الدرباسية/ نيرودا كرد – تشكو دول الجوار السوري المستضيفة عدداً من اللاجئين السوريين، من الأعباء، التي تراكمت عليها نتيجة هذه الاستضافة، وتحيك العديد من الحجج والذرائع لإعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم قسرا، وذلك على الرغم من تكرار هذه الدول لأسطوانة “العودة الطوعية” المشروخة. فما القصة؟
عاد من جديد ملف التضييق على اللاجئين السوريين الموجودين في دول الجوار السوري ليتصدر المشهد السياسي السوري. فإلى جانب حملة الترحيل القسري من بعض البلدان، كالعراق مثلا، بدأت موجة جديدة من المضايقات في بعض الدول الأخرى، لا سيما لبنان وتركيا، على اللاجئين لدفعهم نحو العودة إلى سوريا الخراب.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الإعادة القسرية تجري على الرغم من المناشدات المتكررة للهيئات الدولية، التي ترفض إعادة اللاجئين قسريا لأن الأرضية لا تزال غير مهيأة، ولأن عودة اللاجئين يجب أن تتم بشكل طوعي دون أي ضغط.
المحطة الأولى
المحطة الأولى لترحيل اللاجئين السوريين قسرا بدأت من تركيا، وتحديدا بعد أن احتلت الأخيرة جزءاً من الأراضي السورية، كعفرين وسري كانية، وكري سبي والباب، وإعزاز وغيرهم. حيث بنت دولة الاحتلال التركي مئات المستوطنات في الأراضي، التي احتلتها ونقلت إليها آلاف اللاجئين السوريين، ووطنتهم محل سكان هذه الأرض الأصليين.
إلى جانب تضييقها على اللاجئين ومحاولتها قذفهم خارج الأراضي التركية، وسعت دولة الاحتلال التركي من خلال هذا الترحيل إلى تغيير ديمغرافية المناطق، التي احتلتها من سوريا، حيث تسعى لسلخ هذه المناطق عن طابعها الكردي الأصيل، تمهيدا لضمها لأراضيها وتتريك هذه المناطق.
المحطة الثانية
كانت من العراق، حيث تحتجز السلطات العراقية في بغداد وفي مدن أخرى عشرات اللاجئين السوريين، بينهم نساء وأطفال، بهدف ترحيلهم إلى سوريا، وتسليمهم إلى حكومة دمشق، بالرغم من أنّ الكثير منهم مسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق، وفي وثائق رسمية من الحكومة العراقية تمكنهم من البقاء والعمل في مدن البلاد.
ولم تمنع مطالبات المنظمات الإنسانية المعنية بالمهاجرين واللاجئين ترحيل اللاجئين السوريين، بل واصلت السلطات الأمنية اعتقالهم وإيداعهم في مراكز الشرطة وسجن بعضهم لفترات مختلفة بتهمة دخول البلاد بطريقة “غير شرعية”، فيما ترفض الأمم المتحدة استمرار ملاحقتهم وترحيلهم.
ويربط مراقبون هذه الإجراءات بدوافع سياسية لها علاقة بالاتفاقيات، التي وقعتها بغداد مع حكومة دمشق، تحت ما يعرف بـ”البند الأمني”.
ماذا يجري في لبنان؟
في لبنان، يتعرض اللاجئون السوريون للعديد من أنواع المضايقات، من ضمنها تشديد الشروط الواجب توفرها ليتمكن اللاجئ السوري من استئجار منزل في أي منطقة في لبنان، فضلا عن الهجمات المتكررة من اللبنانيين على أماكن عمل وسكن اللاجئين السوريين وضربهم، وتوجيه الإهانات لهم، ومطالبتهم بالرحيل.
وعلى الرغم من ادعاءاتها المتكررة بأنها ترفض هكذا إجراءات، وترفض إجبار السوريين على العودة، إلا أن، وحسب تقارير صحفية، استأنفت السلطات اللبنانية يوم الثلاثاء نقل لاجئين سوريين إلى بلدهم، بعد توقف لنحو عام ونصف، وسط تحذيرات منظمات حقوقية ودولية من عمليات ترحيل قسري، وتأكيدها أن توقف المعارك في سوريا لا يعني أن الظروف آمنة لعودة اللاجئين.
وتجمعت حافلات وشاحنات صغيرة -يحمل بعضها لوحات تسجيل لبنانية وأخرى سورية- في منطقة عرسال شرقي لبنان منذ ساعات الصباح الأولى، ثم بدأت الانطلاق تدريجيا إلى الأراضي السورية بإشراف الأمن العام اللبناني. وأضافت أن اللاجئين نقلوا معهم أمتعة شخصية، وحتى دواجن وحيوانات.
من جانبها، قالت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان: إن الأمن العام أعلن عن تنظيم إعادة نحو 330 لاجئا عبر معبرين حدوديين في عرسال وبلدة القاع، في إطار “تأمين العودة الطوعية” التي بدأها الأمن العام منذ 2017، وفقا للوكالة. في الوقت نفسه، أفادت وكالة الأنباء (سانا) التابعة لحكومة دمشق، بوصول “دفعة جديدة من المهجرين السوريين العائدين من لبنان عبر معبر الزمراني بريف دمشق”، دون تحديد العدد.
