السطو المُسلح أو “التشليح” ظاهرة استفحلت في الآونة الأخيرة في ضواحي وأرياف مدينة الحسكة؛ فيما تعمل قوى الأمن الداخلي على رصد ممارسيها وإلقاء القبض عليهم ثم إحالتهم للمحاكم، وقد رصدنا لكم في هذا التحقيق العديد من المُلابسات المُحيطة بهذه الظاهرة.
تفاقمت في الآونة الأخيرة ظاهرة السطو المسلح؛ والمعروفة باللهجة المحلية بـ “التشليح” في الأرياف القريبة من مدينة الحسكة إضافةً إلى تسجيل عدد من الحالات داخل المدينة؛ حيث تعمد عصابات عديدة إلى استدراج ضحاياها، ثم تسطو على أموالهم وما يحملونه.
ويتم استدراج الضحايا عادة عبر مواقع التواصل الافتراضي – تطبيق الفيسبوك على وجه الخصوص – وذلك عبر عرض سلعة للبيع (سيارات، أو دراجات نارية، أو آلات زراعية، أو أدوات منزلية، …) بأسعار منخفضة تغري مرتادي هذه المواقع والباحثين عن هذه السلع؛ ومن ثم تترك هذه العصابات أرقاماً للتواصل؛ الأمر الذي يوقع الضحايا في الفخ؛ حيث يتم استدراجهم إلى مناطق نائية أو بعيدة عن العمران؛ للاستفراد بهم.
في مدينة الحسكة وأريافها؛ استفحلت هذه الظاهرة في الأشهر الأخيرة؛ فيما أدت – فضلاً عن سرقات عديدة – إلى سقوط ضحايا بين قتيل وجريح نتيجة هذه الممارسات المشينة التي يرفضها المجتمع.
وتتركز في أطراف الحسكة بؤرتين أساسيتين لانتشار هذه الظاهرة؛ أولهما طريق الحسكة – الهول (شرقاً)؛ لاسيما في المناطق القريبة أو الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق بالقرب من نقطتها العسكرية في جبل كوكب الواقع شرق مدينة الحسكة. أما البؤرة الثانية فتتمثل في الضواحي القريبة من المدينة والقرى على طريق الحسكة – الشدادي (جنوباً).
عمليات السطو المسلح “التشليح” هذه لم تتوقف نتائجها عند سرقة أو طعن؛ بل تعدتها إلى قتل الضحايا الذين يقاومون هذه العصابات أو يتعرفون على أحد أفرادها؛ الأمر الذي فاقم الأمور في بعض الحالات التي تطورت إلى اقتتالات عشائرية بين ذوي الضحايا وهذه العصابات؛ ما أدى إلى حرق منازل وتسجيل إصابات عديدة.
دعوة لوأد ظاهرة التشليح
جرائم السطو المسلح “التشليح” أثارت قلقاً متزايداً بين السكان المحليين حول الوضع الأمني في المدينة وريفها؛ حيث يؤكد المواطن “علي العلي” ضرورة وضع حداً لهذه الظاهرة؛ مشيراً إلى أن أولى علاماتها ظهرت مع بداية الأزمة السوريّة؛ لاسيما مع سيطرة مجموعات عديدة في فترة معينة على بعض مناطق مقاطعة الجزيرة.
العلي أكد أن هذه الظاهرة ترفضها الأعراف الاجتماعية؛ والتعاليم الدينية، بل وتحاربها؛ كما دعا المجتمع في إقليم شمال وشرق سوريا عامةً ومقاطعة الجزيرة على وجه الخصوص إلى التكاتف للقضاء عليها ووأدها قبل أن تتطور إلى ما لا تُحمد عقباه.
من جانبه؛ أشار عواد العكلة؛ أحد وجهاء قبيلة البكارة العربية في إقليم شمال وشرق سوريا؛ أن الأعراف العشائرية “تنبذ هذا الفعل المشين الذي ينم عن تأصل الفكر الإجرامي اللا إنساني عند بعض الأفراد الموتورين الذين تدعمهم جهات تتربص بمشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا الدوائر”.
العكلة نوه إلى أن العديد من القبائل والعشائر في مقاطعة الجزيرة؛ أصدرت بيانات مُستنكرة لهذه الظاهرة وتبرأت من مرتكبي جرائم السطو المسلح “التشليح”، كما أكد أن هذه القبائل والعشائر أصدرت كتباً تبين فيها “إخراج هكذا شخوص لا يمثلون عشائرهم من تحت عباءة العشيرة؛ ورفضت منح أي شكال من أشكال التغطية العشائرية لهؤلاء الذين عاثوا في الأرض فساداً”.
أبرز الجرائم المُرتكبة خلال التشليح
في السياق؛ قمنا في صحيفتنا “روناهي” بإحصاء عدد من هذه الجرائم على مدار الأشهر الأخيرة. إحدى الحوادث، كانت قد حصلت لمواطن وقع ضحيّة لعملية تشليح بعد أن تم استدراجه عبر الفيسبوك بحجة بيع سيارة في شهر آذار المنصرم.
