بات قانون قيصر قاب قوسين او أدنى من التطبيق على سوريا، وفي الخامس عشر من حزيران الجاري سيبدأ القانون بالسريان وتختلف الآراء حول نجاعة مثل هذا القانون في إيجاد حل فعلي للازمة وكذلك في مدى تأثر مناطق الإدارة الذاتية بهذا القرار.
يُذكر أن قانون قيصر عرف بهذا الاسم نسبة إلى مصوّر عسكري سابق في الشرطة العسكرية السورية يُعرف باسم مستعار هو “قيصر”، استطاع الهرب من سوريا صيف عام 2013 حاملاً معه 55 ألف صورة مروّعة تظهر جثثاً تحمل آثار تعذيب، وذلك بحسب الإدارة الأمريكية.
ويفرض القانون عقوبات على الرئيس السوريّ بشار الأسد والمؤسسة العسكرية والأمنية ومختلف مؤسسات الحكومة السورية من وزراء ونوّاب وغيرهم، إضافة إلى الأفراد والشركات الذين يموّلون الرئيس أو يقدّمون المساعدة له.
كما يفرض المشروع عقوبات على المصانع السورية، خاصّة تلك المتعلّقة بالبنى التحتية والصيانة العسكرية وقطاع الطاقة، كما ويستهدف القانون المصانع العسكرية والبنى التحتية والمصرف المركزي في سوريا، كما يسمح القانون بمعاقبة روسيا وإيران في حال استمرارهما في دعم الحكومة السورية.
ويذكر المشروع روسيا وإيران بشكل مستمرّ، ويلوّح بفرض عقوبات عليهما مرتبطة لدعمها الحكومة السورية، وينصّ بشكل واضح على أنّ العقوبات ستفرض كذلك على مسؤولين إيرانيين وروس ممن يدعمون الحكومة.
فيما يعطي المشروع الصلاحية أيضاَ لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لدعم المنظمات التي تجمع الأدلة ضد الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضدّ الإنسانية في سوريا منذ عام 2011 وحتى اليوم بهدف ملاحقتهم قضائياً.
قيصر لخفض التوتّر في المنطقة
وفي الوقت الذي ينتظر فيه الجميع تطبيق هذا القانون يتساءل الكثيرون حول مدى تأثر مناطق شمال وشرق سوريا به, وكان المبعوث الأمريكي لمناطق شمال وشرق سوريا وليام روباك، قال إنّ هذا القانون سيستثني مناطق الإدارة الذاتية.
ورغم حديث المبعوث الأمريكي إلّا أنّ شمال وشرق سوريا يتعرّض لسياسة تجويع وحصار منذ بداية الأزمة السورية من قبل الأطراف المتدخّلة في الشأن السوري، وذلك من خلال إغلاق المعابر مع المنطقة ومنها معبر قامشلو “بوابة نصيبين”، ومعبر تل كوجر/اليعربية “ربيعة” الذي يربط شمال وشرق سوريا مع العراق.
وأغلقت هذه المعابر من قبل السلطات العراقية والتركية التي تحجّجت بأنّها لا تتعامل سوى مع الحكومات، رغم أنّها فتحت معبر كري سبي خلال فترة احتلال داعش للمدينة، وفتحت معابر في المدن التي تسيطر عليها مرتزقة تركيا مثل جرابلس وإعزاز وإدلب.
الغموض السّياسيّ والاقتصاديّ من قِبل التّحالف يقوّض مكافحة الإرهاب
ورغم أن وليم روباك قال إنّ القانون يستثني مناطق شمال وشرق سوريا، إلّا أنّه لا توجد حتى الآن أية خطوات أمريكية أو من قبل التحالف الدولي تشير إلى ذلك، وفي هذا السياق يقول نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية بدران جيا كرد “بما أنّ التحالف الدولي لهم شركاء استراتيجيّون ميدانيّون على الأرض ويحاربون الإرهاب معاً منذ معركة كوباني، وحققوا انتصارات كبيرة لصالح المجتمع الدولي ومازالت هذه المعركة مستمرّة وتحولت مناطق شمال وشرق سوريا إلى مركز عالمي لمحاربة الإرهاب الدولي, لا يمكن أن تكون هذه الانتصارات مستدامة وراسخة إن لم ترافقها تحولات سياسية واقتصادية”.
ويرى مستشار الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بدران جيا كرد أنّ “الغموض في المستويين الأخيرين سيؤدّي إلى تقويض الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب من الناحية العسكرية أيضاً”.
وأضاف: “في ظلّ فرض عقوبات قيصر على دمشق يتطلب اتخاذ وضع مناطق شمال وشرق سورية بعين الاعتبار فيما يتعلّق بمكافحة الإرهاب بالدرجة الأولى، وثانياً إنّ هذه المناطق بإدارتها الذاتية وسكّانها الذين يبلغ تعدادهم أكثر من خمس ملايين عانوا الكثير”.
