سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

التداعيات الصحيّة للعزلة المفروضة على القائد أوجلان

كروب روناهي_

عقد الخميس 1/8/2024 المؤتمر الخاص ببحث التداعيات الصحيّة للعزلة المفروضة من الحكومة التركيّة على القائد عبد الله أوجلان في سجن إيمرالي، وذلك برعاية هيئة الصحة في الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة لإقليم شمال وشرق سوريا، تحت شعار “العزلة هي أكبر تهديد لصحة الإنسان وانتهاك الحق المحق في الحياة”.
شاركت في المؤتمر، الذي عُقد في صالة مركز سردم الثقافيّ بمدينة الحسكة، أكثر من 500 شخصية بين أطباء ومندوبين على مستوى إقليم شمال وشرق سوريا عن النقابات الطبيّة، والهلال الأحمر الكرديّ، وطلاب الطب في جامعة روجافا، وحقوقيين. كما حضرته، الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذيّ للإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة لإقليم شمال وشرق سوريا أفين سويد، وقوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية المرأة YPJ، وممثلو المبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجلان، والرئاسة المشتركة لحركة المجتمع الديمقراطي TEVDEM، روكن أحمد، وغريب حسو. والرئاسة المشتركة لهيئة الصحة في الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة، الدكتور محمد نور شباب، والدكتورة جود محمد.
البعد الإنسانيّ للقضية
 وألقى كلمة افتتاحية أعمال المؤتمر، الرئيس المشترك لهيئة الصحة في الإدارة الذاتيّة الديمقراطية لمقاطعة الرقة الدكتور صالح عساف، رحّب فيها بالحضور وأشار لما يهدف إليه المؤتمر: “نسعى عبر هذا المؤتمر أن يكون إسهاماً في تحقيق غاياته، فنجتمع اليوم للوقوف على قضية ذات أبعاد متعددة، ولا بد أنّها تمس صميم وجدان كل شخص يتحدث عن الإنسانيّة، فمنذ شباط 1999 لا يزال القائد أوجلان في سجن إيمرالي يعيش في ظروف عزلة أقل ما نستطيع القول عنها: إنّها لا إنسانيّة”.
وألقى حمدان العبد نائب الرئاسة المشتركة المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا كلمة المجلس، أشار فيها لأهمية تنظيم هذا النوع من الفعاليات، للوقف بشكل تخصصي على تداعيات العزلة، مؤكداً على ضرورة تحقيق حرية القائد عبد الله أوجلان الجسديّة.
التداعيات الصحية للعزلة المفروضة في إيمرالي
تضمّن تقرير المؤتمر الخاص ببحث التداعيات الصحية للعزلة المفروضة على القائد عبد الله أوجلان، ظروف اعتقاله في إيمرالي، وتداعيات استمرار اعتقاله، على الحالة الصحية للقائد، وجملة من التوصيات التي يتوجب العمل عليها، بينها تغيير مكان إقامة القائد وإجراء فحوصات دورية لكامل أجهزة الجسم، وتوفير نظام صحي متكامل، ومطالبة اللجنة الأوروبية لمناهضة التعذيب بنشر تقرير زيارتها إيمرالي عام ۲۰۲۲.
وخلال أعمال المؤتمر تم التوقف على الظروف، التي يُحتجز فيها القائد عبد الله أوجلان في سجن إيمرالي، وتداعيات استمرار اعتقاله على حالته الصحيّة، وذلك ضمن تقرير أعدّه القائمون على المؤتمر، وقرئ من الرئيس المشترك لاتحاد الأطباء في إقليم شمال وشرق سوريا، الدكتور مصطفى عبد الكريم.
“تُعرف الصحة بحسب ميثاق أوتاوا: بأنها حق أساسي لكل إنسان دون تمييز في العرق، والدين، والمعتقد السياسي، والوضع الاقتصادي والاجتماعي، وهي تعرف حسب منظمة الصحة العالمية لعام ۱۹٤٨: بأنها حالة من اكتمال الصحة العقلية، والجسدية، والاجتماعية والصحية، وليس مجرد الخلو من المرض والعجز، للاستمتاع بأفضل حالة ممكنة.
فالصحة أساس استمرارية الحياة، ورغم أهميتها الكبرى، فإنها لم تحظَ من الاهتمام في قضية القائد عبد الله أوجلان، إلا بالقدر الضئيل، في حين سيطر الجانب القانونيّ والسياسيّ بجل الاهتمام.
