لم يستطع مفهوم التمدن، أو التحضر طمس هوية وعادات أبناء العشائر في شمال وشرق سوريا، فما يزالون يتمسكون بتراثهم ورموزهم التي تعبر عن تاريخهم، وتعد “الأوضة” إحداها حيث لازالت تلعب الوظيفة نفسها، حيث تتخذ فيها القرارات المعنية بالعشائر.
تتميز مقاطعة الطبقة بالتنوع العشائري في الريف والمدينة، ويعرف في كل عشيرة شخص يحتذون به، ويأخذون بنصائحه، وغالباً ما يسمى هذا الشخص “وجيه، أو شيخ”، حيث تختلف تسميته عند كل عشيرة.
فالشيخ، أو الوجيه، يحتاج لمكان ليلم شمل العشيرة، وتسمى “الأوضة”، ففيها ملتقى لأبناء العشيرة لحل النزاعات والخلافات بين العشائر وبين أبناء العشيرة نفسها، وأيضاً مكان لاستقطاب الضيوف وعابري السبيل والدخيل.
تاريخ وجود الأوضة
وفي سبعينات القرن الماضي؛ بدأت مدينة الطبقة بالتأسيس، وذلك بعد غمر الأراضي عقب تأسيس سد الفرات في منطقة وادي الزور، فاتجهت بعدها عشائر وادي الزور، وسكنت مدينة الطبقة فبدأ شيوخ هذه العشائر بناء الأوضة، أو المضافة.
وتقسم مدينة الطبقة إلى قسمين: “الجزيرة والشامية”، ففي السابق كان هناك أوضتان، أو مضافتان في الطبقة، في الجزيرة “أوضة شواخ البرسان” شيخ قبيلة الولدة، وفي الشامية “أوضة الفرج السلامة” لعشيرة الناصر التابعة لقبيلة الولدة.
عادات وتقاليد الأوضة
ومن عادات الأوضة تقديم القهوة العربية المرة، حيث يتم تقديمها من اليمين إلى الشمال، وعادة يقوم من يسكب القهوة بتذوقها أولاً ومن ثم يضيف الشيخ، لينتقل بعدها بمضافة من هم على يمين الشيخ، وفي فترات الصباح كان يقدم الفطور في الأوضة وتتنوع الأصناف، التي تقدم على وجبة الفطور ومنها: “السمن العربي، التمر، الحلاوة”، وفي فترة الظهر يقوم الشيخ بذبح الأغنام للضيوف وأفراد عائلة الشيخ لا يتناولون الطعام إلا بعد انتهاء الضيوف من تناول الطعام وتعدُّ هذه عادة من عادات إكرام الضيف.
أما في المساء، فيتجمهر أبناء العشيرة في الأوضة للتشاور في أمور العشيرة، وتتخذ القرارات التي تنصف العشيرة والتطرق لأحوال أبناء العشيرة بشكل عام.
مفهوم وشكل الأوضة
وتعد “الأوضة”، من الغرف الأثرية التي ترمز لهوية العشيرة، ويعود تاريخها لزمن الاحتلال العثماني، حيث يتم فيها اتخاذ القرارات التي توحد أبناء العشيرة، وقد تطور شكل الأوضة جيلاً بعد جيل، ففي البدايات كانت الأوضة عبارة عن “خيمة”، ثم غرفة مصنوعة من الطين، حتى أصبحت في الوقت الحالي غرفة مستطيلة الشكل، تبلغ مساحتها 70 مترا مربعا في أقصاها، تفرش بالسجاد والوسائد العربية، وتوضع دلال القهوة العربية المرة في وسطها، و قد تحتوي الأوضة على رموز للعشيرة كالخنجر والسيف وصورة لشيخ، أو وجيه العشيرة، بالإضافة لمواقد النار
ومحمصة للبن العربي. وفي لقاء لصحيفتنا “روناهي”، مع أحد وجهاء عشيرة الوهب التابعة لقبيلة شمر “جمال النحيطر“: “تعدُّ الأوضة مكاناً لتجمع أبناء العشيرة في مكان واحد، تؤلف بينهم، فتُطرح المشاكل اليومية، التي تخص أبناء العشيرة الداخلية مع العشائر الأخرى، ويتم طرح النقاشات لحين الوصول للحلول المناسبة بما يرضي الجميع”.
وعن دور الأوضة في حل نزاعات العشائر نوه النحيطر: “يتجمهر أبناء العشائر المتخاصمة من أجل الصلح بما ينصف الطرفين المتخاصمين، وتأخذ الأوضة حقها الكامل بحل المشاكل وحقن الدماء”.
وتطرق النحيطر لعادات الأوضة: “ويستطيع أي شخص أن يمكث في الأوضة، ولكن بعد أن ينتهي أيام ضيافته الثلاثة، ليتم سؤاله فيما بعد إن كان قد جاء لغاية أو حاجة، أو بهدف التعارف، فلو كانت له حاجة يجتمع أبناء العشيرة في الأوضة ويتم النقاش ويقومون بقضاء حاجة الضيف، ولا يخرج الضيف من الأوضة إلا بعد قضاء حاجته”.
وعن الشخص الذي يعمل في الأوضة قال النحيطر: “على الشخص الذي يقدم القهوة ويعمل في الأوضة، أن يكون أبكم، أي “يسمع ولا يتكلم”، فالأمور التي تتم مناقشتها في الأوضة تتسم بالسرية، وهذا الشخص هو عبارة عن منسق بين شيخ العشيرة والضيوف الذين يقصدونه”.
تاريخ الأوضة وخصائصها
وعن قدم تاريخ الأوضة وخصائصها، أردف “جمال النحيطر”، مختتماً حديثه: “هناك أوضات يعود تاريخها لما يقارب 200 عام، أي منذ زمن الاحتلال العثماني، ولازالت موجودة ليومنا هذا، حيث تتجمع بها العشيرة، وليس من الشرط أن تجتمع عشيرة واحدة، فهناك أوض تجتمع بها العديد من العشائر ومنها “أوضة الشلاش” في مقاطعة منبج، و”أوضة الفرج” في بلدة الصفصافة، وفي قرى البدو “أوضة مجحم بن مهيد” وهو أحد شيوخ قبائل البدو”.
والجدير بالذكر، إن للأوضة دوراً كبيراً في المجتمع العشائري، وتأثيرًا على اتخاذ القرارات والوصول للحلول المناسبة، لإرضاء الأطراف المتخاصمة.