على التحالف كسر الحصار الاقتصاديّ المفروض على شمال وشرق سوريّا
وحول ما يجب على التحالف الدولي أن يفعله قال جيا كرد: “يترتّب على التحالف الدولي العمل على فتح المعابر الحدودية مع العراق لكسر الحصار الاقتصادي المفروض أصلاً على هذه المناطق وتأمين التسهيلات التجارية العابرة للحدود. وأيضاً يجب توجيه المنظمات الدولية على أساس دعم المنطقة إنسانياً وفق مشاريع تحقق المساهمة الحقيقية في تطوير البنية التحتية لهذه المناطق، وأيضاً يجب أن يتم التخطيط لدعم المنطقة لإعادة الإعمار دون أن تكون لها علاقة بسياسة الإعمار في المناطق الأخرى المرتبطة بمواقف وسياسات دمشق المتناقضة مع المجتمع الدولي”.
شمال وشرق سوريا يعاني من انعزال مصرفيّ مع الخارج
وأوضح جيا كرد: “أنّ المنطقة تعاني من انعزال بنكي ومصرفي مالي مع المحيط الخارجي والبنك السوري المركزي وارد تحت عقوبات منذ سنوات وأخيراً قانون قيصر، وفي الأصل لم يكن له دور في المنطقة خلال هذه الأزمة لذلك يتطلّب إيجاد حل ضروريّ للتمهيد من أجل العمل على القضايا التي ذكرناه آنفاً”.
هناك وعود نظريّة من التّحالف الدّوليّ وآليات غامضة
وحول الوعود المقدّمة من قبل التحالف الدولي وواشنطن لدعم المنطقة قال بدران جيا كرد “حتى الآن تلقّينا وعوداً نظرية من التحالف الدولي بأنّ العقوبات لن تشمل هذه المنطقة، فنعتبر هذه الوقفة إيجابية، ولكن ليس هناك وضوح في الآليات العملية التي يمكن الاعتماد عليها لتجنيب هذه المنطقة، نعتقد بأنّ الغموض في الخطط الاقتصادية مرتبطة بالغموض السياسي لاستراتيجيات الولايات المتحدة تجاه المنطقة”.
شمال وشرق سوريا سيتأثّر بالعقوبات والإدارة لن ترتهن إلى التّصريحات النّظريّة
ولفت جيا كرد بأنّه في كل الأحوال ستكون هناك تأثير للعقوبات الأمريكية على شمال وشرق سوريا بأشكال مختلفة لكون المنطقة جزء من سورية، وما زالت تتعامل بالعملة السورية إلى جانب استخدامات بالدولار بشكل غير رئيسي.
وأضاف: “لذلك لا يمكن للإدارة الذاتية أن ترتهن إلى التصاريح النظرية، لا بّد منها أن تناقش وتتخذ الأمور بجدّية، وتبحث عن المخارج ضمن طاقاتها المحدودة على الرّغم من أنّ الأزمة تتجاوز طاقات الإدارة إلى حد كبير، ولا يمكن أن تأتي بالحلول الجذرية لتداعيات عقوبات قيصر التي هي استمرار للانهيار الاقتصاد السوري بشكل أسرع, وأنّ إجراءات الإدارة الذاتية بهذا الخصوص ستكون عملية تخفيف المعاناة من تأثير الأزمة”.
ما هي خطط تخفيف معاناة الأزمة؟
وحول خطط الإدارة الذاتية لمواجهة العقوبات قال جيار كرد: “هناك خطط لضبط الأسواق المالية لسدّ الطريق أمام سماسرة العملة الصعبة، وأيضاً خطط لضبط أسواق التبضع لمنع الاستغلال والتحكّم بالأسعار والمواد من قبل الجشعين، وستكون هناك مؤسسات استهلاكية ولجان مراقبة ومتابعة للمداولات المالية والبضائعية، وأيضاً ستحافظ الإدارة على أسعار المواد الأساسية والخدمات التي تقدّمها بأسعار رمزية وداعمة ومنافسة”.
وأكّد أنّ المؤسسات الاقتصادية في الإدارة الذاتية ستعمل على تشجيع المواطن في تطوير المشاريع الاقتصادية المتوسطة ذات الطبيعة الاقتصادية المنسجمة مع المقومات الاقتصادية للمنطقة مع تسهيلات داعمة من قبل الإدارة وفق مبدأ الاكتفاء الذاتي.
وقال بدران جيا كرد إنّ كل هذه الإجراءات مرتبطة بتوفّر وعي اجتماعي ووطني لتحقيق نتائج مرجوّة، وليست فقط إجراءات إدارية.