الحادثة وقعت بالقرب من قرية سبع سكور بريف الحسكة الجنوبي الشرقي، حيث تعرّض الضحية لخسارة فادحة قُدرت بـ 3000 دولار أمريكي و700 ألف ليرة سوريّة، بالإضافة إلى جهازي هاتف محمول.
في سياق متصل، أقدم مسلحان على سلب صاحب سيارة أخرى مبلغاً مالياً قدره 350 دولاراً أمريكياً على طريق حي النشوة بجوار الملعب في مدينة الحسكة، ثم لاذا بالفرار إلى جهة مجهولة.
وبتاريخ 28 آذار من العام الجاري، اعترضت عصابة مسلحة طريق أحد وجهاء عشيرة “المعامرة”، بين قريتي السحيل والمجيبرة بريف الحسكة الشرقي، بعد استدراجه برفقة ابنه لشراء محرك زراعي.
وقد استهدف أفراد العصابة وجيه العشيرة بالرصاص المباشر، ما أدى إلى إصابته بجروحٍ متفاوتة، وذلك بعد سلبه مبلغ مالي يُقدر بخمسة ملايين ليرة سوريّة، بالإضافة إلى سرقة الأجهزة الخليوية التي بحوزتهما.
وفي الـ 13 من أيار المنصرم؛ شهدت أرياف المدينة توتراً واشتباكات بين قبيلتين إثر مقتل سلمان صالح العوران من قرية خربة الجاموس على يد مسلحين “مشلحين” بين قرى الذيبة وعب الشوك والمجيبرة وهي مناطق تكثر فيها عمليات القتل والتشليح والسرقة فيما يلوذ الفاعلون بمنطقة جبل كوكب والفوج الذي تسيطر عليه قوات حكومة دمشق شرق الحسكة ١٣ كم.
وفي الـ 15 من حزيران اعترض مسلحان مجهولان يستقلان دراجة نارية، طريق سيارة مدنية يستلقها مواطن برفقة أخيه، في قرية الكاظية الظاهر التابعة لناحية الهول بريف الحسكة، أثناء عودتهم من أرضهم الزراعية، حيث جرى إطلاق النار عليهما بشكلٍ مباشر، دون إصابتهم، وذلك بهدف تشليحهم وسرقتهم، ومن ثم فر الفاعلان إلى جهة مجهولة.
وفي العاشر من تموز المُنصرم اعترض مسلحان مجهولان طريق سيارة مدنية تعود لمواطن من أهالي قرية خرب الياس، وذلك بالقرب من دوار سينالكو بمدينة الحسكة، وقاما بسلب مبلغ مالي قدره 700 دولار أمريكي وطعن صاحبها بأداة حادة، وتم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وفي الـ 29 من تموز المنصرم؛ أقدمت مجموعة مسلحة على “تشليح” عاملين تابعين لمنظمة “سيف ذا جيلدرن” أثناء اعتراض سيارتهم على طريق الهول شرق مدينة الحسكة.
وآخر ما تم تسجيله من عمليات السطو المسلح؛ كان في مطلع شهر آب الحالي؛ حيث قامت عصابة مسلحة بالسطو على المواطن “أيمن حماد” في قرية العابد الواقعة على بعد 2 كم شرق مدينة الحسكة؛ كما تم طعنه من قبل العصابة المذكورة.
الضحيّة تكشف تفاصيل الجريمة
وقد التقينا بـ “أيمن حماد” الذي يرقد – حتى لحظة إعداد التقرير – في إحدى مستشفيات مدينة الحسكة؛ بعد أن تعرض لعملية طعن في البطن كادت أن تودي بحياته.
“حماد” وفي كلمات مقتضبة لصحيفتنا أشار إلى أن العصابة التي اعترضت طريقه في أحد الأودية بالقرب من القرية المذكورة كانت تتألف من ثلاثة أشخاص؛ حيث قاموا بسلبه مبلغاً من المال إضافةً إلى هاتفه الخليوي؛ قبل أن يقوموا بطعنه؛ إلا أنه استطاع إنقاذ نفسه منهم وقد تم إسعافه إلى أقرب مركز طبي ليباشر رحلة العلاج.
كما دعا “أيمن حماد” إلى القضاء على هذه الظاهرة بالتكاتف بين المجتمع والقوى الأمنية؛ كي تنعم شعوب المنطقة والمدينة على وجه الخصوص بالأمن والاستقرار.
إجراءات أمنيّة للحد من الظاهرة
يُذكر أن قوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا؛ كانت قد أعلنت في الـ 14 من شهر حزيران القبض على سبعة أشخاص متورطين بعمليات السطو المسلح بريف الحسكة، وذلك بعد ورود العديد من البلاغات من قبل المواطنين تفيد بتعرضهم لعمليات تشليح وسطو مسلح في المنطقة.
