تشهد سوريا اليوم بشكل خاص حرباً اقتصادية ضروسة تعتبر الأولى من نوعها في التاريخ السوري, لتكتمل الحرب السياسية مع حرب الدمار العسكري إلى حرب اقتصادية كبيرة تشل المجتمع، والشعب السوري.
إنَّ تعريف الاقتصاد على أنه مصطلح اجتماعي, يحمل في طياته حقيقة، وأبعاد مهمة حققت للمجتمع استقلالاً اقتصادياً كبيراً معتمداً بذلك على جهوده الذاتية من مخططات، ومشاريع داخلية كانت تحقق المردود الكافي، والاكتفاء الذاتي لعقود مديدة, ولم يعانِ من مشاكل، وأزمات سابقة تذكر, بالعكس. كان دائماً هناك ما يكفي حاجته التي تلبي متطلباته. دون الوقوع في أزمة اقتصادية بهذا المستوى الذي بات يعانيه المجتمع السوري اليوم على وجه الخصوص.
وتناول موضوع الاقتصاد الاجتماعي اليوم يشكل أهمية بالغة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعتبر جزءاً أساسيّاً من الحرب السياسية الدائرة في سوريا، والجدير بالذكر أنَّ ما تشهده سوريا اليوم هو توجه نحو هاوية انهيار الاقتصاد السوري كخطوة أخطر تشهدها سوريا بعد تسع سنين من الحرب، والدمار أودت بالنظام الذي كانت تتبعه السلطة السورية حتى الآن. بالطبع إن استمرار الأزمات، والحروب يضع المجتمع أمام خيار صعب هو الرضوخ للحرب السياسية الدائرة.
وقد حلل القائد أوجلان العملية الاقتصادية الدائرة حالياً من منظور الاقتصاد الحقيقي، وتشويه الرأسمالية لمعالم الاقتصاد الحقيقي قائلاً: “يُمكنُ إيضاح الاقتصادِ بالمعنى العامِّ بكونِه عمليةَ تلبيةِ الاحتياجاتِ الماديةِ الضروريةِ للمجتمع، والتعبيرَ المؤسساتيَّ، والقواعديَّ اللازمَ لذلك؛ فبالمقدورِ تعريفُه بالمعنى الضيقِ بكونِه عمليةَ تبادُلِ الاحتياجاتِ الماديةِ متمحورةً حول السوق. إلى جانبِ الإجماعِ على تعريفِ اقتصادِ السوقِ بأنه يتَّخذُ قيمةَ المقايضةِ أساساً بدلَ قيمةِ الاستخدام، ينبغي استيعابَ حقيقةٍ أخرى بأفضلِ وجه، ألا وهي قيامُ الرأسماليةِ بإفراغِ المجالِ الاقتصاديِّ من محتواه بإخضاعِه لسيطرةِ، وتَحَكُّمِ احتكاراتِ الدولةِ القوميةِ، ورأسِ المال، تماماً كما تُفسِدُ الميدانَ الديمقراطيّ. حيث يُعَرَّفُ الاقتصادُ، وكأنه صُلبُ نشاطاتِ احتكاراتِ رأسِ المالِ بشأنِ الأسواقِ المُشادةِ، والمنضويةِ تحت سقفِ الدولةِ القومية. ما يجري هنا هو إنكارُ الاقتصاد، وإقامةُ نظامِ الربحِ التجاريِّ، والصناعيِّ والماليِّ الاحتكاريِّ المفرطِ محلَّ الاقتصاد، رغم أنه ليس اقتصاداً، بل إنكارٌ لاقتصادِ الاحتياجاتِ الحقيقية. هكذا يُعرَضُ هذا النظامُ بشرعنةٍ كثيفةٍ تحت اسمِ علمِ الاقتصاد، وكأنّ النشاطاتِ الاقتصاديةَ مقتصرةٌ على هذه الاحتكاراتِ منذ الأزلِ، وإلى الأبد. هذه النشاطاتُ التي بالمستطاعِ نعتُها أيضاً بالإرهابِ الاقتصاديّ، هي بمثابةِ أفظعِ، وأفدحِ الكوارثِ التاريخيةِ التي لا نظيرَ لها في التاريخ. ذلك أنها تعني هدمَ المجتمعِ اقتصادياً، وتطويقَ السوقِ، وتصييرَه ساحةً مُربِحة، وقيامَ الاحتكاراتِ الرأسماليةِ في الميادينِ الصناعيةِ، والتجاريةِ بقطعِ أواصرِها كلياً مع الاقتصاد، لتُحوِّلَه بالوسائلِ الماليةِ إلى صِنفٍ أساسيٍّ تماماً في كسبِ المالِ من المال”.
فما هي الحلول التي يحتاجها المجتمع اليوم لتخطي مثل هذه الأزمات؟
“تطوير كلٍّ من َالزراعة – الثروة الحيوانية، وتطوير فرص العمل، والحد من البطالة، والقضاءُ على التسول. إلى جانب تطوير الجمعيات التعاونية، والتشاركية: فيمكن أن يكون للكومينات دور بارز في هذا الصدد بتنظيم صناديق مخصصة للأحياء السكنية لتغطية حاجة العوائل الفقيرة، وتأمين المأكل لهم. ويستطيع أصحاب المحال التجارية القيام بالأمر ذاته فيقومون بجمع بعض المواد الأساسية، وتوضيبها ضمن سلال لتوزَّع على المحتاجين مما يحد من ظاهرة التسول، ويسد رمق المتضررين بسبب تردي الواقع الاقتصادي الذي مَسَّ الأغلبية الساحقة من كافة شرائح المجتمع”.
فعلى الفرد أن يحث نفسه أوّلاً، من ثم المحيطين به للقيام بمثل هذه المبادرات التي ذُكرت فما أن تطبق هذه الأنشطة، وتكون متداولة بين أفراد المجتمع تتقوى الروابط بين البشر، وتختفي عدة مظاهر اجتماعية غير لائقة.