سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الأم بهية… هكذا بدأت صداقتي مع الورود

قامشلو/ ميديا غانم –

بدأت صداقتها مع صبارة صغيرة، كانت تخفيها خشيةً أن تفقدها؛ لتصبح مع مرور الوقت أماً للكثير من الورود بشتى أنواعها.
الأم بهية صبري /47/ سنة، تقطن مع عائلتها في حي العنترية، قصتها مع الورود بدأت في ريعان شبابها، من صبارة صغيرة، كانت تعتني بها رغماً من اعتراض والدها فتقول: “جلبت صبارة صغيرة حين كنت شابة يافعة، وأحببتها كثيراً، وبت أعتني بها رغم أن والدي لم يكن يحبها، وكان يقول لي ما هذه الأشواك أخرجيها من المنزل، ولكن كنت أخبئها وأغير مكانها من حين لآخر، خشيةً أن يتلفها والدي، ربما هم لم يكن يروا فيها إلا الأشواك، لكنني رأيت جمالها، حيث كانت مخضرة ومنعشة للعين، وتلك الأشواك ما كانت تزيدها إلا جمالاً”.
وهكذا بدأت قصتها مع حب الورود، موضحةً بأنه بعدها بدأت باقتناء أنواع مميزة أخرى من الورود مثل ورد العصر، والسجادة، واللبلاب وغيرها، وأردفت: “حين رؤيتي بقعة أرض صغيرة، كنت أسعى لزرع الورود فيها”.
امنحها الحب ستمنحك الجمال
تزوجت بهية وأعادت بناء منزلها مجدداً حوالي عام 1990 حسب رؤيتها للجمال، حيث خصصت جزءاً خاصاً لزراعة الورد والشجر، وتابعت: “نعم في منزلي أزرع أنواعاً كثيرة، ولكن ليست الأنواع كلها بل المميز منها، غير أنني انتبه كثيراً لديكوراتها بحيث لا تكون قريبة من بعضها، كيلا تغطي أحداها على جمال الأخرى، كذلك المكان والإناء اللذان يوضعان فيه، بحيث يكون مناسباً للون وشكل الوردة”.
أثناء زيارتك لمنزل الأم بهية، ترى ترتيباً لديكور الورد تجد فيها مدى ذوق هذه المرأة المميز في ذلك، وكذلك ترى في كل وردة بأنها تشبعت من الحب، والاعتناء من هذه الأم.
بضحكة عالية تتذكر الأم بهية استهزاء الجيران بها، وتقول: “بدايةً عندما كنت أزرع الورود في بيتي كان الجيران يستهزئون بي، ويقولون: إنها أم الأطفال، ودوماً تجد أصابعها مغمسة بالوحل، وتلعب بالورد! ولكن بعد مرور سنوات ورؤيتهم لجمال هذه الورود حولي، باتوا يطلبون مني بعض الشتلات، وأصبحت أساعدهم بزراعتها وطريقة الاعتناء بها، وكذلك أين توضع، ولكن لا أهدي ورودي لأي كان، بل لمن أحبه، ولمن أعلم بأنه سيعتني بها جيداً، ولن يتركها تذبل أو تموت”.
تبين الأم بهية بأن للورود خصوصية كبيرة، يجب أن تتعلم الاعتناء بها، حتى هي بدورها تظهر لك جمالها، وزادت: “لدي هنا أكثر من 50 نوعاً من الورود، تتنوع بين مواقيتها الربيع والصيف والشتاء والخريف، كالنرجس بأنواعها الأربعة، والجيمن والسوسن، كما لدي الكثير من أنواع الصبارات القزمة، والريحان بأنواعه، والعنبر الأحمر أحبه كثيراً، وهو نوع سوري يزرع خصوصا في حمص وحلب، والقرنقل بنوعيه الأبيض والزهري، ووردة أذن الماعز التي تتدلى، وكلما زادت تفرعاتها وأغصانها أسعى إلى توزيعها في آنية، كي تزداد عددها”.

