كل الخطوات التي خطتها المعارضة السوريّة منذ بدء الحِراك السوري في آذار من عام 2011، وبشكلٍ أدق منذ أن تسلّحت وارتهنت للخارج وللقوى الإسلاموية “الإسلام السياسي”، المشبوهة والمأجورة، كانت خطوات فاشلة في الإجهاز على نظام أمني طائفي يتسم بالفساد السياسي، والفساد الأخلاقي القيمي، والرعب الأمني المستمر منذ نصف قرن ونيّف.
واليوم نسأل “برهان غليون”، ومن لفّ لفيفه، من ذوي الأفكار العلمانية المدنية الذين وضعوا أياديهم بقوة في أيادي تلك القوى الظلامية، هل شكّلت هذه القوى الملتحية سياقاً تاريخياً لتقويض مملكة الخوف الأسدية؟، الجواب على هذا السؤال يحمل من خيبة الأمل، قدر ما يحمل من وعي الضرورة، الذي لطالما نخرتم آذاننا به عندما كنتم تبررون هذا الاتحاد الإبليسي، لقد قبلتم أن تكونوا واجهة وجسراً لعبور هؤلاء، واحتلالهم ثورة الشعب المدنية على الاستبداد.
المواطن الملدوغ يسأل، لماذا أوصلتمونا إلى هنا؟! بعد أن دفعنا كل هذه الأثمان الباهظة، لا تقولوا إن النظام وحده المسؤول عن هذا الخراب، وعن خيبات الأمل بل أنتم أيضاً تشاركونه الإثم على القدر ذاته. إن ارتكاب الخطأ فعل إنساني، أمّا تبريره ففعلٌ لعين. لقد جعلتمونا نصدّق أن الأمل كبير بتلك المؤتمرات الدولية “مؤتمرات أصدقاء سوريا”، وجعلتمونا نصدّق وبطيب خاطر، أن التقاء هؤلاء الأطراف المتنافرين المتنوعين بالأفكار والآراء والاتجاهات والأحزاب والرؤى حول مسألة وطنية جامعة هي مسألة إنقاذ البلاد من دكتاتورية الموت المستتبة منذ نصف قرن، وأن استعادة الوطن السليب بكيانه السياسي ومؤسساته قاب قوسين أو أدنى. كان الجميع في بدء الحراك خائفاً لأن الهوّة التي حفرتها هذه الدكتاتورية البشعة في جسد الوطن ومكوناته ومؤسساته، كما في جسد وعقل مواطنيه على السواء، قد بلغت حدّاً هائلاً يُحتّم الإحساس العظيم بالخوف، والخوف كان أيضاً وعلى نفس القدر من أن يتقدم هذا الحراك وتقوده قوى ليست أهلاً لاستيعاب التحديات التي ستقف في وجههم، بحيث يتوجّب عليهم أن يكونوا الأقوى والأمضى والأذكى أو أن يسدّدوا رصاصات الرحمة هذه المرة إلى أنفسهم، وإلى الوطن معاً وفي آن واحد.
المواطن الملدوغ الذي كان خائفاً، اعتبر أن تحقق الهدفين اللذين وضعهما الحراك نُصب عينيه، منذ أوّل صرخة طفل، هما هدفا الحد الأدنى لكل تغيير وطني مفترض، هدفان يتمثلان في “إنهاء” جمهورية الخوف القائمة، ومباشرة تأسيس الجمهورية “الحق البديلة”، وهما هدفان كان يجب أن يكونا واقعيين فعليين ونهائيين كضرورة تاريخية، وليسا محض شعارين يرفعان في هذه المناسبة أو في غيرها، كان كل تردّد من أطراف المعارضة حيال هذين الشرطين الهدفين من شأنه أن يكون بمثابة خيانة وطنية، ومن شأنه أن يجهز على الأمل الخائف، فلا يبقى للسوريين سوى العيش في الموت، الذي ليس بعده من موت، ولا بعده قيامة من موت.
كان على هؤلاء أن يعلموا أن لا سبيل إلى الخروج من المأزق التاريخي والكياني الراهن، إلا بذهابهم إلى آخر الشرطين أو الهدفين، مهما كانت الأثمان والتضحيات والحسابات الصغيرة والكبيرة، وكان عليهم أن يضعوا في بالهم الملائكة منهم والأبالسة، إن فرصة الأمل الخائف هذه، هي فرصة موضوعية بالمعنى السياسي، ويتوجب عليهم -وقتها- أن ينضموا بـ “وعي موضوعي” وطوعاً بل وبطيب خاطر، إلى شرطي الأمل الخائف، وإلا فإن المصير: هو الدخول النهائي والأخير في النفق الديكتاتوري، نفق الرعب الأقصى، كأفق وحيد متاح أمام سوريا والسوريين.
فرصة الأمل الخائف هي بالتحديد فرصة الأمل الوحيد المنبتّ، هذه الفرصة كانت تطلب من الجميع “أبالسة وملائكة” مباشرة الانخراط في مشروع الإجهاز الديمقراطي المنظّم على جمهورية الأسد، بهدف المساهمة في التأسيس لجمهورية ديمقراطية، مستقلة، حرّة، ذات سيادة، ومؤمنة بسلّم القيم والمعايير الأخلاقية في حدها السياسي الأدنى.
ليس من مستحيلات في هذه الرؤية، لكن أيضاً ليس من طوباويات وأحلام، وخصوصاً ليس هناك على الأرض من جمهورية فاضلة، لقد كانت فرصة الأمل المتواضع الضئيل اليائس القتيل، نعم القتيل من غبائكم، ورعونتكم، والآن، بعد مضي عقد على تسلحكم وحربكم على النظام… ها هو المشهد أمامنا وأمامكم.
لا يجرؤ أحد على البحث عن الحق، وإن وجد أناس يبحثون عنه، فهم لا يجرؤون على العثور عليه، وهؤلاء الذين يعثرون عليه باتوا يخشون إشهاره، وأولئك الذين يُشهرونه لا أحد صار يستمع إليهم، وإن وجِد من يستمع إليهم فهو لا يملك من أمره شيئاً. هل هذا المشهد الماثل أمامنا وأمامكم الذي وصلنا إليه بغباء بعضكم، وبفساد بعضكم الآخر، وبظلامية القسم الأكبر من بعضكم المتبقي؟ هو بالضبط ما يمكن أن نطلق عليه إهانة الأمل الخائف.
لقد مرّغتم رأسه بتراب اليأس، لأنكم فشلتم في تحقيق الهدفين اللذين كانا الحد الأدنى للحراك منذ عام 2011 بل أن مهرجانات التبريرات المتواصلة لفشلكم، سيجعل أملنا الوحيد يبحث عن أسباب الانتحار.