الهجرة، بأنماطها كلها، من نزوح ولجوء وتهجير شكلت ظاهرة اجتماعية سياسية اقتصادية أثرت في الثقافة وتركت تفاعلاتها الثقافية الأدبية والفنية تيمة توثيقية لقضايا المهاجر اللاجئ، وشكلت الرواية أكثر النماذج الأدبية تعبيراً عن معاناة المهاجرين رغم ندرتها مقارنة بآلاف النصوص الشعرية ومئات القصص القصيرة لأن الجنس الروائي أعمقها تعبيراً للذات وتحليلاً للمجتمع ضمن السياقات النفسية والظروف، التي يمر بها الوطن ويعيشها المهاجر في منفاه، بكل آماله وخيباته عبر حوامل تاريخية موضوعية.
إن التغيرات والتبدلات التفاعلية، التي نمت في رحم الأزمة السورية ومخاضها قد فتحت أبواب النزوح والهجرة على مصائر مختلفة، ووضعت الكتَّاب إزاء خيارات صعبة لم يكونوا شركاء في حدوثها، وتوزعوا في أصقاع العالم، حملوا معهم الأسئلة، التي دارت حول قضايا الهوية الوطنية والثقافية الجمعية إزاء الهوية الفردية في علاقتهم بالأمكنة، وخاصة إن جيلاً جديداً من الكتاب نشؤوا في ظل الأزمة السورية وحروبها، وأنتجوا كتابة جديدة، وذلك بما تضم من معاناة وصراعات للبشر وتعرضهم للمعاناة، وصعوبات التكيف مع البيئات الجديدة، وتسليطهم الضوء على ما تعرضوا له من اضطهاد وكراهية، ومن جانب آخر بما وجدوا من معاملة إنسانية من دول اللجوء في محاولة حقيقية لدمجهم ضمن مجتمعاتها، فأنتجوا أدباً راهناً، واستخدموا في ذلك أشكالاً أدبية روائية جديدة، برعت في ربط الخيال بالواقع، ودمجت الماضي بالحاضر، متسلحة بقوة الكلمات والذاكرة على لملمة المشتت وتأريخ الواقع الموجع لبشر وجدوا أنفسهم وأبناءهم أمام أزمة النزوح والتهجير القسرية وتشتتهم في أصقاع العالم.
ولهذا يقع على أدباء الهجرة أن يتخلصوا من رتابة النظام البلاغي الممل، ويساهموا في إيجاد لغة أدبية معبرة قادرة على إثارة قضايا اللجوء وأزمات المهاجرين، ضمن سرد إبداعي يتنفس الحالة الكتابية بعيدة عن الاغتراب المتوطن، والقلق الذي عاشوه وجها لوجه مع حالة الاغتراب، التي عاشها الكتاب في مكانهم العياني ضمن عملية نفسية قادرة على إنتاج العديد من الإبداعات الأدبية، لتساهم تلك الحالة إلى تبلور حالة روائية جديدة، تمتلك أبعاداً كتابية مختلفة مرهقة بالشوق والحنين، عبر تداعي نزيف الذاكرة لإيجاد حالة مقارنة للتعبير عن حالة اغتراب موضوعية ليست ذاتية، قادرة على التوثيق لقضايا الهجرة واللجوء كحالة حيوية تهم الإنسان وتعكس واقعه ومعاناته وانكساراته وأحلامه، وربما نجاحه أيضاً.
وتبقى دراسة قضايا المرأة والطفولة بجانبها الروائي ضمن مخيمات ومراكز اللجوء أو في المغتربات الأوروبية ذات أهمية قصوى، وخاصة في حال تناول نتاجات الكتابات الروائية التي أبدعتها المرأة الكاتبة بدءاً بتحليل الأسلوب والعناصر الأدبية والجمالية في كتاباتها، إلى تحليل نظرتها للبيئة الجديدة، وإرهاصات ماضيها القريب في الوطن الأم.
وتبقى الهجرة حالة انتقالية محفوفة بالمخاطر والمغامرة، ويبقى على كاهل الرواة سرد وتوثيق تلك المغامرات، والطرق التي سلكوها أو الخيم التي تنفسوا هواء النزوح تحت أسقفها الواطئة، وتحررهم النسبي من حدود الخيمة، بحيث لا تبقى مجرد خواطر هشة، وإنما لغة روائية بمستوى أوجاع البعاد والغربة، قادرة أن توثق لمرحلة عاشها، لتستمر سجلاً للأجيال القادمة، لتأخذ مكانها في سلسلة الأدب الكردي عامة، روايات الذاكرة، والحكاية الكردية في تغريبتها الجديدة.