ولهذا، فقد سلطنا الضوء، في هذا المحور، على ظروف سجن إيمرالي، في سياق صحة القائد عبد الله أوجلان وركزنا على جوانب المناخ والعزلة، وكذلك الحصول على الرعاية الطبية، واستندنا في هذه الاعتبارات بشكل خاص إلى تعاريف ومناهج الأمم المتحدة UN، ومنظمة الصحة العالميّة WHO، ولجنة مناهضة التعذيب CPT.
وبغض النظر عن الأنشطة والفعاليات السياسيّة المختلفة، فإنّ الحق العالميّ في الصحة ينطبق على قضية القائد عبد الله أوجلان، ورأى المؤتمر ضرورة الإشارة إلى المسؤوليّة، التي تنشأ من الناحية الطبيّة، كمهنة إنسانيّة.
مناخ جزيرة إيمرالي: يُصنّف بحر مرمرة مناخيّاً، حسب وكالة الفضاء الكنديّة كوبن وجيجر، بأنه دافئ ومعتدل، مع صيف حار وجاف، ويبلغ متوسط درجة الحرارة السنويّة في منطقة مرمرة ١٥.٢ درجة مئوية، وهناك فرق قدره ۱۸.۲ درجة مئوية بين الشهر الأكثر دفئاً في آب، وأبرد شهر في أيلول، وفي الصيف تكون الجزيرة عاصفة للغاية طوال العام وتصل الرطوبة في بعض الأحيان إلى ۸۰-۹۰، وهي تخضع لتقلبات قوية، وشهر يناير هو الأعلى من حيث الرطوبة النسبيّة، وشهر أيلول هو الأدنى، رغم أنّها لا تزال ٦٨ــ٨٦.
الرطوبة ونوعية الهواء: يجب أن تتراوح رطوبة الهواء المثالية بين ٤٠ ــ ٦٠%، وأن تزيد رطوبة الغرفة قليلاً عن ٤٠% خلال فترة النوم، لأن رطوبة الهواء، تزداد بشكل مستمر طوال الليل بسبب تنفس الهواء والتعرق الليليّ، وتؤثر الرطوبة النسبية المفرطة مباشرةٍ على الظروف، والأجواء الصحيّة، ما يؤدي لانتشار البكتيريا والملوثات الأخرى، ووفقاً لمنظمة الصحة العالميّة، فالتعرض الطويل الأمد للفيروسات الصغيرة، يؤثر على مجمل صحة الإنسان.
آثار المناخ على الصحة: تتميز التأثيرات المباشرة على الإنسان، في مجال الصحة والراحة، ولكن أيضاً من حيث مسببات الأمراض والملوثات، فمن المرجح أن تكون المهيجات الحسية وتهيج الأغشية المخاطية، هي السبب وراء اعتبار الهواء جافاً. تؤثر الرطوبة النسبية على جوانب مختلفة تتعلق بصحة الإنسان؛ العينين والجلد، والجهاز التنفسيّ والنوم والتوتر.
مسببات الأمراض والملوثات: تزيد الإصابة بالعفن الداخليّ من خطر السعال، والتهابات الجهاز التنفسيّ، والأمراض التأتبيّة الحساسيّة، ويمكن أن يكون الربو هو النتيجة.
وأما محفزات زيادة نسبة الغبار فتمثل مشكلة أيضاً، وعند الحفاظ على الحد الأقصى للرطوبة أقل من 50%، فيمكن تقليل تكاثر عث الغبار بشكل كبير، آثار تكييف الهواء على الصحة تنبعث من مكيفات الهواء هواء بارد وجاف، وهذا يقلل نسبة الرطوبة في الغرف التي يعمل فيها مكيّف الهواء لفترات طويلة؛ لدرجة أنّ الأغشية المخاطية في الأنف تجفُّ وتصبح القدرة على العمل ضعيفة، ما يزيد من خطر الإصابة بالعدوى، وخاصة البكتيريا منها.
ويجب أن يؤخذ بالاعتبار خطر بكتيريا الليجيونيلا، التي يمكن أن تستعمر أنظمة تكييف الهواء وأنظمة تكييف الهواء تؤدي إلى التهاب رئويّ حاد، وتعدُّ الصيانة المنتظمة، بما في ذلك تغيير الفلتر، أمراً ضروريّاً.
