رغم مرور عشر سنوات على بدء الأزمة في سوريا، وتحولها إلى نزاع داخلي لم يخلُ من تداعيات طائفية وعرقية في أنحاء متفرقة من البلاد، إلا أن السكان في مناطق شمال وشرقي سوريا لا يزالون يحتفظون بالكثير من العادات التي تعكس حالة من التعايش والترابط الاجتماعي الممتد إلى فترات وأزمنة طويلة تسبق الأزمة الطارئة على بلادهم.
في مدينة قامشلو التي تضم طيفاً ملوناً من الأطياف الدينية والعرقية، والتي تعتبر من أكبر مدن شمال شرقي سوريا، تبادل السكان التهاني بحلول عيد الفطر، خاصةً في الأحياء التي يتجاور فيها المسيحيون مع المسلمين. تبادل العادات بين شعوب المنطقة والاحتفال سوياً بالأعياد صورة تظهر النسيج الاجتماعي في المنطقة ومدى ترابط الشعوب مع بعضها البعض هذه الصورة رصدتها وكالة نورث بريس عبر تقرير لها تظهر معنى أخوة الشعوب حتى في الأعياد.
“تجمعنا علاقة أخوة”
ويقول ملك برصوم (42عاماً) وهو صاحب محل لبيع الأدوات المنزلية في السوق اليهودي المعروف باسم “سوق عزرا “وسط مدينة قامشلو، “أصحاب المحال التجارية في السوق ينتمون لشعوب مختلفة، حيث تجد السرياني إلى جانب الكردي والعربي… تجمعنا علاقة أخوة”.
ويشير “برصوم” إلى أنهم عادة ما يتبادلون التهاني في الأعياد والمناسبات التي يحتفل بها الشعوب كما جرت العادة في المدينة منذ عقود طويلة.
ويتحدث ملك برصوم عن علاقة وثيقة تربطه بجاره ماجد حمو(30عاماً)، صاحب المحل الملاصق لمحله بالقول: “نعيش هنا كالأخوة، نقضي أوقاتاً مع بعضنا أكثر مما نقضيها في منازلنا، لذا من الطبيعي أن تكون المحبة هي السائدة بيننا”، على حد تعبيره.
ويشير “برصوم” إلى عدم وجود أي تمييز في التعامل اليومي بين أصحاب المحلات في أقدم أسواق المدينة التي يعود تأسيسه إلى السنوات الأولى لبناء قامشلو، ويضيف بالقول: “فعندما تُفقد أحد الأصناف التجارية عند أحد المحال، لا يتردد صاحبها في إرسال زبونه إلى جاره الآخر دون النظر إلى خلفيته ومن يكون”.
ويتابع: “لا نميز بين بعضنا أو نفرق بين صاحب محل عن الآخر نحن جيران منذ أكثر من /10/ سنوات ونقوم بمساعدة بعضنا البعض في أمور البيع”.
“نشاركهم ويشاركوننا الأعياد”
ويصف ماجد حمو(30عاماً)، وهو صاحب محل ألبسة علاقته مع جاره ملك برصوم، بأنها علاقة أخٍ بأخيه، “فنحن نشاركهم أعيادهم وهم كذلك يشاركوننا الأعياد”.
ويشير نبيل عيسى (55عاماً) من سكان قامشلو إلى حالة الألفة التي لا تزال سائدة في قامشلو رغم سنوات الأزمة العشر، “في قامشلو لا وجود للتفرقة أو التمييز بين كردي أو عربي أو سرياني، أو بين مسيحي ومسلم”.
وينوه عيسى أنه يعمل مع جيرانه من الشعوب الأخرى منذ أن كان يبلغ الثامنة من عمره، ويقول: “كل عملي كان مع أناس وأصدقاء من الشعوب الأخرى، كنا نعيش مع بعضنا دون تمييز، أيام الأعياد كنا نقضي غالبية وقتنا مع بعض”.
مبادرة “بيجمعنا العيد”
ويلفت عضو ملتقى الأديان ومسؤول الجمعية الثقافية السريانية في سوريا، حنا صومي إلى أن المسلمين والمسيحيين والإيزيديين عادة ما يتبادلون التهاني ويتشاركون فرحة الأعياد في المنطقة، ويردف قائلاً: “فعيد الفطر له تلك الفرحة التي نشعر بها كما عيد ميلاد السيد المسيح وعيد الأربعاء الأحمر، نحن أسرة ضمن منطقة واحدة هي الجزيرة السورية”، على حد تعبيره.
وشهدت قامشلو خلال سنوات الأزمة عدد من المبادرات التي هدفت إلى تعزيز حالة التعايش بين مختلف الأطياف، كانت منها مبادرة “بيجمعنا العيد” عام 2016، والتي نظمتها كنيسة السريان الأرثوذكس بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كان مضمونها مشاركة متطوعين من مختلف الشعوب في صنع حلويات العيد، وتوزيعهم على المسلمين في المدينة خلال أيام عيد الفطر.
وضمت المبادرة أنشطة أخرى كانت خاصة بعيد الميلاد ورأس السنة أيضاً، واستمرت لسنوات متتالية، ولكنها توقفت هذه السنة بسبب الإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس “كورونا” المستجد.