 

 

 

 

 

 

 

الوردة كالطفل تتطلب حباً ورعاية
تؤكد الأم بهية بأن الوردة كالطفل، تتطلب دوماً حباً ورعاية مناسبة حسب الظرف والمكان، وتشدد بالقول: “لا تنمو الورود في أي أرض، أو أي مكان غير مناسب، فمثلاً كل منها تتطلب نوعاً خاصاً من الاعتناء، يجب أن تعلم أين تزرعها في إناء صغير، أم كبير أو في الأرض، وكذلك متى تسقيها وهل هي تعيش في الظل أم في الشمس”.
الأم بهية تنوه بأنه مثلما لا تحب بعضاً من أنواع الورد، هي أيضاً لا تتقبلك، فتقول: “بعض الورود لا تتقبلك؛ لذا لا أزرعها إذا شعرت بأنني لن أكون صداقة معها، وكذلك هناك أنواع كثيرة تتطلب عناية خاصة، ومواد عضوية غالية الثمن، لا أستطيع تحمل تكلفتها، لذا أزرع ما أستطيع الاعتناء بها”.
حيال كيفية جلبها للورود تقول بهية: “كل من يذهب زيارة للخارج أوصيه ببعض أنواع بذور الورد، وأيضاً من يبعث بذور الورد لأهله من الخارج لجيراني أو معارفي يعطوني تلك البذور، لأنهم لا يعلمون كيفية زراعتها، فأزرعها، وإذا نجحت أعطيهم شتلات منها، فبات لدي قسم من الورود الأوروبية، لأنه باستطاعتي دوماً أن أشتريها؛ لذا أعتمد على ذلك وكذلك على تبديل أنواع الورود فمثلاً أعطي أحدهم نوعاً مما هو موجود لدي فيعطيني بدوره نوعاً آخر لفت نظري، وغير موجود لدي”.
انتشرت ورود الأم بهية في قامشلو والحسكة وكوباني والكثير من المناطق على حد تعبيرها فترسم على وجهها ابتسامة أثناء ذكرها لذلك، وتقول: “ولكن أكثر ما يفرحني حيث أزرعها في مزار الشهداء، وهذا واجب علي حتى لو ذهبت حافية وحملت الشتلات على كتفي، فهو أقل ما يمكننا فعله، لأن هذه الورود الجميلة لا تليق إلا بقبورهم الطاهرة”.
لشدة حبها للورود تقول: “في كل مكان وكل أغنية، وكل شعر تشدني أسماء الورد، كما في أغاني الحب والأغاني الثورية والأشعار”.
لا تسجنوها… يجب أن تشعر بالحرية
تبين بهية بأن الورود يجب أن تشعر بالحرية، لذا لا تحب زراعة الورود في الأماكن المغلقة ونوهت: “بل أحبها وهي تتنفس بحرية تحت السماء، لذا عندما أذهب لبعض الأماكن المغلقة كعيادات الأطباء، وغيرها تشدني الورود هناك، ولكنني أشعر بالحزن لأنها مسجونة، هكذا لذا لا أزرع الورود في الداخل أبداً”.

 

 

 

 

 

 

 

“لحبي للوردة، بناتي يحملن أسماءها”
لحبي الشديد للورد، أسميت أسماء بناتي بأسماء الورود، مثلا ابنتي شيلان، وهي اسم وردة تنمو في جبال باشور كردستان، وباتت حسرة في قلبي أن أزرعها في منزلي، وأنا مصرة على أن اجلبها يوماً، وكذلك زيلان اسم ابنتي الشهيدة، أي بتلات الورد، التي بدأت تنمو حديثاً، كذلك عبير، وتعني رائحة الورد”.
واختتمت الأم بهية حديثها واصفةً جمال الورد، ومدى حبها وهيامها به، وقالت: “الورد يحسن من نفسية ومزاج الإنسان، فأنا أجلس في العصر قرب ورودي، أحتسي الشاي، والقهوة، ذلك يمنحني راحة نفسية كبيرة، فصداقة الورد، تشعرني بمعنى هذه الحياة، وأنصح الجميع بمصادقتها، ومع الوقت سيشعرون بمدى التغيير الإيجابي في حياتهم بسببها”.