آثار الضوضاء على الصحة: التعرض الدائم للضوضاء يشكّل خطراً على الصحة إضافة للتأثيرات المباشرة على الأذن، وهناك العديد من التأثيرات غير السمعيّة؛ مثل اضطرابات النوم وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويّة، وأيضاً تأثير سلبيّ على الأداء المعرفيّ.
وتوصل أطباء من اتحاد الأطباء في شمال وشرق سوريا، ومن الاختصاصات التالية: العينية -الأذن والأنف والحنجرة -الصدرية – القلبية -الجلدية، وبعد دراسة الوضع وظروف إيمرالي والاطلاع على التقارير والبيانات المتاحة، إلى النتائج التالية:
الصدريّة: البيئة ذات الرطوبة العالية، والتي تزداد نسبتها عن 60%، تكون مرتعاً مناسباً لنمو الجراثيم والفيروسات والفطور والعث، ويؤدي ما سبق إلى حدوث أمراض صدريّة عديدة، وإلى تفاقمها لدى الأشخاص القاطنين فيها، من إنتانات للطرق التنفسية العلوية والسفلية وذوات الرئة، وحدوث الربو وتفاقمها، وعدم استجابتها بشكل جيد للعلاج.
العين: مع التقدم في السن، قد تنخفض عدد الخلايا المخاطيّة في الملتحمة، ما يسبب جفاف العينين، والأماكن الرطبة تسبب الالتهابات التحسسيّة في ملتحمة العين وفي الظروف غير الملائمة، يزداد خطر أمراض الشبكيّة، بما في ذلك الضمور البقعيّ للشبكية المركزيّة، والانفصال الشبكيّ.
الجلد: الرطوبة العالية يمكن أن تؤثر أيضاً على الجلد. تمتص مسام الجلد الرطوبة وهو أمر جيد عادة ومع ذلك، يمكن أن تؤدي الرطوبة العالية لزيادة إنتاج العرق والعفن، ما قد يؤدي إلى تهيّج الجلد والاحمرار وحتى انتشار الالتهابات، علاوة على ذلك، فإن زيادة التعرق يمكن أن تؤدي أيضاً إلى جفاف الجلد.
القلبيّة: فيما يخص الجهاز القلبيّ الدورانيّ، وما يعتريه من تبدلات نتيجة أمراض تتوافق مع تقدم العمر، وخاصة أمراض ضغط الدم والشرايين الإكليلية، فضلاً عن اعتلالات العضلة القلبيّة الناجمة عن نقص التغذية، وسوء الأوضاع المحيطة وارتفاع التوتر الشريانيّ ونقص التروية القلبية الناجمة عن تشكل عصائد على بطانة الشرايين الإكليلية، تؤدي إلى تضيق في الشرايين وحدوث أذيات إقفارية، كالاحتشاءات القلبية، أو نوبات توقف القلب المفاجئ، وخلل الشحوم والدهون، مرتبط أيضاً بالتقدم في العمر، وهو بحاجة إلى تحاليل دورية كل شهر، لمنع حدوث نوبات خناقية، تشكل خطراً على حياة الشخص، وقد نتفاجأ بنتائج لا تحمد عقباها، و خاصة في ظل ظروف صحية سيئة و قصور القلب، هو المرض الشائع عند هذه الشريحة العمرية، ويضاف إليها الرطوبة المفرطة و العزلة المطبقة عليه، فالشخص بحاجة إلى تحاليل دورية وفحوصات روتينية كل ثلاثة أشهر، وصور شعاعية وإيكو قلب، وأحياناً يستدعي إجراء قثطرة قلبية لتشخيص الحالة والمباشرة في العلاج اللازم، لمنع حدوث الكوارث والأزمات المميتة.
أذن أنف وحنجرة: ضعف العصب السمعي، طنين ودوار بسبب ضعف الدهليز، التهاب أذن خارجية خاصة فطري بسبب الرطوبة، التهاب الجيوب المزمن.
وشهد المؤتمر مداخلات عديدة استفاضت بتسليط الضوء على الوضع الصحيّ للقائد أوجلان وانتهاكات تركيا للقوانين والمواثيق الدوليّة، التي وقّعت عليها بنفسها، وسط صمت الجهات المعنية والدولية حيال ما يتم ممارسته في سجن إيمرالي.
