سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

اسمعوا صوتها الأصم وصراخها الصامت

الطبقة ـ حالة تهاني حالة إنسانية تستدعي الوقوف إلى جانبها ودعمها، فمن لا يعرف قصتها فليقرأ وليجد معاناة تهاني وليسمع أنينها، وليرَ الظروف التي تعيشها تهاني وعائلتها، خرساء تصرخ لتُعبّر عن وجعها الدائم.
من سيسمع أنينها
طفلة مُقعدة لا تستطيع الكلام (خرساء)، أنت لا تسمع صوتها بل تسمع صراخ ما بداخلها، تراها جالسة على كرسيها المتحرك وهي بعمر الثالثة عشرة، دائماً متوترة تفقد السيطرة على نفسها وتصرفاتها، وقد ظهرت لنا في جسد هزيل ضعيف ووجه أصفر من شدة الأرق والتعب، كانت قدماها حمراوتين من شدة البرد، ويداها خشنتين من صقيع الشتاء، حافية ترتدي جوارب مثقوبة ومختلفة اللون والنوع، مكشوفة الرأس لا تغطيه قبعة أو غطاء أو ملفع، وشفتان مشققتان تسيل منهما الدماء وأنف يسيل من آلام الشتاء وثيابها لا تليق بعمرها، أنها الطفلة تهاني السيف، تلك الطفلة البريئة التي لم تذق سوى مرارة الحياة فعلى الرغم من صغر سنها إلى أنها ذاقت الويل ولا أحد يهتم بحالها.
معاناتها تزيد العبء على عائلتها
عائلة تهاني عائلة تعاني سوء الأحوال المادية لها أختين إحداهما أكبر منها تدعى شمس والأخرى تصغرها تدعى عفراء أختها الكبرى تقوم برعاية هذه الطفلة طبعاً وتعتبر نفسها اليد والقدم لتهاني كما تقول أمها فمهمتها فقط تلبية متطلبات تهاني واحتياجاتها الخاصة من مأكل ومشرب ولباس وحمام وتقديم الدواء.
الوضع المعاشي لعائلة تهاني سيئ جداً لا عمل ولا معيل تبكي العين الناظرة لوضع هذه العائلة فالوالدان لا يعملان، الأب كبير في السن 55 سنة وهو مريض لديه مرض في الفقرات القطنية في الظهر (الديسك) ونصحه الدكاترة بعدم حمل أي حمولة تزن فوق ثلاثة كيلو غرام، هذا المرض زاد عبء العائلة فليس باستطاعة الوالد العمل في أي مجال حتى بفتح محل لبيع الخضروات واللوازم المنزلية، لذا ليس باستطاعة الوالد تأمين ما يلزم من مصروف لإطعام عائلته.
عائلة تهاني وتهاني نفسها يعيشون في أسوأ الحال خاصة بعد نزوحهم، فهناك من يتصدق عليهم بالمال ويساعدونهم من الناحية المادية، إضافة إلى تقديم القوت اليومي لهم من المأكل. ما يزيد حالة العائلة سوءاً هو حالة طفلتهم تهاني التي تحتاج إلى رعاية خاصة وهذا يلزمه مصروف مادي كبير.
تؤذي نفسها بنفسها ولا أحد يستجيب
تهاني فتاة سمراء ذات شعر أشقر قصير، يبدو على وجهها أثر الحالة التي تعاني منها فتجدها في بعض الأحيان غير آبهة بالمحيط وما يدور من حولها وتارة أخرى تجدها صارخة تبدأ بقضم يديها وتقوم بعض أصابعها حتى تبدأ الدماء بالنزول من يديها، ولدى تسليط الضوء على حالة تهاني شاهد مراسلي صحيفتنا تلك الآثار ومنها الجرح القريب من إبهام اليد اليسرى، تؤذي تهاني نفسها وكأنها لا تشعر بالألم فهذا الجرح كان غائراً علماً أنه كان هناك بعض التهتك في النسيج اللحمي نتيجة تكرار الإيذاء لنفسها بنفس المكان.
