هل ستخرج أمريكا، هل ستبقى أمريكا في سوريا والعراق؟!، سؤال يتبادر إلى ذهن المتابعين لشأن المنطقة، وحتى الرأي العام، فما هي تداعيات البقاء الأمريكي وخروجه من سوريا والعراق، على مستوى الدولتين وأيضاً على مستوى المنطقة بشكلٍ عام، وتأثيره على منطقة الشرق الأوسط والعالم أيضاً، وهل البقاء الأمريكي سيحقق الأمن والاستقرار ويأتي بالحلول، أم سيكون عكس ذلك، وفي حال الخروج كيف سيكون مصير المنطقة والصراعات التي تتزايد فيها، وكيف سيكون الرد الإسرائيلي على خروجها من سوريا، وبخاصةٍ أن المنطقة تعيش على هول الحروب الدائرة فيها، والحرب بين إسرائيل وحماس التي تزداد وطأةً، وبخاصةٍ بعد مقتل إسماعيل هنيّة في قلب طهران.
وحول ذلك أردنا التطرق لهذا الموضوع الهام من خلال هذه المقالة، وحسب مشاهداتنا للواقع المعاش في سوريا والعراق والشرق الأوسط، ومتابعة حثيثة لقضايا المنطقة بشكلٍ عام.
الخروج الأمريكي السلبيات أكثر من الإيجابيات
سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تواجه العديد من الضغوط من الداخل الأمريكي، حول بقائها في كل من سوريا والعراق، حيث أن غالبية الشعب الأمريكي لا يُحبِذ صرف المبالغ الطائلة ونشر المزيد من الجنود الأمريكيين والتدخّل في صرعات الدول في المنطقة وحتى العالم أيضاً، لذلك المسؤولين الأمريكان يتناقشون فيما بينهم حول بقاء القوات الأمريكية في العراق وسوريا، أو الخروج ودعم حلفائهم على الأرض الجيش العراقي والبيشمركة في العراق، وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا، بالأسلحة والدعم السياسي من دون تواجد القوات الأمريكية في كلا الدولتين.
الإدارة الأمريكية تُفكر بشكلٍ جدي في رسم ملامح جديدة لسياساتها في المنطقة، وبخاصةٍ سوريا والعراق، وسيكون في الحسبان بقاء القوات الأمريكية وتداعياتها، أو الانسحاب وتحمل نتائجها، التي قد تكون سلبية أكثر مما هي إيجابية، وبخاصةٍ فيما يتعلق بالحرب على داعش والإرهاب في سوريا، والعلاقة بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية، وبخاصةٍ أن تجربتها في الانسحاب من أفغانستان لم تأتِ بنتائج إيجابية، ما قد يؤدي إلى التفكير العميق بالانسحاب لأن أي انسحاب غير مدروس، سيكون له نتائج سلبية على سوريا والعراق، وأيضاً على المنطقة برمتها.
الأوضاع في المنطقة تزيد فرص البقاء
الأوضاع في المنطقة وبخاصةٍ الحرب في غزة تؤثر على المنطقة بأكملها، وقد تُشعِل حرباً إقليمية في أية لحظة، وبخاصةٍ أن التطورات الأخيرة أدت إلى توتر الأوضاع بشكلٍ أكبر كمقتل إسماعيل هنية وفؤاد شكر، القياديان في حماس وحزب الله اللبناني، وأمريكا أعلنت انها تدعم إسرائيل في حربها على حماس وحزب الله وحتى إيران ليست بعيدة عما يجري في المنطقة، ولذلك أن أية عملية انسحاب ستؤثر بشكلٍ كبير على أمن حليفتها إسرائيل، بالدرجة الأولى، والقضية الأخرى المرتبطة ببقاء القوات الأمريكية، مسألة الحرب على داعش وهي تعلم بأن داعش ما زال يحتفظ بقوة لا بأس بها عسكرياً وفكرياً، للقيام بترتيب صفوفه وأي انسحاب أمريكي سيكون خطأً كبيراً، وبخاصةٍ أن هناك تقارير أمريكية تؤكد أن داعش يزداد خطورةً وقد تتضاعف هجماتها في سوريا والعراق.
أمريكا لا تستطيع سحب قواتها بمعزل عن حلفائها، وهذا يعني أن أي انسحاب أمريكي سيؤدي إلى خللٍ كبير في التحالف الدولي ضد داعش، لأنها تقود التحالف وتدعمه بالمال والسلاح، ومن غير الممكن أن تتمكن دول التحالف عن سد الهوّة التي ستتركها القوات الأمريكية عند الانسحاب، لذلك تفكر بشكلٍ جاد في بقاء قواتها على الأقل على المدى القريب والمتوسط، وهي تترقب الأحداث عن كثب، وما ستؤول إليه الأمور في المنطقة، ما قد يؤجل حتى الاتفاقية بينها وبين الحكومة العراقية بشأن سحب قواتها إلى أجل غير مُسمى، ومن غير المرجح أن تتمكن الدول الأعضاء الأخرى من سد الفجوات التي خلّفها الانسحاب الأميركي.