خمس توصيات عن المؤتمر
اختتم المؤتمر بجملة توصيات، جاءت كما يلي:
1-يجب القيام بتنفيذ معيار المساواة على الأساس الحقوقي وكذلك لإنهاء العزلة، ولذلك فإن على الإدارة الذاتية الديمقراطية وتنظيمات المجتمع المدني تطوير فعالياتها من أجل إنهاء حالتي العزلة والتعذيب المذكورين.
2-يحب السعي للحصول على الرخص اللازمة لذهاب الهيئات المرسلة مثل TTBوكذلك CPT إلى إيمرالي مع إتاحة المجال لقيام الأطباء بمعايناتهم، وإشهار التقارير التي تم إعدادها للرأي العام.
3-من أجل إخراج سجن إيمرالي من حالة الوضع الاستثنائي ينبغي الاستناد إلى المعايير العالمية وقرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية-وكذلك توصيات لجنة مناهضة التعذيب CPT وإلغاء هذه الممارسات من الناحيتين الحقوقية والسياسية ولتحقيق ذلك يجب التواصل والعمل مع التنظيمات والمؤسسات الدولية سوياً.
4-ينبغي الوصول إلى تحقيق حرية القائد أوجلان من خلال (حق الأمل) حيث أقرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية أن لكل إنسان حقه في أن يخرج من السجن بعد قضائه لعشرين عاماً، ويعدُّ من الممارسات السيئة إذا ما تم حرمان السجين من هذا الحق، وفي السياق نفسه فإن في (الحق في الأمل) احتراماً لكرامة الإنسانية. وللوصول إلى الحرية الجسدية للقائد يجب بناء آليات تواصل وأن يتم تفعيل وتبني سياسات ديمقراطية فعالة وهذا الأمر سيكون هاماً حتى من أجل تحقيق السلام في المنطقة، لذلك ينبغي إعداد هيئة مؤلفة من الحكماء والمحامين في شمال وشرق سوريا تبادر للقاء المجلس الأوروبي.
5-إن حقيقة القائد أوجلان واضحة للعيان سواء أكان في تركيا أم في الشرق الأوسط، وكذلك العقائد واللغات والهويات والثقافات والمجتمعات وهذا الأمر يعدُّ سارياً لتحقيق السلام أيضاً انطلاقاً من أن هذه الشروحات تلامس الحقيقة، وهو فكر ديالكتيكي، لكل ما ذكر فإننا نوجه نداءنا للمؤسسات الوطنية والدولية والشخصيات والمثقفين والأوساط الديمقراطية ليتبنوا مقررات مؤتمرنا هذا، وأن يطوروا فعالياتهم وأنشطتهم بما ينسجم مع حساسية الوضع”.
اختطاف وقرصنة
في 15/2/1999، اختطفت الاستخبارات التركيّة القائد عبدالله أوجلان بعملية قرصنة في إطار مؤامرة دولية وتعاون عدة أجهزة استخبارات أمريكيّة وإسرائيليّة وكينيّة ويونانيّة بهدف القضاء على الحركة التحرريّة الكردستانية؛”يروي الكاتب جوردان تومس في كتابه «أسرار الموساد» تفاصيل معقدة لقصة الاختطاف، والتي أفرد لها فصلاً خاصاً وحاول تتبعها بين عدة عواصم، واختتم قائلاً: “اشتهر أوجلان بأنّه الزعيم الكرديّ الأكثر كريزماتية بين كل قادة الحركة الكرديّة من إيران وحتى سوريا؛ تلك الشخصية ذات التأثير الكبير أعطته حضوراً هائلاً وغير مسبوق بين أوساط شعبه الكرديّ، وكذلك على المستوى الدوليّ، لقد كان يحمل قضية الكرد بين يديه كما روحه”.
بمرور السنوات على احتجاز القائد في سجن إيمرالي لم تحقق أنقرة أهدافها، وانتشر فكر القائد أوجلان وأضحى محركاً نضاليّاً ومحفزاً للاستمرار لنهج المقاومة والفكر الديمقراطي الداعي إلى حرية كافة مكونات الشرق الاوسط. وتواصل حكومة أنقرة حتى اليوم فرض العزلة المشددة على القائد أوجلان في سجن جزيرة إمرالي، ومنع زيارات المحامين وأفراد عائلته ما أثار القلق حول وضعه الصحيّ.