سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الأديب والناقد سليمان محمود: النقد ليس ضرباً من الحرب بين الناقد والمنقود ـ1ـ

“وجوه ثقافية” سلسلة حوارات ثقافية تسعى للتعريف بوجه من الوجوه الثقافية – ما أمكن- في حوارات ثقافية تناقش تجربة المثقف، وشخصيته، ودوره القيمي والمعرفي، ضمن المناخ الثقافي والفني العام، وضيف هذا الحوار الأديب والناقد “سليمان محمود” ابن مدينة “قامشلو”.

حاوره/ محمود عبدو

ـ بداية يمكن القول: إن سليمان محمود الناقد حاضرٌ في الحراك الثقافي مقابل سليمان الأديب، إلامَ تعزو ذلك؟

أنا منعزلٌ نوعا ما، وصرت مؤخراً أفضل الانطوائية والخلوة. غير أني غير منقطع تماماً عن المشهد الثقافي والأدبي والاجتماعي عموماً، ربما بحكم عملي أو أعمالي اليومية. أحضر بصفتي ناشط مدني أعمل في مجال المجتمع المدني أحياناً، أو بصفتي مثقفاً، ولا يمكنني الانقطاع عن الوسط المحيط بي، خاصة بعد قراري البقاء وعدم السفر للخارج. أما كلمة الأديب فهي كبيرة عليّ في رأيي، فأنا لا زلت كسولاً في المجال الإبداعي، ولي محاولات في الشعر، والقصة لا أكثر.

ـ تناولك النقدي المنتج المحلي فيه الكثير من القسوة وفقا للبعض، مقابل القليل، الذين يؤيدونك في وضع المنتج وكشفه على حقيقته أمام كاتبه والقراء؟

لا ريبَ أنّ النقدَ علمٌ فنيّ أوفنّ علميّ قائمٌ بذاته في عالم الأدب، شأنه في ذلك شأن علم الجراحة الذي ينقلب إلى فنّ بين جرّاح وآخر، أو علم التاريخ، أو أي جانب من المعرفة يمكن له أن يتلوّن بمهارة الإنسان، الذي يتناوله وموهبته.

لا يخفى أنّ ثمة نوعاً من النقد شبه العفوي تقوم به جمهرة القراء على مرّ الزمن. الأمة وآدابها كالتاجر وبضاعته، فنظير ما يحتاج إلى تقويم بضاعته بين الشهر، والشهر، أو العام، والعام… هكذا تحتاج الأمة المتيقظة إلى تقويم مفهومياتها الأدبية، فقاماتنا الأدبية في حاجة دائمة إلى التنقية، والفرق بين الشعوب الناهضة، والشعوب المتخاذلة، أنّ الأولى أبداً تصفي حساباتها…

إنّ مهمة النقد، هي وضع المقاييس الصحيحة للأدب ونفي الدخيل والزائف، ومهنة الناقد الغربلة، لكنها ليست غربلة الناس، بل غربلة ما يدونه قسم من الناس من أفكار، وشعور، وميول… وهو ما تعودنا أن ندعوه أدباً.

من المهم الإشارة إلى ضرورة وبداهة الفصل بين الأديب وآثاره، فالنقد ليس ضرباً من الحرب بين الناقد والمنقود، فإذا عزلنا شخصية الناقد ونحينا شخصية المنقود، ظهر لنا أن القصد من النقد الأدبي، الذي هو التمييز بين الصالح والطالح، حسب موازين ومقاييس أدبية يرجع إليها الناقد في تقويمه للأثر الأدبي، إلا أن هذه المقاييس ليست ثابتة ولا نهائية، بل تتلون بثقافة الناقد، وشخصيته وملكاته وقوته، وأقصد بالقوة: الإخلاص في النية والغيرة على موضوعه ودقة الذوق ورقة الشعور، وتيقظ الفكر، والمقدرة البيانية وقوة التمييز الفطرية.

أنا أعتمد على قوة التمييز الفطرية لا أكثر، فهي الملكة النقدية، التي تصنع النقد والناقد، أي هي مولودة مع الناقد، وتشكل جزءاً من مزاجه وبنيانه العقلي والنفسي، هي تلك القوة التي توجد لنفسها قواعد، ولا توجدها القواعد، والتي تبتدع لنفسها موازين وليس العكس، فالناقد الذي ينقد حسب القواعد، التي وضعها سواه لا ينفع نفسه ولا منقوده، ولا الأدب بشيء، إذ لو كانت لنا قواعد ثابتة لتمييز الجميل من القبيح والصحيح من الفاسد، لما كان من حاجة بنا إلى النقد والناقدين.

