سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

احتلال عفرين… إبادة للمرأة

قد تنتصر الآلة العسكرية لحين فقط، وفي بقعة جغرافية محددة، كما حدث في عفرين. لكن؛ إن كان للاحتلال جولة فللمقاومة جولات وجولات، فالإرادة الكردية؛ وإرادة المرأة في عفرين بالذات لم ولن تعرف الانكسار.
فنساء عفرين اللواتي عُرِفن بقوتهن وانتفاضهن في وجه الظلم، واجهن ممارسات لا أخلاقية بعد الاحتلال التركي للمقاطعة، حيث حوّل الاحتلال حياتهن إلى ظلام بعد أن كن قد نلن حريتهن. في هذا الملف، سنسلط الضوء على ما كانت عليه المرأة في عفرين قبل الاحتلال التركي لمقاطعة عفرين، وكيف هو حال النساء في عفرين، وما آل إليه بعد الاحتلال التركي.
عُرِفت المرأة في عفرين بأنها ذات شأن في المجتمع، حتى أن بعض الأسر العفرينية العريقة عُرِفت باسماء النساء، وهذا ما كان يُميز طبيعة المرأة العفرينية عن غيرها.
مع انطلاق ثورة روج آفا وشمال سوريا؛ تطورت المؤسسات المهتمة بشؤون المرأة، واستطاعت هذه المؤسسات تنظيم النساء كافة، وكنّ سنداً وساعداً لتوعية ومساندة المرأة العفرينية، وشكلت صفوف النساء في عفرين أكثر فئات المجتمع تنظيماً، فهي كانت السبّاقة لتبوأ المرأة رئاسة المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية الديمقراطية.
خوف تركيا من تنظيم المرأة
تفتقر معظم الدول ومن بينها دولة الاحتلال التركي التي تدّعي الديمقراطية والمساواة بين الجنسين إلى ما تدّعيه، وتركيا تبرئ وتُشرع جريمة اغتصاب القاصرات، وتزويجهن قبل سن البلوغ، فبحسب موقع ” الجرائم ضد المرأة” الإلكتروني، والذي يتولى رصد الجرائم التي تطال النساء التركيات رُصدت 1915 حالة قتل امرأة خلال ست سنوات.
وأول ما استهدفه الاحتلال التركي خلال عدوانه على عفرين، هو التنظيم السائد بين كافة فئات المجتمع، وبخاصة قيادة المرأة للمجتمع العفريني، والمعروفة بجسارتها وقوتها، والمثال على ذلك مقاومة ابنة عفرين آرين ميركان في كوباني.
لدى احتلال الدولة التركية لعفرين، شنت هجماتها على كافة الميادين وخاصة الاجتماعية والسياسية والثقافية، ومع بداية العدوان باشر بانتهاكاته لحقوق الإنسان ولم يفرق بين الطفل والرجل والمرأة، وأول الأمثلة على الانحطاط الأخلاقي، هي جريمة الاعتداء بالضرب والتمثيل بجثة مقاتلة في وحدات حماية المرأة، في مطلع شهر شباط العام الجاري، والتي انتقمت لرفيقة دربها المناضلة “أفيستا خابور” بتنفيذ عملية فدائية ضد مجموعة من عناصر الجيش الاحتلال التركي في قرية حمام بناحية جندريسه، وكبدته خسائر فادحة. ونساء وأطفال عفرين كانوا عرضة لرصاص المحتل التركي، فخلال مقاومة 58 يوماً تم توثيق استشهاد 56 امرأة و46 طفلاً، إضافة لجرح 104 أخريات ممن تعرضن لإصابات مختلفة.