هذه البلاغات دفعت “مكافحة الجريمة” إلى جمع كافة المعلومات والقيام بتحريات موسّعة لتتوصل إلى أدلة تُثبت تورط العديد من المشتبه بهم بتلك العمليات.
وبحسب بيان صادر عن قوى الأمن فإنها نفذت عدة مداهمات على مكان اختباء المشتبه بهم في قرية “صرين” وقرية “سبع سكور”، وألقت خلالها القبض على المتورطين الذين تم تحويلهم إلى القضاء المختص.
وحول هذه الظاهرة وجهود قوى الأمن الداخلي في إقليم شمال وشرق سوريا لمكافحتها؛ تحدث لصحيفتنا “روناهي” العقيد في قوى الأمن الداخلي “ديروك ملا بشير“؛ الذي أكد إنه تتم متابعة حوادث التشليح بشكلٍ يومي، سواء إذا وصلتهم معلومات، أو من خلال المتابعة الإلكترونية.
مشيراً إلى إنه ضمن فترة زمنية وفي إقليم الجزيرة انتشر أسلوب بيع السيارات وغيرها عن طريق صفحات الإنترنت بسعر رخيص وبالتالي جذب الباعة من مناطق عدة كـ “دير الزور والرقة والطبقة”؛ مستنكراً في الوقت ذاته ثقة بعض الأهالي بمواقع التواصل وصفحات ومواقع غير رسمية كمكان للبيع والشراء.
ونوّه ملا بشير إلى أنهم يتابعون الصفحات المشبوهة التي تروّج لهكذا عمليات بيع وهمية؛ عبر فريق تقني، ثم يقومون بالوصول إلى هؤلاء الأشخاص عبر نصب الكمائن الأمنية لهم.
وأضاف العقيد ديروك ملا بشير: “هناك العشرات ممن تم القبض عليهم بهذا الجرم، وتم كشف شبكات منظمة تعمل بهذا الشأن”، وأردف: “في بعض الأحيان أولئك الأشخاص يرتدون اللباس الخاص بقوى الأمن الداخلي والقوات العسكرية، وإقامة حواجز وهمية في المناطق الفاصلة بين مناطق الإدارة الذاتية وتلك التي تسيطر عليها قوات حكومة دمشق”.
وأكد ملا بشير أن متابعة هذه العصابات متواصلة من قبل قوى الأمن الداخلي؛ حيث تم القبض على عدد كبير منهم؛ منوهاً إلى إن السطو المسلح جرم كبير؛ لأنه يودي بأمن واستقرار المنطقة؛ لاسيما أن المجرمين يمارسون هذه الجرائم وهم يرتدون الزي العسكري الخاص بقوى الأمن الداخلي والقوات العسكرية الأخرى.
ملا بشير أشار إلى أن غلب الحالات في مقاطعة الجزيرة تتم في الأماكن المحاذية لمناطق سيطرة حكومة دمشق؛ حيث يلوذ المجرمون بهذه المناطق بعد ارتكابهم للسطو.
مضيفاً: “هذا ليس ببعيد أن يكون لحكومة دمشق يد في ما يحصل من جرائم؛ لاسيما أن تحرياتنا أثبتت أن جزءاً كبيراً من هؤلاء المجرمين يقطنون في مناطق سيطرة هذه القوات”.
وأكد: “متابعتنا لهؤلاء المجرمين مستمرة وتم نشر أسماءهم على جميع الحواجز وغرف العلميات المركزية التابعة للقوات، ليتم إلقاء القبض عليهم”.
العقيد في قوى الأمن الداخلي “ديروك ملا بشير”؛ اختتم حديثه بجملة من النصائح؛ حيث قال: “رسالتنا لشعبنا إنه عندما يكون هناك شبهة فإن لدينا أرقام ومراكز لقوى الأمن الداخلي معروفة بإمكانهم إعلامها بذلك لاتخاذ التدابير اللازمة”.
كما حث ملا بشير المواطنين على التحلي بالوعي الكافي لعمليات البيع والشراء التي تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ وطالبهم بعدم التوجه لهذه المواقع؛ والاكتفاء بالمواقع التي تحمل أسماء وعناوين واضحة وصفات رسمية في أماكن آمنة.
وأضاف: “مسؤولية الخلاص من حوادث التشليح تقع على عاتق قوى الأمن الداخلي؛ إلا إنها تحتاج للتعاون من قبل الأهالي وإخطار القوات عن كل حالة مشبوهة أو صفحة تروج لبيوع وهمية تؤدي إلى عمليات سطو مسلح”.
حملة تنشيط واسعة
وتزامناً مع دحرها لجيش حكومة دمشق في دير الزور، تنفذ قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي، وبدعم من قوات التحالف الدولي حملة تمشيط واعتقال للمشلحين والمطلوبين للعدالة في محيط جب كوكب وقرى مجبيرة وتنينير وخط مفرق البترول ومنطقة 10 كم وصولاً لبلدة الهول، علماً أن مجبيرة تُعد المقر الأول للمشلحين.