No Result
View All Result
المشاهدات 0
شيار زاخو
عبر التاريخ كان الضحايا هم أكثر من يتم استغلالهم، والاستثمار بهم، من أجل أطماع ومصالح الأطراف التي تمتلك مشاريع ومخططات هيمنة على السلطة. أي من أجل الاستحواذ على مقاليد الحكم يُعتبر كل شيء مباح ومشروع بالنسبة لهذه الأطراف، سواء إن كانت أشخاصاً أو تيارات أو جهات ومؤسسات ومنظمات (شكلاً مدنيّة ومضموناً أحد فروع أجهزة ما)، وحتى دول.
بكل تأكيد كل ما يحصل في غزة الآن تقشعر له الأبدان ويُدمي القلوب من هول الوحشية التي يتم التعامل بها، من خلالها مع المدن المكتظة بالمدنيين. وهذا الأمر كان متوقعاً بكل تأكيد من قبل من يحمل سلاح “المقاومة”، ويبحث عن الحرية، فهو يدرك تماماً أن عدوه لا يمتلك أي ذرة من الأخلاق ولا يعترف بقوانين الصراع ولم يسمع بالمعايير الإنسانية، مثله مثل معظم الأنظمة الفاشية عبر التاريخ. فما نفتقده هو الأخلاق في التقرب من كل شيء. إن كان في الحياة أو التعاملات اليومية وكذلك في السياسية والاقتصاد والدبلوماسية والثقافة والحروب أيضاً، وأي مجال تغيب فيه الأخلاق، حينها يُعتبر البديل هو الديكتاتورية والفاشية ولا يهم إن كانت متطرفة دينية أو متزمتة قومجية. فكِلا التقربين وجهان لسلطة واحدة لا غير.
في نفس الوقت البكائيات وكمية النفاق الصادرة من قبل الأنظمة، والتي لا تعترف هي ذاتها بحقوق شعبها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتترك شعبها عرضة للجوع والهجرة والتشرد، نراها تتباكى على ما يحصل في غزة وتذرف الدموع على قتل النساء والأطفال وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها.
مع العلم أن أكثر من يقوم بهذه الأمور ومنذ عقود ومن غير مُنافس هم الحكّام الأتراك بمختلف مسمياتهم عبر تاريخ تشكيل الدولة التركية، والتي احتفلت بمئويتها هذه الأيام. احتفال مخضب بدماء الشعوب الكردية والعربية واﻵشورية والأرمن وغير من الشعوب التي عاشت المجازر ولا تزال حتى يومنا الراهن. قبل غزة بأيام قليلة ظهر على الإعلام ما يُسمى بممثل الخارجية التركية (حقان فيدان) وأطلق تهديداته بأنهم سيدمرون كل مؤسسات البنية التحتية والخدمية وأي شيء في روج آفا، ولكنه هو نفس الشخص نراه يتباكى على ما يحصل في غزة.
بكل تأكيد أن الكل يتعاطف مع الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه كاملة على أرضه، والكل ضد القتل والتهجير والتدمير، لكن الكيل بمكيالين والتقربات المزدوجة هي تفضح الإنسان، والطامة الكبرى هي أن الكثير يصدق ما يقوله المسؤولون الأتراك في أنهم بالفعل مع الشعب الفلسطيني، ولا يعلمون حقيقة هذه الدولة تعتبر ثاني دولة اعترفت بإسرائيل وهي من تفتح مجالها الجوي للطائرات الإسرائيلية للتدريب والمهمات الخاصة وهي من يبني السفارة الأمريكية الآن في القدس وغيرها الكثير من الأمور والتي سيأتي الوقت كي يُفصح عنها.
وما نقوله عن تركيا ينطبق على أي نظام أو سلطة لا يعير الاهتمام بشعبه ويحقق لهم الرفاهية والعيش الكريم. فلا فرق كبير بين كل من تركيا كدولة فاشية وبين إيران المستبدة الثيوقراطية والتي تقتل الإنسان وتمنع عنه حريته وهو ما شاهدناه خلال الأحداث الأخيرة التي حصلت بعد استشهاد “جينا أميني” والتي ألهبت إيران بشعارها (المرأة ـ الحياة ـ الحرية). وهو الأمر عينه في سوريا، والتي يمكن الحديث فيها بلا حرج عن كل مصائب الإنسان.
ما يهم الآن هو على شعوب المنطقة ألا تنتظر شيئاً من الأنظمة المتواجدة، فهي لن تمنحهم أي شيء ولن تحرر غزة مما يحصل فيها وباقي المدن كذلك، لأن معظمها لا حول لها ولا قوة. ولن نسمع سوى صدى صوتهم في بيانات الشجب والتنديد والإدانة، وهذا أكثر ما بمقدورهم تقديمه. أما انتظار أكثر من هذا منهم فيعتبر مجرد وهم وخداع للذات، أو لنقل غفلة، وعلى الشعب ألا يقع فيها، لأن معظم الأنظمة لن تحضر إلى ميدان الصراع، إلا بعد انتهاء صوت أزيز الرصاص، لترقص على أشلاء من تبقى، وأطلال المدنية، ويشربون نخب الاتفاقيات والتفاهمات.
لذا، على الشعوب أن تبحث عن حقوقها بذاتها، وأن تُسرع في تنظيم ذاتها بعيداً عن رد الفعل والتقاربات العاطفية والحماسية، وإقامة تحالفات مع شعوب المنطقة من الديمقراطيين والأكاديميين والسياسيين والمقاومين الكُرد والأرمن والآشور، فإقامة جبهة موحدة في هذه الفترة ربما يكون أهم عمل يمكن القيام به والرد على المجازر ووحشية الأنظمة التي لا همَّ لها سوى مصالحها وأطماعها. جبهة مبنية على أساس أخوّة الشعوب والتعايش المشترك هي الاساس في الحفاظ على ما تبقى على الاقل من ثقافة المنطقة الغنية والنابعة من عمق تاريخ المنطقة. فلسفة يمكن الاتكاء عليها لبناء المجتمع والإنسان الحر الذي لا ينتظر الرحمة من الذئاب التي تتباكي على أشلاء الضحايا، كما تفعل الدولة التركية وغيرها من أنظمة المنطقة.
No Result
View All Result