قد تبدو للوهلة الأولى أنّ “إيزيدا” آلهة مصرية قديمة، وثمة احتمالات قليلة تشير إلى أنّ أسطورتها ظهرت منذ أكثر من3400 سنة من وقتنا هذا, لكنّ دلائل كثيرة ترجّح أنّها كانت عروسة هورّية (سورّية) شهباء متكاملة الجمال كالآلهة, كما أنّ أسطورة “إيزيدا”تتزامن بظهورها، وتتشابه بمنحاها مع حكاية الأميرة الهورية ـ الملكة “نفرتيتى” وتتماهى فيها الحقيقة والخيال في حبكة ممتعة.
تتحدّث الأساطير القديمة بأنّه بعد سفر طويل ورحلة شاقّة، وصلت العروسة الجميلة إيزيدا برفقة أخيها وعاشقها شيط إلى عريسها سيريوس، وبعد الزواج من عريسها صارت تحب زوجها حباً جمّاً، وتغافلت أخيها شيط الذي عشقها منذ الصبا, وأمّا شيط، فقد هاجت نفسه بالشوق إليها، وامتلأ غيظاً بالغيرة عليها, وتذكر الأسطورة بأنّه في يوم من الأيام خرج شيط مع زوج أخته إلى الصيد، واختلف معه بحجة واهية، وقتله وقطّع جسده، وعاد وحيداً، ويبدو من الأسطورة بأنّ شيط روى لأخته إيزيدا أنّ وحوشاً افترست زوجها في البرية، وبالرغم من أنّ إيزيدا كانت حاملاً، إلاّ أنّها، خرجت إلى البرية ثلاثين يوماً ولملمت أشلاء جسد زوجها، وربطت أوصاله، ثم بكت زوجها بكاء مريراً، حتى سالت دموعها الغزيرة على الجسد فأنعشته، وطار إلى سقف السماء, ونادت إيزيدا: يا سيريوس، إلى أين؟
تتحدّث الأسطورة بأنّ إيزيدا وضعت مولودا سمتّه كاور، وأخفته عن أخيها شيط، وحفظته من الأفاعي والعقارب، كي يكبر كاور ويستطيع الثأر لأبيه، مع أنّ إيزيدا كانت حرجة بين التسامح والانتقام من أخيها شيط.
خرجت إيزيدا في صباح يوم المعركة بين ابنها وأخيها، وركضت صارخة ورفعت يديها كي تفصل بين سيفهما، ونزلت ضربة سيف ابنها كاور على رقبتها، فبتر رأسها واستمر كاور في القتال حتى انهزم خاله شيط واختفى في ظلام الأرض.
ولما انتشرت هذه الحكاية، صارت إيزيدا رمزاً إلاهياً للأمّ الحنون التي قوّمت ابنها الشجاع كاور, وصارت رمزاً للزوجة الوفيّة التي لملمت جسد زوجها سيريوس ورفعته بدموعها الطاهرة نجماً إلى قبّة السماء, وصارت رمزاً للأخت المثالية التي كادت تسامح أخاها شيط على مقتل زوجها. وبمرور الزمن تداخلت أسطورة الآلهة إيزيدا مع حكاية الأميرة الهورية “نفرتيتي” ملكة مصر. لكنّ المؤرخين لم يكتفوا بهذه الصيغة القصيرة لأسطورة إيزيدا، وصاروا يدخلون الاجتهادات والإضافات والصياغات الخيالية والمبالغات الخرافية، حتى اكتملت الأسطورة!
إذ تقول الصياغة اليونانية ــ الرومانية، كما دوّنها المؤرخ فيلوتارخو ما بين (45 ــ 127 م) في بدايات ظهور الزراعة حول نهر النيل “إنّ سيريوس كان ملكاً في بلاد النيل، أراد نشر العدالة على الأرض وتعليم الزراعة، وأنّ زوجته “إيزيدا” كانت جميلة كالآلهة، وأنّ شيط أخ للملك الذي كان يعشق إيزيدا ويحسد أخاه ودفعته الغيرة والدهاء إلى الحيل والمكايد لبلوغ المآرب، فأمر شيط بتجهيز تابوت نفيس بقياسات أخيه الملك، وعرض التابوت على الحاضرين في يوم عيد، بمثابة هدية لمن تنطبق قياساته مع قياسات التابوت وحاول كثيرون، إلاّ أنهم لم يكونوا بذات القياس، ولمّا توضع سيريوس في التابوت، قفل خدم شيط الغطاء عليه بإحكام، وحملوا التابوت وألقوه في نهر النيل، وطاف التابوت مع جريان النهر ودخل البحر(المتوسط)، ورمته الرياح والأمواج إلى ساحل هورّيا (سوريا) ومن يوم اختفاء سيريوس، حزنت إيزيدا وراحت تبحث عن زوجها الحبيب، وبعد ثلاثين يوماً من تعب السفر وشقاء السهر، رأت جسد زوجها ومن شدّة الألم دعت إله الشمس (أمون راو) وتساءلت لما هذا العذاب؟ ولبّى إله الشمس دعاءها، واستجاب، وأرسل كفناً, فلملمت إيزيدا جسد زوجها بالكفن، ثم انقلبت إلى طائر شاهين صار يحوم على الجسد، ويرفرف بجناحيه الطويلتين عليه، وبدأ الجسد يتنفّس ويتحرّك، ثم طار إلى السماء وصار سيريوس نجماً لنشر العدالة والطمأنينة في مملكة الأرواح، وطارت إيزيدا أيضاً بجناحيها الطويلتين، وصارت نجمة عطشى إلى رؤية سيريوس في السماء، وما زالت دموع إيزيدا تهطل كالمطر لتملأ الأنهار والبحار”.
كما ومن خلال هذه الأسطورة صارت إيزيدا ربة الملاحة في البحار عند الإغريق والرومان، وهكذا صارت إيزيدا رمزاً للحب الأبديّ بين النجم سيريوس والكوكب العطشان عند المنجّمين، وهكذا صارت إيزيدا آلهة الخبز والمواسم والعطاء في مصر القديمة، ويبيّن التحليل المقارن أنّ الحضارة الهورية (السورية) كانت صلة الوصل في تلاقي الحضارات الآسيوية والأوروبية والمصرية (الأفريقية) لأنّ الربة “إيزيدا-ايزيدا” إما انطلقت من هوريا (سوريا) أو تنتهي الأسطورة في هوريا (سوريا).
الربة “إيزيدا” في مقابل الربة إنانا، تي ستاير، عشتار، وهذه الربة عند الهوريين هي راعية (حامية) الإنسان والحصان والثور(البقر) والنبات.
ويوحي تاريخ العقيدة الإيزيدية بأنّها تعود إلى اسم الربة “إيزيدا”، وربما يمثّل “طاووس ملك ” الربة إيزيدا في حالة طائر الشاهين, ومن اسم الربة “إيزيدا” تم اشتقاق أسماء الإله في اللغة الكردية يازدان – الإله الرحمن.