نار ونور المقاومة ستُنهي ظلام الاحتلال
كانت المرأة في عفرين تنعم بالإرادة الحرة وطابع خاص في نمط العيش، لعلاقتها الوطيدة مع الطبيعة والزراعة، فهي كانت مشاركة في كافة المجالات الحياتية. ومعظم النساء العفرينيات لم يكن مُجبرات، بل مخيرات لاتباع نمط معين للعيش، فكنَّ منفتحات على الحياة، ونسبة 80 بالمئة منهن متعلمات ومثقفات، وكانت نسبتهن واضحةً في مشاركتهن في مجال التعليم، والإدارة والسياسة والاقتصاد، كما أن ارتباط نساء عفرين الوثيق بالزراعة والصناعة دفعهن لافتتاح مشاريع اقتصادية لإعالة أنفسهن وعائلاتهن، حيث شهد سوق عفرين افتتاح النساء للمحلات التجارية، كما شاركن في السوق الشعبي في عفرين وامتلكن عدداً من المحال التجارية في السوق.
أما الآن فتغيرت الأحوال والأشكال والعادات وحتى نمط الحياة، وتحولت حياتهن إلى جحيم، فلم تعد تستطيع المرأة الخروج من حجرتها الصغيرة خوفاً من الخطف أو الاغتصاب، لفرض جيش الاحتلال التركي والمرتزقة نظام ما يفرضه مرتزقة داعش على المرأة.
حيث باتت شوارع المدينة تشهد نوعاً آخر من الأزياء النسائية المتمثلة بلباس المستوطنين، الذي حل محل اللباس الكردي الفلكلوري بألوانه الزاهية، وانتشرت في الساحات والشوارع لوحات إعلانية تحضّ على فرض الحجاب، وفي بعض القرى التي تسيطر عليها بعض المجموعات المرتزقة المرتبطة بالنصرة وداعش، فرضت تلك الفصائل على الأهالي الالتزام بالزي الشرعي وعدم الخروج باللباس الكردي، وبهذا باتت مقاطعة عفرين سجناً كبيراً للنساء، ومؤخراً مُنِع تدريس الطالبات في المدارس المختلطة، وفصل الذكور عن الإناث في المدارس.
أكثر من 145 حالة انتهاك ضد المرأة
بعد الاحتلال التركي لمقاطعة عفرين، حُرِمت المرأة من حقوقها كافة التي كانت تتمتع بها في ظل الإدارة الذاتية، حيث أدت الحرب في عفرين إلى أضرار وسوء في وضع المرأة، وتم استخدام العنف المباشر والمتمثل بالقتل والاغتصاب والإتجار بالنساء والإعاقة والاختطاف، حيث بلغ عدد النساء المختطفات في عفرين 145 امرأة في آخر إحصائية أُجريت وهذا العدد يزداد يوماً بعد آخر، والعنف غير المباشر المتمثل بالترمل والفقر والبطالة وانخفاض المستوى التعليمي والنزوح وزواج القاصرات، وهذا ما يدل على ارتكاب الدولة التركية إبادة ثقافية بحق المرأة وأهالي عفرين.
توثيق حالات خطف واعتداء واغتصاب وقتل لنساء عفرين
تعرضت 145 امرأة بينهن امرأة حامل خلال ثمانية أشهر بعد احتلال جيش الاحتلال التركي ومرتزقته مقاطعة عفرين، للخطف والاغتصاب والاعتداء والقتل، وذلك على يد عناصر الجيش التركي ومرتزقته. سنستعرض بعض الحالات التي وثقتها وكالة هاوار للأنباء بمساعدة المنظمات الإنسانية والحقوقية، ومصادر خاصة، في حين هناك العديد من الحالات غير معروف تفاصيلها.
ـ حالة المواطنة فاطمة ذات الـ 45 عاماً خطفت من منزلها، وتعرضت للتعذيب الجسدي والنفسي لمدة 15 يوماً على التوالي، دون معرفة عائلتها مكان تواجدها، حتى طلبت المرتزقة من العائلة ثلاثة آلاف دولار. فاطمة عانت الويل أثناء بقائها بعفرين في ظل تواجد جيش الاحتلال التركي ومرتزقته، وقالت: “حُرِمنا الخروج من المنزل، وكأننا فقدنا النور في الحياة، حتى العمل في الأراضي الزراعية ممنوع، وفرضوا علينا ارتداء الحجاب واللباس الطويل والفضفاض، وبات الخوف يحكمنا في تعرضنا للخطف حتى ونحن في المنزل”.