ـ تخصصك في العربية كأدب إلى أيّ حدّ خدم كرديتك واشتغالك في الوسط الثقافي الكردي تحديدا؟

لا تقتصر فاعلية نشاطي على مجال دراستي للأدب العربي فقط، فأنا أيضاً قارئ جيد للمذاهب الأدبية والنقدية، كما لي قراءاتي العميقة في الفكر الصوفي والفلسفي، وفي أعماق التراث العربي من امرئ القيس إلى جبران، ولا عيب في أن أدعي أنني عربي، بقدر ما أنا كردي، إن الذائقة الأدبية التي اكتسبتها من الأدب العربي هي التي تمكنني حقاً من تذوق المنتج الكردي وفهم قصائد الجزيري، وآرائي في تجربة جكرخوين.

ـ يذهب البعض في اتهامك النقدي، بأنه يأتي دون مراعاة لخصوصية التجارب الناشئة محليا، ولأفقها المحلي المحدود؟

أعتقد أن الناقد الحق يجعل من انطباعاته ومشاعره قانوناً للأدب، فإذا أخذنا من هذا القول ما يوحي به من أن النقد هو السلطة التشريعية في مملكة الأدب، فإن السّلطة التنفيذية الحقيقة هي في يد الشاعر. كل شاعر أصيل يضع قانونه الشعري لنفسه وينفذه بيده، حتى أنه يحمل ديوان شعره، ويقول للنقاد وللقراء على السواء: هذا هو الشعر، لا ما تعللون به أنفسكم من لغط القواميس أو الكلام المهلهل. إن كل شعر جديد أو كل تجديد في الشعر يحمل معه نظرية في اللغة الشعرية. أنا لا أمارس أية سلطة فعلية على النشطاء في مجال الكتابة، بل أعلمهم كيف يكونون نقاداً لأنفسهم. كنت أمارس على نفسي رقابة تصل إلى حد الوجع وأتساءل: هل هذه الكلمات، التي أرسمها على الورقة تضيف شيئا إلى أهرامات الكلمات، التي قالتها البشرية منذ أقدم العصور؟

غالبية المنتج المحلي ضعيف، ولا يرتقي إلى مستوى الأحداث في بلدنا، كما أن ثقافة النقد لدينا ضعيفة أيضاً، وكذلك من يكتبون لا يقرؤون بما يكفي، كل هذا يساهم في تشويه صورة الأدب عندنا، وعدم تقبل النقد الأدبي عند العموم. المجاملات خطيرة جداً في هذا الإطار، وأشعر أن واجبي تصحيح بعض المفاهيم وتعويد الجميع على تقبل الرأي، وتحمل النقد والسعي إلى الأجمل دوماً. الشاعر، والقاص، والروائي بحاجة إلى رؤيا؛ كي يتكلم ويقول شيئا للقارئ، ما حدث هو أن الكتاب الجدد كانوا خرساً فلم يقولوا شيئا له قيمة. هذا الكلام غير الموجه وغير المفهوم لا يحمل هموم أحد. كأنه حجر مرمي على قارعة الطريق وليس شجرة.

إن واقعنا الأدبي بحاجة ماسة ملحة إلى ناقد جريء صارم، لا يهادن ولا يخضع للإرهاب. ناقد يعتبر الصمت عاراً وخيانة للفكر والأدب، ناقد يدرك مسؤوليته الخطيرة ويأبى الانضمام إلى الزمر التي تنظر إلى الحياة الأدبية على أنها مواقع ينبغي احتلالها بشتى الوسائل، ناقد يتقن القتال ويحمل العصا ويطرد المفترسين.

سيرة مقتضبة:

سليمان محمود مواليد مدينة قامشلو عام 1976م حاصل على الإجازة من كلية الآداب جامعة حلب في اللغة العربية، مدرس سابق في إعداديات وثانويات المدينة، متفرغ للعمل المدني والثقافي والنقدي، مدرس في جامعة روج آفا، عضو المركز السوري للدراسات والحوار، عضو ديوان الأدب في شمال وشرق سوريا.