طفلة تفتقد لمقومات الحياة
جعل العجز الجسدي من تهاني غير قادرة على الحراك فهي لا تستطيع السير على قدميها أو الحركة، هي فتاة تفتقد لكل مقومات الحياة التي تعيشها أي فتاة في عمرها لا تدرك شيء مما يحدث حولها في الحياة ربما تعرف أختها لكنها لا تدرك الظروف التي يعيش بها المحيط اليوم، لا يلعب معها أحد من الأطفال ولا يزورها أحد من الصديقات فليس لديها أية صديقة كما الأخريات، هي فتاة تفتقر لدفء الصداقة أو الحديث مع الأهل فهي لا تخرج سوى أمام الخيمة.
كان العجز المادي الذي تعيش فيه الأسرة واضحاً على ملابس تهاني، فقد كانت ملابسها قديمة ومهترئة ورغم دخول فصل الشتاء كانت لا ترتدي جاكيت شتوي تحميها من برد الشتاء القارص، كما كانت ترتدي بنطال قديم واضح عليه الرقع وكأنها ثياب فزاعة وضعها المزارع في أرضه لإخافة الطيور.
إهمال حالتها يزيد وضعها الصحي سوءاً
حالة تهاني الصحية هي حالة صعبة فهي تعاني من الاضطرابات النفسية فصراخها مستمر وقد رأينا ذلك طوال وجودنا معها أثناء رصد حالتها في صحيفتنا، وكأنها منزعجة تثور على واقعها المرير. أصيبت تهاني بهذا المرض منذ الولادة لكن حالتها الصحية تزداد سوءاً لعدم الاهتمام بها فهي بحاجة إلى أدوية خاصة تساعدها على أن يمتلك جسدها مناعة لبعض الأمراض إلا أن هذه الأدوية أسعارها غالية.
فقدت تهاني صحتها بسبب ضعف المناعة لديها فهي ضعيفة المناعة وعدم تناولها الدواء إلا بالقوة عند مرضها، فالأخت والأم تعانيان كثيراً حتى تجبرانها على تناول الدواء ـ الدواء يُوفر لها من قِبل بعض المتبرعين وممن يساعدون عائلتها مادياً ـ وكما ذكرتا فأن تهاني تصرخ لدى ألمها لكنهما لا يعرفان أي عضو من أعضاء تهاني أصيب بالمرض ولحق به الأذى.
كما تفقد تهاني السيطرة على نفسها بشكل مستمر وخاصة عندما تبعد أختها عنها فتجدها متوترة ودائمة الصراخ وفي بعض الأحيان تصرخ رغم وجود أختها وكذلك تصرخ من ألمها ومن وجود أشخاص غرباء عنها وصراخها يمكن أن يستمر لوقت طويل دون أن نستطيع أن نقدم لها شيئاً وغالباً ما يكون صراخها مصحوب بنوع من حركات الرأس القوية وهز عنيف للقسم العلوي من الجسد وحركة غير منضبطة لليدين وهذه الحركات تخيف الأطفال لذلك لا يقتربون منها إلا ما ندر.
لا تتخلوا عن تهاني البريئة
غالباً ما تشاهد تهاني تجلس على كرسيها المتحرك؛ الذي تبرع بها أحد المتبرعين تدفعها أختها الأكبر أو الأصغر أو أمها فتضحك وتفرح وكأنها فراشة ترغب بالطيران والخروج من بوتقتها لتوصلها إلى مكان لتقبع على كرسيها تراقب الآخرين. تهاني النازحة من ريف حماه والقاطنة حالياً في مخيم الطويحينة تعيش في حالة يرثى لها، وهي تصرخ لتنادي القريب والبعيد ليقف بقربها الجميع وكأنها تقول “لا تتخلوا عني”.
فعلينا جمعياً معرفة الظروف التي تعيش فيها تهاني من مرض دائم والغربة وبرد الشتاء القارس والجوع، فاسمعوا صوتها الأصم الصامت وصراخها الهافت الذي يقول: “نحن هنا في مخيم الموت، مخيم الطويحينة”.