أقرأ للمفكر والأكاديمي شفيق ناظم الغبرا، بكل تقدير واحترام، من مواقع الاختلاف أو الاتفاق، ففي الحالتين لا تفارقه الموضوعية ولا الاجتهاد الأكاديمي، ولا يأخذه الحماس إلى التعابير والأسلوب المفرّغ، في مقاله الأخير الذي يعالج فيه وضع «الإخوان المسلمين» يمارس حقه وأسلوبه في الموضوعية كما يراها هو، وواضح أنه لا يريد أن يخفي تفهماً كي لا أقول تقلباً لسياسة «الإخوان» العامة، لكنني توقفت عند هذا القول: “الإخوان المسلمون تيار سياسي سلمي، سوف يتراجع عندما لا يقتنع الناس بموضوعاته”.
لا ندري متى كان «الإخوان» تياراً سلمياً، وبرنامجاً سلمياً، وفكراً سلمياً؟ إن تركيا الإخوانية تجتاح مشرق ومغرب العالم العربي بسائر أنواع الأسلحة وحتى إرسال المرتزقة، وهي تتدخل في شؤون الدول العربية الواحدة تلو الأخرى، وتحرّض على استقرار ومستقبل دول عربية مثل مصر بكل أنواع العنف اللفظي والسياسي، ويتوسع هذا التيار السلمي على حد تعبيره إلى دعم أعمال الشغب في لبنان.
وفي الكويت نفسها، حيث يتمتع الدكتور الغبرا بحرية مدنية وفكرية غير مفاجئة ولا مستبعدة، لا يكف «الإخوان» عن نشر مبادئ العنف وبسط ثقافته، فليعذرني هذه المرة وقد فاته أن يكون مقنعاً أو حتى محايداً، ولم يحاول «الإخوان» يوماً أن يمنحوا أنفسهم هذه الصفة اليوتوبية، إنهم مشروع إلغائي معلن في كل مكان.
يقول الكاتب الجزائري الشهير، كامل داود، في مجلة «لوبوان» الفرنسية إن «إخوان» تركيا يستغلون روابط القرابة الدينية لاستعمار المغرب العربي من جديد، ويتساءل لماذا لا يرى «إخوان» تونس والجزائر في التدخل التركي «مؤامرة» أو «زعزعة للاستقرار»؟ ولماذا يرون في قواعد أردوغان العسكرية أمراً طبيعياً وليست احتلالاً أجنبياً؟
الخلاف مع «الإخوان» على تفاوت واختلاف أجنحتهم، كان حول النزعة إلى العنف وتبريره، وعدم الاعتراف بالآخر، وتشريع السطوة على السلطة، كما يفعل أردوغان الآن، وتجمعهم في ذلك أخوية واحدة لا تقر أو تعترف بأي شيء آخر، الخلاف مع الدكتور الغبرا هو حول نقطة واحدة، هي «سلمية» الجماعة، فما زعموها ولا اتبعوها قط ولا اتقوا بها.
والمرحلة التي تمر بها الأمة العربية لا تحتمل خداع النفس ولا بأي شكل من الأشكال، كل دولة عربية أصبحت ضحية للفكر الانقلابي وتحت تهديد العنف، وهذا ما يجعل دولة مثل تركيا الأردوغانية تعتبر حربها في ليبيا استمرارية تاريخية لوجودها، وموقف مصر عدواناً. الموقف التركي والقطري وسائر الفروع من استقرار مصر والسعودية والإمارات، تحمله إلى الملأ الجيوش والمقاتلات الجوية والبوارج وشبكات التلفزيون واللهجة القتالية في العسوف. ولذلك من الطبيعي أن يختلف مفكران، مثل غبرا وكامل داود، حول سياسة «الإخوان» وأهدافهم، منذ البداية، كان الخلاف معهم حول العنف باعتباره وسيلة وغاية وحلاً، وأردوغان الذي بدأ مسيرته داعية سلم وانفتاح وتعاون، يرسل اليوم جيوشه لنشرها في العديد من البلاد العربية والهدف معروف، ومن يضمن أن ليبيا سوف تكون الساحة العسكرية الأخيرة له، لأن السيناريو الليبي قد يتكرر في دول عربية أخرى، إن نجح في تحقيق غاياته هناك.