سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الانتحار في سوريا.. ظاهرة تتنامى ولا حلول على أرض الواقع

الحسكة/ آية محمد ـ

أكد أخصائي صحة المجتمع ومدير مشفى الكسرة العام بدير الزور “جاسم الرياش”، أن الأوضاع النفسية والمعيشية والاقتصادية السيئة، قد ألقت بظلالها التشاؤمي على كثير من السوريين، وساهمت بإفراز ظاهرة الانتحار بشكل أوسع، حيث شهدت البلاد في الآونة الأخيرة، وقوع الكثير من تلك الحوادث. 
أحدثت الأزمة السورية، تأثيرات عميقة وسط المجتمع، فإن لم تصب أفراده الشظايا أو الرصاص، يقع البعض منهم هدف الكآبة والتشاؤم من الواقع المتردي، فيقدمون على الانتحار، تخلصاً من الأزمة النفسية، التي أعظمتها محن الدهر، ومتطلبات العيش، التي ربما لا يقوون على تحملها، الأمر الذي يجمِّل عندهم عمل الانتحار في أعينهم، وممارسته عملياً في خضم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، التي يتعذر معها العيش الكريم.
تردي الوضع الاقتصادي يزيد حالات الانتحار في سوريا
 وفي السياق، أجرت صحيفتنا “روناهي” لقاء مع أخصائي صحة المجتمع ومدير مشفى الكسرة العام بدير الزور “جاسم الرياش“: “أدى تردي الوضع الاقتصادي في سوريا إلى ارتفاع معدلات الجرائم والقتل والانتحار بعد تدهور الحالة النفسية، وتردي الوضع المعيشي للمواطنين، بمختلف فئاتهم العمرية”.
حيث عكست الحرب طوال ثلاث عشرة سنة الماضية أثرها العميق على المجتمع، قبل أن يعاجلهم الحصار الاقتصادي الخانق بشظف معيشي، لم يعتده السوريون يوما على مدى تاريخهم الحديث.
وأضاف الرياش: “ارتفع عدد حالات الانتحار خلال السنوات الأخيرة من بينها حالات تحت السن القانوني، وذلك عن طريق الشنق في المرتبة الأولى، ومن ثم الطلق الناري، تليها حالات السموم، والسقوط من الارتفاعات، وحالات ذبح باستخدام الآلات الحادة”.
وحسب الرياش، فإن ظروف التهجير والموت وغيرها، زادت السوريين باضطراب ما بعد الصدمة PTSD ، بعدما كان هذا الاضطراب محصورا بعدد قليل قبل الحرب، وذلك لتعرض البعض لحوادث استثنائية، كتعرض فتاة ما لحالة اغتصاب.
وأكد، أن أي منطقة تشهد توتراً أو حرباً وضائقة اقتصادية، من الطبيعي أن تزيد فيها نسبة الأمراض النفسية، وهذا ما تشهده سوريا اليوم، إضافة لاضطرابات الفصام، ثنائي القطب والاكتئاب.
وأردف الرياش: “لا نستغرب أن نلحظ بأن ضيق الأوضاع المادية في سوريا عامة هذه الأيام، هو مسبب كبير لدى فئة الشباب لتتأجج المشاعر غير المريحة، كالقلق من المستقبل غير الواضح، والحزن والغضب على الواقع الحالي المتردي، والصعب والمعيق لتأمين الأساسيات قبل الكماليات، ومشاعر الذنب، بسبب التأثير السلبي لهذا الواقع على الآخرين المحبوبين من أفراد العائلة “الأهل والزوجة والأولاد””.
ويعتقد الرياش أن ما سبق، كفيل بإيصال بعض أفراد هذه الفئة من الشخصيات الهشة مسبقاً، أو ممن يعانون اضطرابات نفسية بدرجات متفاوتة، للوصول إلى التفكير بإنهاء حياتهم بأساليب غير مباشرة، كالاعتكاف عن الطعام واللجوء إلى العمل لوقت طويل حتى الإرهاق، أو بأساليب مباشرة، كالانتحار بطرق متنوعة.
السبب الأساسي لحالات الانتحار 
يعد الوضع الاقتصادي هو السبب الأساسي في معظم حالات الانتحار، حيث يصنف الفقر أحد العوامل الضاغطة، بالإضافة إلى الأسباب العاطفية والخلافات الزوجية عند الإناث، إضافة إلى صعوبات الدراسة والرسوب عند بعض المراهقين.
وشدد الرياش، على أن أغلب الأسباب، التي دعت إلى تزايد هذه الأرقام هي اقتصادية، ونفسية واجتماعية، ومنها البطالة، والفقر وازدياد حالات العنف، والاستخدام السيئ للتكنولوجيا، وانتشار المخدرات والتفكك الأسري.