إيران وميليشياتها لن يتوقفوا عن استهداف القواعد والقوات الأمريكية، وقوات التحالف، بهدف الضغط عليها للانسحاب من العراق وسوريا، ما سيترك الفراغ الذي قد تستفيد إيران منه، وهذه نقطة أخرى تؤكد على بقاء القوات الأمريكية، بهدف لجم إيران عن تحقيق حلمها في السيطرة على تلك المناطق، ففي العراق يتواجد حوالي 2500 جندي أمريكي مُنتشر على قواعدها هناك، بهدف محاربة داعش وأيضاً الوقوف في وجه التمدد الإيراني ومواجهة ميليشياته، أما في سوريا تتواجد هذه القوات في شمال وشرق سوريا، والتنف، ومهمتها أيضاً محاربة داعش، والوقوف في وجه قوات حكومة دمشق، والتي تسعى للسيطرة على تلك المناطق وبدعمٍ من روسيا، والعدد الإجمالي للقوات الأمريكية في سوريا لا يتجاوز 900 جندي، وهي تقدم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، التي تواجه الإرهاب وخلايا داعش كل يوم.
محاربة الإرهاب تستدعي بقاء القوات الأمريكيّة
القواعد الأمريكية وتواجد قواتها في العراق تُعتبر حديقة خلفيّة لدعم قوات سوريا الديمقراطية في محاربة داعش، وفي حالة الانسحاب الأمريكي من العراق، من دون إيجاد بدائل لتقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، سيواجه صنّاع القرار في البيت الأبيض ضغوطات كبيرة، من أجل ذلك، وبخاصةٍ ان أمريكا نفسها تقول بأن خطر داعش سيزداد في العامين 2024 و 2025، لذلك يبقى من الضرورة بمكان، محاربة داعش على الأرض السوريّة، وبخاصةٍ في مناطق البادية وأرياف الحسكة ودير الزور، وهذا ما يتطلب وجود أقصى أنواع الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، التي أثبتت جدارتها في محاربة داعش والإرهاب.
وإذا ما افترضنا بأن القوات الأمريكية ستنسحب من العراق، عندها من سيكون البديل لتقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، هناك الأراضي الأردنية وأراضي إقليم كردستان، وإقليم كردستان والقواعد الأمريكية هناك هي الأقرب، ليتم من خلالها تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، ولكن إذا ما تم اختيار إقليم كردستان هل ستوافق حكومة الإقليم على أن تكون جسراً لعبور قوافل المساعدات لقوات سوريا الديمقراطية، هذا سؤال برسم الأمريكان للإجابة عليه.
وبخاصةٍ أن هناك علاقات وطيدة بين حكومة الإقليم وتركيا التي ترفض دعم أمريكا لقوات سوريا الديمقراطية بأي شكل من الأشكال، وبخاصةٍ إن كانت عبر أراضي الإقليم، وستحاول سلطات إقليم كردستان، بنأي نفسها من الخوض في أن تكون أراضيها معبراً لإيصال الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، وأن كان ولا بد من عبور المساعدات من إقليم كردستان، فعلى أمريكا ترتيب كل شيء قبل الخوض في هذه التجربة.
حل الخلافات بين الإقليم والإدارة الذاتية ضرورة
وإذا ما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية، الحفاظ على مصالحها ومحاربة داعش في المنطقة، يجب أن تفكر جدياً بحل المشاكل والعلاقات السياسية بين الحلفاء الأساسيين في المنطقة، وبخاصةٍ بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، كما أن عليها وضع خطط طوارئ جديدة خاصة بسوريا والعراق، كي تستطيع التدخّل متى ما أرادت ذلك، ومع ذلك يجب أن تكون هناك قواعد أمريكية في إقليم كردستان، تُقدم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية.
وقد تكون من ضمن خطة الطوارئ هذه، وضع إقليم كردستان فيها لمواصلة دعم القوات الأمريكية وقواعدها وقسد في سوريا، ومن الخطط التي تفكر فيها أمريكا عند الخروج من العراق، نشر تلك القوات في إقليم كردستان، لتبقى على صلة لتقديم الدعم اللوجستي لقوات سوريا الديمقراطية.
لذلك؛ من المهم جداً، سعي الولايات المتحدة الحثيث لتحسين العلاقات بين كل من حكومة إقليم كردستان، وقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، وأيضاً بين تركيا والإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، ومتى ما حلت تلك العقدة بين هذه الأطراف، سيتغير شكل المنطقة وتحالفاتها، ما سيؤدي للقضاء المُبرم على الإرهاب، وأيضاً تثبيت الأمان والاستقرار في سوريا والعراق والمنطقة برمتها.
الولايات المتحدة تعي تماماً بأن هناك ضرورة للتعاون بين الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، وحكومة إقليم كردستان، وهي تدرك بأن إنهاء المشاكل بين الطرفين، سيكون الأساس في نشر الأمن وتحقيق الاستقرار في كل من العراق وسوريا، وعليها خوض هذا المسار؛ لأنه الأسلم والأفضل، للتخلّص من استغلال داعش لهذه المسألة، وأيضاً هناك دول إقليمية تستفيد من حالة عدم التوافق بين الجانبين، لتستغلها في تحقيق مصالحها، ما يزيد من التوترات في المنطقة، إذاً على الولايات المتحدة إيلاء هذه المسألة الاهتمام الأكبر، فيما إذا أرادت الحفاظ على مصالحها وأمن واستقرار المنطقة.