد نسبياً بالنسبة لسكان منبج وريفها، لذلك ليس هناك تجربة سابقة لهذا النوع من الحروب الخاصة وتحديداً الإلكتروني منها إذ تحظى مع انتشار مواقع السوشيال ميديا بمتابعة واسعة من قبل فئات كثيرة من السكان، ويمكن تتبع الأنشطة والقصص فيما يتعلق بدمج التكنولوجيا المتطورة في حياتنا اليومية، إضافةً إلى استخدامها كوسيلة اتصال مميزة وسريعة بعد فقدان الاتصال الأرضي أو المحوري بين المناطق السورية. وبينما يعتبر الإنترنت أداة قوية يمكن استخدامها في مجالات مختلفة وربط الأشخاص والمجتمعات المتقدمة من الناحية الفكرية والتقنية، إلا أنها تستخدم في منبج وريفها على نحو مخالف؛ كمنصة للتشهير والمضايقة وإساءة معاملة السكان.
هدفهم محاربة نجاح الإدارة شعبياً
وانتشرت ظاهرة التنمر على المواقع وعشرات الصفحات منذ الأيام الأولى لتشكيل الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها في تاريخ 12/3/2017م، حيث شنت هذه الصفحات المغرضة حملة شعواء ضد عدد من العاملين في الإدارة المدنية الديمقراطية في مختلف المؤسسات والمديريات والخطوط، ولم يستثنوا في هجومهم البائس كبيراً ولا شابّاً، ولم يراعوا أيضاً حرمة النساء العاملات، فانهالوا عليهن بالسب والشتم دون أن يرعوا أو أن يكون لهم رادع أخلاقي أو زاجر لضمير حي، بل إنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، إذ إنهم تطاولوا على الشهداء الذين بذلوا أغلى ما في الوجود، وهي الحياة، من أجل أن يعيش هؤلاء ومن في زمرتهم أحراراً ويطيب لهم لذة الحياة الكريمة في مدينتهم المحررة من رجس الإرهاب.
وتقوم هذه المواقع والصفحات المغرضة على الاعتماد على بعض الأشخاص المخبرين الذين يزودهم ببعض التفاصيل حول اسم الضحية المراد التنمر عليها، بينما كان التساؤل دائماً حول ماهية الشخصيات التي تقف خلف ذلك، وما هي الطرق التي تعتمدها للحصول على الأسماء التي سوف تكون محور هجومه الشرس.
الأهم من هذا كله، إذا كان من يقف خلفها شخص داخل منبج أم خارجها أو من هي الجهة التي تدعم وتمول هذه المواقع والصفحات ليجرؤوا على اقتحام باب ضيق؟! ومهما يكن، فالمبدأ الذي تتسم به المنشورات، قائم على التشويه لشخصية الضحية عبر رسم هالة سوداء قاتمة فضلاً عن توليد شكوك حول مدى نزاهته في عمله أو على مستوى خيانته الحب مع أسرته لقاء علاقات أخرى؛ مصوبةً تجاهه حزمة من الاتهامات الباطلة جزافاً يراد بها تدمير النفسية التامة للضحية، ما يترك مزيداً من الآثار المدمرة والمحبطة.
وقد يصل التنمر في بعض الأحيان إلى أبعد من ذلك، عبر اتخاذ التطرف للتنمّر الإلكتروني، سمة بارزة للمنشورات تاركةً شعوراً عظيماً بعدم الثقة والأمان بالنسبة لأولئك الذين يتلقونه، ويمكن أن يخلق حالة من جنون الشك والاضطهاد والريبة، غير أن الأخطر تعريض أمنهم الشخصي وخصوصيتهم للخطر من خلال مشاركة صورهم ومنشوراتهم الشخصية، أو رصد عناوينهم وأرقام هواتفهم وأماكن عملهم، إلى جانب تفاصيل أسرية أيضاً. النقطة الأهم، أن قلة من العاملين في الإدارة الذاتية الديمقراطية لا يزال خارج دائرة الوقوع في شباكهم ولم يتعرض للتنمر حتى الآن وإن كانت تلك الصفحات تستكمل منشوراتها لتوقفها لبعض الوقت بسبب الإبلاغ الكثيف ضدها فيما يحاول القائمون ثني العاملين في الإدارة المدنية الديمقراطية أو أحد ووجهاءها وشيوخها البارزين عن تأييدهم لمشروع أخوة الشعوب وإيقافهم عن متابعة عملهم الوطني؛ بالاتجاه الصحيح سواءً أكان المعني بها من النساء والرجال، أم من المدنيين أو العاملين في السلك العسكري.