وأشارت فاطمة إلى أن هناك اثنتان من نساء أقاربها خُطِفن مع والدهن وعمهن منذ أشهر، الرجال أطلق سراحهم بعد دفع فدية لهم، ولكن النساء لا يُعرف مكان تواجدهن بعد، فيما أكدت على خطف طفلة أمام مدرستها وهي خارجة من المدرسة، الأمر الذي دعا الأهالي إلى الخوف من إرسال أطفالهم إلى المدارس، ما أدى لحرمان الأطفال من الدراسة وبخاصة الإناث. واستطاعت عائلة فاطمة دفع فدية للمرتزقة وإطلاق سراحها، وخروجها من عفرين.
وقال مصدر موثوق من قرية تل سلور بناحية جندريسه في وقت سابق أن امرأة اُغتصبت في القرية من قِبل جيش الاحتلال التركي ومرتزقته، واستخدم بحقها شتى أساليب العنف، وذلك لأنها رفضت أن تتعاون معهم، بالإضافة إلى أن الاحتلال التركي ومرتزقته قالوا لأهالي القرية أنهم خطفوا المرأة إلى جهة مجهولة في ناحية جندريسه.
ومن جهة أخرى؛ أفادت مصادر محلية من عفرين بأن جيش الاحتلال التركي ومرتزقته اختطفوا الفتاة “زوزان بشير سليمان” على حاجز ترندة المؤدي إلى مدينة عفرين، يوم الجمعة بتاريخ 20 نيسان من العام الجاري.
ـ وعلى لسان المرأة” ش. م” التي اُختطِفت من قِبل مرتزقة جيش الاحتلال التركي وتعرضت للتعذيب وما تزال تعيش تحت رحمة المرتزقة في عفرين، تقول عبر تسجيل صوتي: “قاموا باقتحام منزلنا بشكل مفاجئ، كانوا رجالاً طويلي اللحية وقاموا باعتقالنا أنا، ورفيقتي، ووالدتها وأخوها البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً تحت الضغط والتهديد، وقاموا بعصب أعيينا بحيث أننا لم نتعرف على الوجهة التي يأخذونا إليها، وبعدها علمنا أنه تم اقتيادنا إلى محكمة مركز عفرين، هذا وقد بلغ عددنا ما يناهز 18 امرأة، كافة النساء عشن التعذيب لدرجة أنهنَّ لم يتمكنَّ من النهوض”.
وأفادت “ش.م” أنه تم تعذيبها وصديقتها من خلال تعليقهما من قدميهما جاعلين رأسيهما إلى الأسفل وتم تعذيبهنَّ بالصدمات الكهربائية، وأضافت: “لم أعلم إلى متى استمر التعذيب لكنني عندما صحيت لم أتمكن من التنفس. عانيت بعدها من الرجفان والأرق عندما نظرت إلى صديقتي كانت تعاني مثلي وعندما سألتها ماذا فعلوا بنا؟ لم تتمكن من إجابتي من شدة التعذيب”.
كما أقدم المرتزقة على اختطاف امرأة من ناحية شيه (خ .ر) 21 عاماً، كانت متزوجة قبل خطفها بستة أشهر وحامل في شهرها الثاني وقد اجهضت جنينها إثر العمل الوحشي، كما وعثر أهالي قرية “كوركا فوقاني” التابعة لناحية موباتا على جثة امرأة مجهولة الهوية في العقد الثالث من العمر مرمية داخل أحد المنازل، ظهرت عليها آثار التعذيب وقطع لشرايين يديها، كما ظهر على عنقها آثار للخنق.
وبحسب ما أفادت به مصادر من قرية “شيتكا” التابعة لناحية موباتا فقد اغتصب المرتزقة امرأتين، بالإضافة لخطف 13 شابة من القرية بحجة التحقيق معهم، وكما اختطف ثلاث شابات من قرية عبيدان التابعة لناحية بلبلة وحتى الآن مصيرهم مجهول؛ الأمر الذي يندى له الجبين هو أن مرتزقة جيش الاحتلال التركي اغتصبوا ثلاث فتيات قاصرات في الخامسة عشر من عمرهن، كما قام المرتزقة بنزع الأقراط من آذان النساء بأياديهم.
