في الآونة الأخيرة لم يعد التواجد الإيراني في سوريا مرغوبًا فيه من قبل القوى الإقليمية والدولية على حد سواء، حتى أن روسيا والتي تعد أبرز حلفاء إيران من القوى الدولية أضحت تقاوم التمدد الإيراني في الأراضي السورية، حتى أنها باركت الهجوم ضد الإيرانيين في مناطق النفوذ المختلفة في سوريا، وفي إطار ذلك تعرضت المعاقل الإيرانية مؤخرًا لسلسلة من الهجمات الممنهجة، والتي تمخض عنها خسائر بشرية ومادية، حيث أودت بحياة ما يزيد عن 50 مقاتلاً من جنسيات مختلفة من المحسوبين على الميلشيات الإيرانية في سوريا (فاطميون، وحزب الله، والحرس الثوري) منذ بداية أيار 2020 وحتى 21 تموز 2020، هذا إلى جانب ما تكبدته هذه الميليشيات من خسائر مادية حيث استهدف قصف إسرائيلي مواقع عسكرية للميليشيات الإيرانية في منطقة تل الصحن بمحافظة السويداء، ومركز اتصالات ورادار في تجمع عسكري لجيش النظام به ميليشيات إيرانية، ما أدى إلى خسائر مادية شملت تدمير برج اتصالات، واندلاع حرائق في المنطقة، هذا إلى جانب إضرام النيران في مستودع أسلحة إيراني قرب مدينة السلمية، وتدمير مركز قيادة في بلدة الصبورة تديره جماعات إيرانية مسلحة، كما قضى 5 عناصر من المقاتلين الموالين لإيران في هجوم شنته طائرات إسرائيلية بستة صواريخ على الأقل على مواقع تابعة لقوات النظام والمجموعات الموالية لإيران جنوب العاصمة “دمشق” 21/7/2020، ويذكر أن الهجمات تتركز على المنطقة الحدودية، ومنطقة البوكمال، ومنطقة الحزام الأخضر، وصولاً إلى بلدة صبيخان التي تعتبر أحد أهم المعاقل الرئيسية للميليشيات الإيرانية.
مبررات تصاعد موجات استهداف القواعد والمعاقل الإيرانية في سوريا
يمكن تفسير تصاعد موجة الغارات التي استهدفت القواعد والمعاقل الإيرانية في عدة مناطق من الأراضي السورية في مناطق النفوذ المختلفة، بعدد من المبررات، تتمثل في:
توافق التوجهين الإسرائيلي والروسي فيما يخص إقصاء إيران عن منطقة شرق الفرات الغنية بالنفط، والتي تشهد صراعاً محموماً بين القوى الخارجية: كروسيا وإيران والولايات المتحدة، والقوى المحلية المتمثلة في: قوات قسد، وقوات النظام، والميليشيات المحلية الموالية لإيران.
سعي روسيا لمباركة للضربات الإسرائيلية للمعاقل الإيرانية في سوريا بهدف تقليم أظافر طهران في منطقة شرقي الفرات والبادية، لتحجيم النفوذ الإيراني، والحيلولة دون التموضع العسكري لطهران في سوريا، إلى جانب رغبة موسكو في تغيير معادلة النفوذ في عموم سوريا، وفي محافظتي السويداء ودرعا على نحو خاص، من خلال “الفيلق الخامس” التابع لها، وكذلك سعيها لتطبيق سياسة “الهيمنة المرحلية” عن طريق السيطرة على معاقل النفوذ الإيراني في ريف حلب الجنوبي، وإعادة الانتشار في محيط منطقة إدلب، واعتبار إسرائيل الوجود الإيراني في سوريا بمثابة تهديد إستراتيجي فجٍّ لها، ومن الجدير ذكره إقرار تل أبيب بشن الكثير من الغارات داخل سوريا منذ اندلاع الثورة السورية 2011، خاصة مع تواجد قوات إيرانية في محافظة درعا، التي تضم 15 بلدة تقريبًا محاذية لإسرائيل، وكذلك تل الحارة المسمى “الجيدور” الذي يضم الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، كما كان يضم كتيبة دفاع جوي هامة ومؤثرة في مواجهة إسرائيل، كما يعد أحد المبررات تجنيس طهران لعناصر إيرانية في سوريا خاصة أفراد الميلشيات التابعة لها ويدينون بالولاء لنظام الملالي من جنسياتٍ مختلفة: كالعراقيين واللبنانيين والأفغان والباكستانيين، وذلك بهدف إعادة التوزيع الديمغرافي في سوريا وزيادة عدد الشيعة، مما يوطد موقف الأسد ويضعف القوات المتناحرة في سوريا لصالحه، والتجنيد المكثف للشباب السوري من قبل طهران في جنوب البلاد وشمالها الشرقي، حتى وصل عددهم إلى نحو 11700 عنصر، نتيجة استغلال طهران انشغال القوى المتنافسة كروسيا وتركيا بالمعارك في سوريا؛ خصوصاً في إدلب شمال غربي البلاد.
ومن زاوية أخرى تعد اتفاقيَّة تعزيز التعاون العسكريّ والأمنيّ بين طهران ودمشق المبرمة 8/7/2020 أحد المبررات القوية لاستهداف إيران في سوريا، حيث زودت إيران بموجبها سوريا بأحدث أسلحتها، وخصوصاً دفاعاتها الجوية، وفي مقدّمتها المنظومة الصاروخية “خرداد 3″، التي نجحت في إسقاط الطائرة المسيّرة الأميركية “أر كيو جلوبال هوك” درّة تاج المسيّرات الأميركية، كما تسد الفجوة في التسلح التركي بمنظومة الدفاع الجوي الروسية “إس 400”.
تبعات استهداف المعاقل الإيرانية في سوريا
ويتوقع أن يؤدي تكرار استهداف القوات الإيرانية والموالين لها في سوريا، إلى مزيد من الاستنزاف لإيران والضغط عليها لإخضاعها لترضخ لمطالب القوى الدولية، والتي من بينها التوقف عن دعم نظام الأسد في سوريا لإضعافه، لاسيما بعد أن أصبحت هي الداعم الوحيد له نظرًا للتوافق الأيديولوجي بينهما، وعلى الجانب الآخر سيتم خفض عمليات التشييع وتغيير المعالم الديموغرافية لسكان كثير من المناطق السورية، كما أن الاضطرابات الأمنية في مناطق تواجد المليشيات الإيرانية سيزداد، نظرًا لأن إيران لن تستسلم بسهولة لإنهاء نفوذها في سوريا.
ومن مستعرض ما سبق يتبين أن إنهاء التواجد الإيراني في سوريا أصبح مطلبًا دوليًا وإقليمًا، لاسيما مع ما يشكله من إخلال في موازين القوى لصالح النظام السوري، وتهديد لكثير من أطراف الصراع في الأراضي السورية، ولكن ذلك لن ينهي الصراع وتضارب المصالح بين القوى المتنافسة، بل سيزيد من حروب الوكالة على الأرض السورية التي أرهقت الشعب السوري وأفقرته وشردته.