وأوضح، أنه لا يوجد مرض نفسي محدد يدفع الشخص للانتحار، ولكن هناك عدة أسباب تدفع الشباب للاكتئاب، والاكتئاب هو من الأمراض العصبية، التي تصيب الأشخاص أصحاب المزاج المتدني، وبالتالي الانعزال عن الواقع والشعور بالحزن.
وذكر الرياش، أن أصحاب المحاولات الفاشلة يخضعون لجلسات الدعم النفسي، إضافة إلى البعض بحاجة مراجعة الطبيب، خاصة إذا دخلوا مراحل الاكتئاب الشديد، داعياً إلى تكاتف المجتمع عن طريق العائلة والأصدقاء.
فيما لفت، إلى تأثير إدمان الحبوب المخدرة، كحبوب “الكبتاغون”، التي زاد انتشارها في السنوات الأخيرة بين الشباب، وعلاقتها بالانتحار، مؤكدا أن المدمن مهيأ للانتحار في أي وقت.
حبة الغاز
وتعد حبة الغاز، وهي عبارة عن أقراص مكونة من فوسفيد الألمنيوم وكاربامات الأمونيوم، إضافة إلى البارافين كمادة حاملة، أبرز الوسائل والأكثر استعمالا لمحاولة الانتحار، وهي حبوب تستخدم أيضاً كمبيد للحشرات والقوارض، ويستخدمها التجار في مخازن الحبوب حفاظاً عليها من الحشرات، وتباع في الصيدليات الزراعية.
فإن نسبة الموت بحبة الغاز 100%، إلا في حالات إسعاف المصاب على الفور وتطبيق بروتوكول العلاج الخاص بهذه الحالات، وتظهر أعراض التسمم بالحبة، بالتسبب بالغثيان، والإقياء والغياب عن الوعي، إضافةً، لانخفاض شديد في ضغط الدم.
وأكد أيضاً، على خطورة حبة الغاز، مشدداً على عدم بيع الصيدليات الزراعية هذه الحبوب للأطفال والمراهقين، فهي رخيصة الثمن، وهي كفيلة بقتل الإنسان.
فعند دخولها إلى المعدة مع المياه تتفاعل مع عصارة المعدة وتنتج غاز الفوسفين شديد السمية، ما يؤدي إلى إصابة أجزاء الجسم كافة بالتلف الكامل، ويؤدي ذلك إلى انخفاض شديد في ضغط الدم وتسرع في ضربات القلب إلى جانب ارتفاع نسبة السكر في الدم وصدمة حرارية، ثم انهيار القلب والأوعية الدموية وفشل كلوي وضيق حاد في التنفس، ما يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات قليلة.
العيادات النفسية
 وعن العلاج النفسي أوضح الرياش، أنه قبل الحرب، تجنب السوريون العيادات النفسية لأسباب اجتماعية، واليوم، أصبح الشاب السوري أكثر تقبلاً لهذا النوع من الزيارات.
وحول إلصاق تهمة “الجنون” بالمرضى النفسيين؛ بسبب الأعراف الاجتماعية الموروثة، أكد الرياش تغير نظرة المجتمع السوري نسبياً حول الطب النفسي، بعدما كانت وصما اجتماعيا، للذين يعانون من الاضطرابات النفسية، معتبراً هذا التغير الحسنة الوحيدة للأزمات والحروب.
الحلول المقترحة
بسبب تكرار حالات الانتحار في المنطقة، لا بد من معالجة هذه الظاهرة من جوانبها كافة، وإنشاء مراكز للتأهيل النفسي، وتشكيل فرق خاصة لمكافحتها، وإطلاق حملات إعلامية لتسليط الضوء على أخطار هذه الظاهرة وكيفية الحد منها.
كما حث الرياش على إنشاء مصحات خاصة لعلاج مدمني المخدرات في المنطقة، وخاصة بعد انتشار ترويج المخدرات والتعاون مع الجهات المسيطرة بالإبلاغ عن المروجين، خاصةً، أن متعاطي المخدرات يدخلون بحالة غياب للوعي الكامل وعدم القدرة على اتخاذ القرار أو منع أنفسهم من الانتحار، منوهاً، إلى عدم إهمال أي شخص يتفوه بكلمات عن الموت والانتحار ولو كانت عابرة.
والمسؤولية الأولى تقع على عاتق الفرد نفسه الذي ينبغي عليه التسلح بالوعي وتقوية الذات والإيمان بالله للتخلص من الوساوس والنظرة السوداوية للحياة، إلى جانب سلك مهارات مختلفة وممارسة هوايات يحبها.
يذكر، أنه حتى نهاية عام 2010، كانت سوريا تصنف حسب منظمة الصحة العالمية، بأنها من الدول التي تشهد أقل معدلات الانتحار، مقارنة بغيرها من الدول، حيث كانت في المرتبة 172 من أصل 176 دولة على مؤشر الانتحار وفق موقع “world population review”   المتخصص بإحصاء البيانات الديموغرافية.