من واقع الحرب الذي لم ينتهِ إلى الصراع الطائفي الذي عمل البعض على خلقه ثم الاحتلال المباشر والعلني من قبل تركيا وصولاً لأعلى مستويات التعقيد في الملف السياسي وغياب الحلول الواضحة والصالحة لسوريا وشعبها؛ تمّر سوريا بمرحلة جديدة لا تكاد تعتبر غريبة على السوريين وهي مرحلة الضائقة الاقتصادية الكبيرة التي باتت تتجلى في عموم مرافق الحياة العامة والتي يلامسها السوريين بشكل مباشر من خلال جميع تحركاتهم اليومية.
هذه الحالة ليست بوارد أن تكون أزمة كونها تأتي بعد حالة من التطورات التي تم ذكرها وبالتالي الحلول التي يمكن أن تنفرج بها هذه الضائقة تكاد تكون غائبة كونها متعلقة بجملة من العوامل والمحاور ومنها السياسية بكل تأكيد! لكن ماذا يجب أن نتبع حتى أن يكون هناك أثر أقل لهذه الضائقة على مجتمعنا في شمال وشرق سوريا؟
لا شك بأننا جزء من سوريا ونقطة تأثير وتأثر كبيران ولا يمكن فصل الواقع الموجود في شمال وشرق سوريا عن الواقع السوري العام كونه متداخل لأسباب كبيرة وكثيرة؛ ما يميز الإدارة الذاتية الموجودة في شمال وشرق سوريا هي إنها ورغم عمرها القصير وتجربتها الحديثة إنها لم ترضخ للكثير من الضغوطات المميتة، لذا فإن فرص تجاوز الإدارة الذاتية للصعوبات الموجودة قد تكون موجودة بقوة مقابل مناطق أخرى، طبعاً هذا لن يكون كافياً على الإطلاق؛ ولا بد من أن يكون هناك دور للمجتمع، نحن نرى بأن هناك الكثيرون ممكن يتحدثون أو يتوجهون باللوم على الإدارة وكأنها بشكلها ومظهرها ودورها كأنها كيان يحظى بمقومات نظام الدولة المستقلة، مع العلم أنها تختلف تماما حيث أن ما هو معتمد عند الإدارة الذاتية الديمقراطية أنها بالإمكانات الذاتية تقوم بإدارة ما هو موجود، لذا لا يمكن وضع الإدارة تحت العبء وبقاء المجتمع بعيداَ عن دوره؛ في الأساس الإدارة تمثل المجتمع وتكويناته لذا فإن المرحلة لا تزال مرحلة الثورة وتستوجب الدوام في ذات المستوى من المقاومة، اليوم المقاومة والصمود والتعاون مع الإدارة في وجه الحالة الاقتصادية الصعبة هو جزء كبير من المقاومات التي تمت على مرّ عمر الثورة في شمال وشرق سوريا وروج آفاي كردستان.
من المهم أن نستفيد من بيئتنا ومما هو حولنا؛ منطقتنا غنية وفيها مقومات الحياة والصمود كحال الكثير من التجارب التاريخية التي صمدت فيها الشعوب أمام محاولات تدميرها؛ يجب أن نعكس تجربة وفكرة الاعتماد الذاتي في عموم مرافق حياتنا؛ كحال إدارتنا وقواتنا الأمنية والعسكرية. يجب أن نعمل كأفراد وكمجموعات وكمجتمع من القاعدة نحو الهرم بتلك الروح التي أوصلت ثورتنا إلى هذا المستوى، نحن نرى بأن الحاجات الأساسية يمكن توفيرها من خلال ما هو موجود في مناطقنا من خيرات وعلينا أن نتحول لمجتمع منتج بشكل أكبر يوفر حاجاته ويسخرها خدمة لبقائه لا مجتمعاً مستهلكاً؛ الاستهلاك ظاهرة خطيرة هي بمثابة لف الحبل حول العنق ومن ثم تسليمها لمن يتحكم بالقوت وسبل العيش والبقاء.
العمل على الزراعة والإنتاج التمويني واجب مجتمعنا وعنوان مقاومته في المراحل القادمة، الحصار والضائقة الاقتصادية وضيق الخناق سياسات موجودة دائماً ولا تُمحى من عالم السياسة والنزاعات والصراع. حقيقتنا يجب أن تكون بعيدة عن التأثر بهذه العوامل كي يتم تجنب آثارها السلبية قدر الإمكان. يجب أن نصل لمرحلة من المراحل التي يتم فيها الاكتفاء ذاتياً ونسعى إلى تقديم المساعدة حتى لمن هم بحاجة ما هو فائض لدينا، عوامل القوة والنجاح والدعم الموجودة لدينا متوفرة وشعبنا الذي صارع كل السنوات العجاف التي مرت فيها المنطقة وقاوم في شتى الساحات والأماكن قادر أن يلهم العالم مرة أخرى في إن الشعوب العازمة على البقاء لا تكتفي بشكل واحد فقط وإنما تسعى وتقاوم في كل الأماكن وبكل الأزمنة لأنه في المجتمع المنظم المنضبط المعتمد على ذاته. لا يوجد انتصار في مجال وتراجع في آخر وإنما الانتصار في مجال هو لصالح كل المجالات وأرضية داعمة للمزيد من الانتصار والتقدم؛ الطريق الذي نعتبر شعبنا لن يضيعه مطلقاً بفضل ما تم إنجازه خلال السنوات الصعبة والقصيرة.