روناهي/ جل آغا- شهيد وراء شهيد والتاريخ يكتب ويشهد، والتراب يشرب ويتعطر بدماء زكية؛ لكن أن تتكرر التضحية وتدفع الأم بولديها الاثنين لساحات القتال فداءً لتراب الوطن؛ فهذا أمر يستحق أن يُكتب عنه؛ فأمٌ مثلها تستحق كل التقدير.
النساء ينجبن ويربين، يتعبن ويسهرن الليالي؛ ليقدمن بالنهاية فلذات أكبادهن فداءً للوطن عندما يكون جريحاً نازفاً مستغيثاً؛ فالعطاء والتضحية من شيمهن وحبُّ الوطن رضعه الأبناء مع حليب الأمهات.
أمٌ تربي للوطن
شيخة رسول أم الشهيدين “كوران ديركي وقورتاي باكور”، يلقبونها بأم الشهيد كوران، وهي امرأة ستينية العمر من أهالي قرية طويبة، أمٌ لعشر شباب وأربع بنات ربتهم جميعاً على حب الوطن والتضحية لأجله.
الشهيد كوران ديركي، الاسم الحقيقي أكرم محمد صديق، من مواليد قرية طويبة ١٩٨٢م، استشهد بتاريخ ١٧ تموز ٢٠١٣م.
بدأت الأم شيخة رسول حديثها عن حياة ابنها الشهيد كوران ديركي متذكرةً لمحات عن طفولته لحين لحظة استشهاده، وقالت: “درس ابني في مدرسة القرية، وكان شخصاً محبوباً من قبل رفاقه لكنه لم يكمل دراسته؛ ليسافر لدمشق قاصداً العمل؛ لمساعدة العائلة مادياً عندما بلغ الخامسة عشر عاماً من عمره”.
وتابعت بأنه كان شاباً طموحاً مؤمناً بفكر القائد عبدالله أوجلان وبأخوة الشعوب، حيث كان “يحب مساعدة الآخرين ويهتم برفاقه أثناء غربتهم عن القرية من أجل العمل في دمشق” حسب تعبيرها.
قطع سفره ليلتحق بثورة روج آفا
مؤكدةً على أن تجسده لثورة روج آفا والشمال السوري كان بمثابة الحلم الضائع لكل شاب يحلم بالحرية ويبحث عنها، فما أن بدأت هذه الثورة وفي ١٩ حزيران ٢٠١٢م، حتى عاد من دمشق وانضم إلى صفوف وحدات حماية الشعب؛ ليقف على كافة النقاط والحواجز العسكرية في المنطقة ويدافع عن أرضه، وكرامة الشعوب في سبيل تحقيق الحرية والديمقراطية ؛ فقد كان “وطنياً فخوراً بهويته وقوميته”، على حد وصف شيخة.
قصة استشهاده
تقول شيخة: “كل هذه الأمور كانت سبباً كافياً لينخرط في صفوف المناضلين ويدفع عمره ودمه ثمناً لمبادئه كشاب جُبل على حب الوطن”.
وعن يوم استشهاده بينت بأنه كان يوم ١٧ تموز لعام ٢٠١٧ م. يوم تنفيذ الوعد والوفاء به يوم احتضنته الأرض التي استشهد دفاعاً عنها ضد هجمات مرتزقة داعش التي اعتدت على قريتي الصفا وتل علو جنوبي بلدة جل آغا. وأردفت: “ومع اشتداد القتال أصيبت إحدى رفيقاته أثناء المعركة فتصدى للرصاصة الأخرى بصدره في محاولة لإنقاذها، بحسب ما أخبروني به رفاقه”.
“كوران” عاهد فصدق
أردفت شيخة: “ببالغ الحزن والأسى تلقيت نبأ استشهاد ابني، لكن ذلك لم يمنعنِ من أن أملأ الدنيا بالزغاريد فرحاً لأنه حقق حلمه بالشهادة، ليواري جثمانه الطاهر الثرى في مقبرة الشهيد خبات بديرك بموكب مهيب، ومراسيم رسمية تليق بالشهيد”، بهذه الكلمات حدثتنا أم الشهيد كوران عن لحظة استشهاده.
“سوزدار” يكمل مشوار أخيه
وتتابع أم الشهيد كوران حديثها عن مسيرة العطاء التي لم تنته، وطريق الشهادة الطويل؛ فابنها سوزدار ذو الخمسة والعشرون عاماً الذي يحمل الاسم الحركي “قورتاي باكور” سار على خطا أخيه كوران، وأضافت: “سار سوزدار على خُطا أخيه في الحرية المنشودة والنضال؛ حيث التحق هو الآخر بالثورة، ليصبح شهيداً من أجل رحلته نحو الحرية بتاريخ 22\7\2017م، في أرض مدينة الرقة ضد مرتزقة داعش”.
الثالث يتبرع بكليته؟!
“أنا فخورة باستشهاد أولادي، فالشهداء مشاعل نور نهتدي بها على مر العصور” بهذه الكلمات الجميلة التي لا تعرف اليأس عبرت أم الشهيدين عن مشاعرها كأم، وأكدت بالقول: “الوطن تحييه الدماء وتميته الدموع”.
تذكر شيخة رسول: “ربيت أولادي على حب الخير والعطاء، وهذا ما يجعلني أفتخر بابني الثالث “زيندان محمد صديق حسين” ولديه من العمر سبعة وعشرين عاماً الذي تبرع وبدون تردد لابن عمه “سعيد عبد الرحمن حسين” ذو 22عاماً؛ بكليته التي فقدها نتيجة أصابته بكمين على يد مرتزقة داعش جعله يخسر كليتاه بتاريخ 10\3\2015م؛ ليتمكن بذلك من إنقاذ ابن عمه مما يزيدني فخراً بهم جميعاً”.
بقلب ملؤه الرضا والفخر تنهي شيخة رسول أم الشهيدين “كوران ديركي وقورتاي باكور”، كلامها، لكن مسيرتها بالعطاء والتضحية لم تنته، ودورها في تشجيع الشبان والوقوف معهم جنباً إلى جنب لتكون سنداً لهم وظهراً في ساحات المعارك لن ولم توقفها وحشية المحتل؛ فهي باتت أم لكل شهداء الوطن.