ليس غريباً أن تُمثِّل شنكال، قلب الإيزيديين وارتباطهم الروحي والمكاني بها، لأن الإيزيديين مُتشبِثين بها كما يتشبث الطفل الوليد بأمه، وشنكال تُمثّل تلك الأم بالنسبة للشعب الإيزيدي، على الرغم من تعرضهم تاريخياً للصهر والإبادة في الكثير من المرات.
لقد عانى الإيزيديون من 74 فرماناً بحقهم وبخاصةٍ في القرن العشرين، وتحت مُسميات عديدة فتارةً كان يتم إبادتهم لأنهم يعتنقون الديانة الإيزيدية، وتارةً أخرى لأنهم دافعوا عن الشعوب المضطهدة، في تركيا إبّان حكم السلطنة العثمانية، وبخاصةٍ الأرمن والآشوريين، الفارين من الإبادة التي ارتُكبت بحقهم، ولم يسلموا من الإبادة حتى بعد سقوط الدولة العثمانية، التي جثمت على صدور شعوب المنطقة مدة أربعة قرون.
عندما قامت الدولة العراقية الحديثة، بعد مغادرة البريطانيين لها، استبشر الإيزيديون خيراً، ولكنها همشتهم وبخاصةٍ في عهد البعث الشوفيني، حيث عملت حكومة البعث على تهجير الإيزيديين من شنكال، وبوسائل مختلفة، لإحداث التغيير الديمغرافي فيها، وتم توطينهم في أماكن بعيدة تفتقر لأبسط مقومات الحياة بقوة السلاح. وعلى الرغم من سقوط نظام البعث وإعدام صدام حسين، أوضاع الإيزيديين لم تتغير لأن اهتمام الحكومة العراقية بمناطقهم لم تكن بالشكل المطلوب، وهذا ما أدى إلى ارتكاب داعش مجازر بحقهم في العام 2014، حيث أحدث جرحاً كبيراً لن يندمل أبداً، ما أدى إلى عدم ثقتهم بالحكومات العراقية المتعاقبة، حيث أن مجازر شنكال أصابتهم بالإحباط نتيجة تركهم لمصيرهم من قِبل حكومة باشور كردستان، والحكومة العراقية، وأيضاً من قبل المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان.
دائماً ما كان الإيزيديون ضحيّة الصراعات السياسية بين العديد من الأطراف، أولاً للموقع الذي تمتاز به شنكال جغرافياً، وأيضاً يتم استغلالهم سياسياً في صراع الانتخابات المحلية، وبخاصةٍ أن لها تأثير كبير على الأصوات هناك، والإيزيديين مللوا من استغلالهم في مواضيع سياسية، ومن ثم يتم تركهم وعدم القيام بمسؤولياتهم تجاههم، وهذا ما أدى لتفاقم معاناتهم، التي تهدد بزيادة هجرة الإيزيديين من مناطقهم وبخاصةٍ إلى الدول الأوروبية، ما يُشكل خطراً كبيراً على إفراغها، وهذا ما تسعى إليه أطراف اتفاقية شنكال لتنفيذه.
الإيزيديون يحاولون البقاء على أرضهم التاريخية، رغم كل الضغوطات والتحديات، ويحتاجون لتثبيت الأمن في مناطقهم، للاطمئنان بعدم تكرار ما جرى في شنكال مرةً أخرى، الإيزيديون يُحمِّلون الحكومة العراقية المركزية المسؤولية الكاملة لحمايتهم، وأيضاً يؤكدون بأن الحكومة العراقية لم تقُم بواجبها في الدفاع عنهم إبّان هجوم داعش على مناطقهم، وأيضاً بناء ما تدمّر من بنى تحتية، وتقديم الدعم الاقتصادي لهم لترسيخ بقائهم، ويطالبون بتحقيق العدالة لذوي الضحايا وتعويضهم عن الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها ممتلكاتهم وبيوتهم وأراضيهم، حيث قطعوا الأمل من سلطات باشور كردستان التي لم تستطِع حمايتهم من مجازر داعش في العام 2014.
لذلك؛ من حق الإيزيديين المطالبة بحقوقهم من الحكومة المركزية في بغداد، ومن جميع النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ليلعبوا دورهم الفعال في بناء مناطقهم أولاً، ودولة العراق الفيدرالي ثانياً، وإن كانت حكومة بغداد ترغب في احتضان الإيزيديين، فعليها دعم الإدارة الذاتية في شنكال، والاعتراف بها، وتقديم كل ما أمكن لإنجاحها، وإيقاف الضغط على الإيزيديين بفرض الاتفاقية المشؤومة بينها وبين حكومة باشور وبدعم تركي، والعدول عن تنفيذها، لأن الإيزيديين يرفضونها جملةً وتفصيلاً.
وفي الخلاصة، على الحكومة العراقية العمل على استعادة الإيزيديين الثقة بها، كحكومة مسؤولة بالدفاع عن الشعب العراقي ككل، وبخاصةٍ الإيزيديين، بغض النظر عن الدين واللغة، وعدم ترك الأقليات لمصيرهم كما حدث أثناء هجوم داعش على شنكال، كي لا يكونوا ضحايا لعمليات البيع والشراء على طاولة البازارات السياسية، أما داخلياً فعليها رفض أية اتفاقات تهدد بقاء الإيزيديين على أرضهم التاريخية، كاتفاق دخول شنكال بالقوة، كما أن عليها دعم الإدارة الذاتية في شنكال، فأهل شنكال أدرى بشعابها، وهم قادرون على إدارة أنفسهم، والدفاع عن مناطقهم من أي خطر مُحتمل، وبخاصةٍ أنهم يرفضون أية اتفاقية من شأنها تشكيل الخطر على وجودهم، لأن المجازر والآلام التي تعرضوا لها لا زالت مترسخة في ذاكرتهم وستبقى طويلاً، ومن الأولى بالحكومة العراقية المساهمة في إعادة الإيزيديين إلى ديارهم، كي يعيشوا بحرية وأمان وسلام.