من يقف خلف التنمر الإلكتروني؟
مما لا شك فيه أن الاحتلال التركي ينشر خلاياه في كل شبر من مناطق شمال وشرق سوريا لأجل انتهاز الفرصة لزرع الفوضى وزعزعة الاستقرار بين شرائح المجتمع كافةً. فالمجتمع السوري عرف منذ نشأة البشرية وعلى ترابه الطاهر عاشت الشعوب المحبة للسلام على اختلافها حتى دخول العثمانيين الخارطة السورية ثم خلفهم من بعدهم حفيدهم أردوغان الذي دعم الإرهاب بكافة أشكاله المسلح والاستخباراتي والتكنولوجي.
إن استخدام الإنترنت بطرق غير شرعية أدى إلى تآكل الحواجز الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية بين أبناء الهوية السورية، وهذا ما يحدث في عفرين على يد مرتزقة ما تسمى بالجيش الوطني السوري من تعدٍ على الآخرين وعلى حساب الهوية السورية الأخلاقية، بما في ذلك التنمر الإلكتروني.
كما لابد أن نذكر أن الصفحات والمواقع الإكترونية الموبوءة، هي ذاتها التي تروّج بين الفينة والأخرى لمقاطع مرئية، قيل أنها تصور حالات لحوادث لعناصر من قوات سوريا الديمقراطية تسيئ المعاملة لأبناء الشعب العربي أو أنها تسيئ للأخلاق المرعية بالمنطقة عموماً.
واللافت بالأمر أن المتصفح للصفحات والمواقع تلك وما ينشر بها من محتوى آخر ليس على صلة بظاهرة التنمر، نجد أنها تهلل وترحب بقصف المرتزقة على بعض القرى المتاخمة للحدود الشمالية بمنبج، وما ينجم عنها من اشتباكات متواصلة بين مقاتلي مجلس منبج العسكري وبين المرتزقة المدعومة من الاحتلال التركي، أو أنها في بعض الأحيان تخرج عن صمتها معلقةً على حادثة سياسية أو اجتماعية مثيرة، لإثارة نوع من الشرخ الاجتماعي لمختلف الطوائف والشعوب وإحداث هوة في بنية العلاقات الاجتماعية لاسيما بين القبائل والعشائر من جهة وبين الإدارة الذاتية الديمقراطية بشمال وشرق سوريا من جهة أخرى، مع العلم أن عشرات الصفحات واضحة البنان في النطق بحال لسان الحكومة السورية، وفيما يبدو أنها تعلق على بعض الحوادث آنفةً الذكر؛ بما يبدو أنه على محمل التضخيم الإعلامي بغرض التشويه تارةً وبالعنصرية تارةً أخرى.
قوانين طُبِّقت للحدِّ من التنمر
على الرغم من التقدم السريع الذي تحرزه المجتمعات الغربية في اعتمادها على مبدأ العلمية الذي ساهم في نهضتها الصناعية والتجارية في القرن السابع عشر والثامن عشر إضافةً إلى الاتصاف بالعدالة والمساواة في القانون الذي يفرض على الجميع الالتزام بثقافة الاحترام والتفاهم المتبادل. في المقابل لا تزال مجتمعاتنا هشة في هذا الجانب لعدم قدرتها على مواكبة تلك العصرانية وفق معايير اتصال تكنولوجي أخلاقي، غير أن عدم وضوح الرؤية وتوفر الإمكانات التقنية لمراقبة ومكافحة الجريمة الإلكترونية المنظمة؛ يجعل من الهدف الأخلاقي بعيد المنال وأمامه رحلة شاقة وطويلة. وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى استصدار تشريعات وقوانين ناظمة لهذا الأمر تبقى مجتمعاتنا عاجزة أمام فوضى الإنترنت والتجاوزات الإلكترونية.
وقد طبق قانون التنمر الإلكتروني في عدد من مناطق الولايات الأمريكية، وينص على أن التحرش الإلكتروني يعد مخالفة، فيما رأت به بعض مناطق أخرى من الولايات المتحدة الأمريكية أنه جريمة بحد ذاتها. أما في المملكة المتحدة، فقد صدر قرار مؤخراً ينص على أنه من الممكن لموفر خدمة إنترنت أن يكون مسؤولاً عن محتويات المواقع التي يوفرها، حيث يوجد عقد مسبق يسمح لمزود خدمة الإنترنت معالجة أي إشعار شكوى وأخذه على محمل الجد والتحقيق فيه فوراً.
الجدير ذكره أن عدداً من الأبحاث تشير إلى أن سبعة من كل 10 أشخاص تعرضوا للإساءة عبر الإنترنت في مرحلة ما، فيما يقدم واحد من كل 10 من ضحاياها على محاولة الانتحار. ويعتبر “التنمر الإلكتروني” امتداداً للتنمر الذي يتركز سابقاً وحصرياً في محيط البيئة التعليمية، لكنها تطورت مع الوقت لتشمل تعرضه للتنمر ليس فقط في المدرسة وإنما في كل مكان.