حقيقة الأمر
كما ذكرنا سابقا، فإن الدول المضيفة للاجئين تتبجح بالأعباء الاقتصادية، التي تقع عليها بسبب هؤلاء اللاجئين، ولكن وبلا شك، هذه المسألة ليست سوى شماعة يجري من تحتها ما يجري، أي أن هناك ما هو أكثر جوهرية في موضوع ترحيل اللاجئين.
تعود جذور حملة التضييق على اللاجئين إلى طرح ما بات يُعرف اليوم بمشروع الخطوة مقابل خطوة العربي، وتحديدا انطلاق أعمال اللجنة الرباعية، التي تشكلت بهدف إعادة العلاقات مع حكومة دمشق، وما ترافق مع ذلك من إجراءات أهمها استعادة حكومة دمشق مقعدها في الجامعة العربية بعد أكثر من عقد من الاستبعاد.
وبناء عليه، يبدو استعادة مقعد حكومة دمشق في الجامعة العربية جاء على حساب اللاجئين السوريين في دول الجوار. حيث أن حكومة دمشق تسعى من خلال هذه الخطوات إلى إعادة تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي، وتلميع هذه الصورة يتطلب مفردات محددة، من أهمها إظهار الواقع السوري على أنه واقع طبيعي، وبأن الحرب قد انتهت، وأن حكومة دمشق عادت إلى ما كانت عليه قبل 2011، وتطبيع العلاقات وإعادة اللاجئين يُعدَّان من الأدوات اللازمة في هذا الاتجاه.
بالمقابل، فإن الخطوة المقابلة التي يتعين على حكومة دمشق أن تخطوها، هي إعادة النظر في جملة علاقاتها الدولية والإقليمية، وعلى رأسها علاقاتها مع روسيا وإيران، ويبدو أن هذا ما يجري اليوم، لا سيما بعد التقارير الصحفية، التي صدرت بناء على مصادر رفيعة المستوى في إيران، والتي تتحدث فيها إيران بشكل صريح عن دور ما لأجهزة المخابرات التابعة لحكومة دمشق في الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق.
فإن تقرير صحفي أعدته صحيفة الجريدة الكويتية أشار إلى أن مصدراً في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن الأجهزة الأمنية الإيرانية رفعت تقريراً للمجلس بشأن احتمال ضلوع السلطات السورية في اغتيالات كبار قادة «الحرس» في سوريا. وحسب المصدر، فإنه بعد اغتيال رضا موسوي في سوريا في كانون الأول 2023، قررت طهران ودمشق فتح تحقيق مشترك على مستوى أجهزة الاستخبارات حول احتمال وجود اختراقات أمنية أدت إلى نجاح إسرائيل في اصطياد موسوي، أحد أقدم مستشاري «الحرس» في سوريا. لكن؛ بعد ذلك تبين للإيرانيين أن الاستخبارات السورية تعرقل التحقيق، وهو ما دفع طهران إلى فتح تحقيق مستقل بمعاونة «حزب الله» اللبناني، أظهرت نتائجه أن الخروقات والتسريبات الأمنية التي أدت إلى اغتيال قادة «الحرس» في سوريا، وكذلك بعض كوادر «حزب الله» في سوريا ولبنان تحظى بغطاء سياسي وأمني على مستوى عالٍ، وأنه من المستبعد جداً ألا يكون الرئيس السوري بشار الأسد نفسه على علم بهذا الأمر.
من جهة أخرى، تحدثت العديد من التقارير الإعلامية عن خلافات بين روسيا ودمشق على خلفية تعنت الأخيرة ورفضها لتقديم أي تنازل من شأنه أن يدفع باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية. وفي هذا الصدد، تناولت وسائل إعلامية تصريح لمسؤول روسي رفض الكشف عن اسمه قال فيه: إن روسيا في صدد إعادة تقييم كلي لمواقفها من حكومة دمشق، وبأنه من ضمن عملية إعادة التقييم هذه، هي إمكانية سحب القوات الروسية المتواجدة في الأراضي السورية، والإبقاء على القوة الموجودة في قاعدة حميميم وحدها.
حسب تلك التقارير فإن السبب الجوهري وراء تلك الخلافات يكمن في كون حكومة دمشق تسعى لإعادة الأمور إلى ما قبل انفجار الأزمة السورية في عام2011، فضلا عن التنسيق المستمر من تحت الطاولة بين حكومة دمشق والقوى الغربية، التي تفرض على حكومة دمشق شروطا بغية إبقاء زمام الأمور السورية في يدها.
إن الخلافات، التي بدأت تظهر للعلن من حكومة دمشق، وموسكو، وطهران، بأن الأزمة السورية تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، لا سيما وإن دمشق تحاول قدر الإمكان الإفلات من القبضة الخارجية للتفرد بالداخل السوري، ولإعادة رسم المستقبل السوري بما يتوافق مع مصالح مسؤوليها بغض النظر عما وصلت إليه أوضاع السوريين بشكل عام.