No Result
View All Result
المشاهدات 0
إلهام أحمد –
في جميع الثورات وحركات التغيير التي قامت خلال التاريخ الإنساني المنصرم، كانت هناك فئة من الناس غير قادرة على الفصل ما بين مصالح السلطة الحاكمة وحقوقها المشروعة، فيسارع بالدفاع عن مصالح السلطة الحاكمة على حساب حقوق بني قومه، هؤلاء يقال عنهم الجنود الأوفياء لدى السلطان.
أُثير موضوعُ التعليم في مناطق الإدارة الذاتية بالجزيرة من قبل بعض رجالات الدين الكنسيين وأنَّ الإدارة الذاتية تحصر حرية التعليم وتفرض المناهج المؤدلجة على طلاب المدارس، وأصدروا بياناً يرفضون هذا التصرُّف، لماذا احتاجوا لعقد اجتماع كهذا وإصدار بيانٍ مسموم كهذا؟
قد يفكر البعض لأول وهلة عندما يقرأ بيانهم أنَّ تلك المجموعة مهتمة جداً بمصلحة الشعب وتعليم الأطفال ومستقبلهم، يتحركون تحت مسمى الدين والقومية، دمج الدين بالقومية في سوريا من قبل النظام ما هي إلا لعبة لعبها النظام على القوميات الأخرى كي يتستر على جرائمه التي يرتكبها بحقهم، ويسكتهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة، فاعتراض رجالات الدين على إغلاق المدرسة التي كانوا يرتزقون منها بحجة أَّنَّها مدرسة سريانية هي أكذوبة بحدِّ ذاتها، وتسمية المدرسة بمدرسة السريان الكاثوليك نفهم منها أنَّها مدرسة دينية وليست مدرسة تعلم المنهاج التعليمي، فكيف للجوامع أن تعلِّم الأطفال منهاج التعليم، هكذا الكنائس أيضاً!!. لكن؛ النظام سمح للكنائس بفتح مدارس للأرمن والسريان، ومن الممكن أن يستنتج أحدنا من ذلك أنَّها مدارس تعلم باللغة الأم للأرمن والسريان، والحقيقة أن هذا المنهاج مماثلٌ لمنهاج النظام ولا يوجد تعليم باللغة الأم للقوميات ولا اعتراف بحقوقهم، فإعطاء خصوصية كهذه للكنائس تعتبر خدعة مارسها النظام طوال العقود الماضية، وباعتبار أنَّ تلك المدارس تدر الأموال على الكنائس فقد تشبَّث بها رجال الدين وتحوَّلت إلى مدارس خاصة، يدافع عنها رجال الدين ويتهجمون على الإدارة الذاتية ويتهمونها بأدلجة التعليم، علما أنَّ منهاج النظام نفسه مؤدلج حسب الدين الإسلامي، وكي لا يدخل تعليم الدين المسيحي إلى المدارس أعطى الصلاحية للكنائس بافتتاح مدارس دينية يُدرَّس فيها المكون السرياني وغيرهم، وفي مناطق الإدارة الذاتية باتت تدرس هذه المدارس الكرد والعرب أكثر من السريان والأرمن.
والسؤال هنا؛ لماذا التعليم في الكنائس والإمكانيات متوفرة في المدارس العامة؟ ولماذا الإصرار عليه من قبل رجال الدين؟ طبعا استطاع النظام الفصل بين المجتمع الإسلامي والمسيحي من خلال اتباع طرق خاصة في سوريا، عندما جعل دين الدولة هو الإسلام، كان لا بد من أن يعطي حيزاً من الحرية للديانة المسيحية لكي تشعر هي الأخرى بكيانها وهويتها، إلا أنه لم يعترف بالحقوق القومية للسريان والأرمن، وغلف تلك الحقوق تحت مسمى الكنيسة الأرمنية والكنيسة السريانية وغيرها من الطوائف، أي أنَّه حول القوميات إلى طوائف دون أن يثير إزعاج أحدٍ أو يشعره بحرمانه من حقوقه، وأشعرهم أنَّهم القوم المدللون والمختار لدى النظام. بالمقابل حرم الإيزيديين من ممارسة طقوسهم الدينية، وحرم الكرد والتركمان والشركس من التعلُّم بلغتهم الأم.
التصحيح الأساسي والهام الذي قامت به الإدارة الذاتية في هذه المناطق أنَّها أعطت الحق للجميع ليتعلَّم بلغته الأم، فرفض الثقافة الذاتية من قبل أفراد وجماعات، لا يعني حبهم للوطن وارتباطهم المخلص به ووحدة سوريا، إنَّما هؤلاء أوَّل من يتاجرون بالقضايا الأساسية في الأوقات التي يتطلب فيها حماية الحقوق والحريات، فمجموعة رجال الدين المسيحيين لا يدافعون عن حقوق التعلم باللغة الام للسريان، إنما يدافعون عن حق النظام في فرض أيديولوجيته على المجتمع. باعتبار من يتلقَّى الدروس في تلك الكنائس هم ليسوا أرمناً أو سرياناً، إنَّما هم مكونات أخرى كالمكونين الكردي والعربي.
وبإمكاننا التساؤل؛ ما دخل الكنائس والجوامع بالمناهج التعليمية!!، أليست سوريا دولة تنادي بالاشتراكية والعلمانية؟ إذاً ما شأن الكنائس تمارس سلك التعليم وتفتتح مدارسَ خاصة؟ فليتكرَّم رجال الدين ويمارسوا طقوسهم الدينية في كنائسهم المقدسة، وألا يخلطوا بين الدين العقائدي والتعليم. الإدارة الذاتية فصلت الدين عن شؤون الإدارة، وتركت التعليم لسلك خاص يقوم به أصحاب الشهادات والمختصين، وليس رجال الدين.
ما قام به مجموعة من رجال الدين بالاعتراض على إغلاق مدرسة خاصة تابعة للكنيسة وأيَّدتها مجموعة هيئة التنسيق التي تسمي نفسها معارضة الداخل، هي عبارة عن حركة تصب المياه في مجاري النظام البعثي، وما يتحدثون عنه حول الحقوق والحريات، هي كلمات معكوسة يستخدمونها لمحاربة الحقوق والحريات الأساسية التي حُرمت منها الشعوب طوال عقود من الزمن، وهؤلاء ممكن أن نسميهم الجنود والخدم الأوفياء للسلطة الحاكمة، وهم من يمارسون عملية الصهر القومي والديني أكثر من النظام، أي أنَّهم يتحولون إلى جلادين أكثر من الجلاد نفسه. هكذا تصهر الأوطان ويتم استيطانها بمساعدة الأوفياء من أهل الدار وبالتالي هي عملية تحريضية من قبل النظام باعتبار من يقيمون على هذه الأعمال هم ما تعاونوا ولا زالوا يتعاونون بإخلاص مع النظام البعثي، ليس محبة به، إنَّما دفاعاً عن ممتلكاتهم ومصالحهم الشخصية ومكاسبهم المادية من المدارس الخاصة.
كسب المال من مراكز التعليم يُعتبر جرماً، لكن هؤلاء يفعلونها ويدافعون عن جرمهم ويريدون إقناع الجميع أنَّهم محقون ومظلومون، حقوقهم القومية والدينية مهضومة؛ اختصار الكلام على الكنائس أنْ تنشغل بأمور الرب والدين، وأن تسحب يدها من المدارس، باعتبار أنَّ الجميع أصبح لهم الحق في التعلم باللغة الأم، فلا داعي لدمج التعليم بالدين.
No Result
View All Result