ولعل قصة الطفلة ياسمين البالغة من العمر اثني عشر عاماً، هي واحدة من مئات القصص والمآسي التي عاناها أهالي عفرين وبقيت طي الكتمان، ياسمين الفتاة التي أُجبرت على الزواج من مرتزق يكبرها بعقدين من الزمن، ورغم رفض الأهل تزويجها عنوةً، إلا أن المرتزقة أخذوها من بيت ذويها الواقع في ناحية شيه بعد تهديدهم بالقتل إن رفضوا، ويُعتبر الاغتصاب جريمة بموجب القانون الدولي الذي أُصدر من قِبل المحكمة الجنائية الدولية في شباط عام 1998.
انتفاضة المرأة بوجه المحتل
عرفت المرأة طعم الحرية قبل الاحتلال، ولم تبقَ صامتة في ظل الاحتلال أيضاً، فالعديد من النساء تعرضنَ للضرب والإهانة نتيجة وقوفهن في وجه مرتزقة الاحتلال التركي ومحاولة منعهم من اعتقال أولادهن وسرقة ممتلكاتهن، ومنهن “س. م” وهي واحدة من اللواتي انتفضن في وجه الاحتلال ومنعت المرتزقة من اختطاف ولدها، وتسكن هذه الأم في إحدى قرى شيراوا وعُرِفت بين أهالي القرية بقوتها وتوجيهها أهالي القرية لأن يكونوا يداً واحدة في وجه الاحتلال.
وهناك أمثلة حية أخرى على نضال النساء في عفرين في ظل الاحتلال، ولعل أبرزها المظاهرات النسائية التي خرجت في جندريسه قبل أشهر نتيجة اعتقال المرتزقة الرجال في الحارة التحتانية، إذ انتفضت النساء على مدار يومين متتاليين في وجه الاحتلال ومرتزقته دون خوف أو تردد.
حماية حقوق المرأة في القانون الدولي
لقد أُثیر الكثير من الجدل حول قدرة القانون الدولي على منع استخدام العنف ضد النساء في فترة النزاعات والصراعات المسلحة، وفي الفترة التي تلي تلك الحروب، باعتبار أن القانون الدولي لازال قاصراً عن تحقيق تلك الحماية. ونستدل هنا ببعض من تلك القواعد أو القوانين أو الاتفاقات التي من المفترض أن تحمي المرأة أثناء النزاعات وزمن الحروب.
موضوع حماية النساء في الوقت الحاضر سواء كان في نطاق القوانين الداخلية أو الدولية يحتل مكاناً واسعاً وبارزاً وإن ما يدل على ذلك هو أنه توجد فقط في اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين، ما يقارب (40) مادة من إجمالي (560) مادة تخص النساء.
وبالرغم من أن هذه القواعد أصبحت دولية إلا أن الانتهاكات ازدادت وكثرت بشكل كبير، وقد أصدرت الجمعية العامة في عام 1974 الإعلان المتعلق بحماية النساء والأطفال أثناء الحالات الطارئة والمنازعات المسلحة، وكذلك ما اعتمدته اللجنة الفرعية التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر منذ عام 1991 القرار 1989/24 بشأن حقوق الإنسان في وقت النزاعات المسلحة. ولكن؛ وجود آلية لتحقيق العدالة، لا يعنى الاستطاعة على تطبيق ذلك عملياً، حيث لا يزال هناك من لا يحاسب على حالات الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب خلال النزاعات.
وعلى الرغم من وجود قرارات للأمم المتحدة تنص بوضوح على وجوب التزام الدول بتقديم الرعاية الصحية لمن يحتاج إليها من الضحايا في مرحلة ما بعد الصراعات، فإنه لا يتم تخصيص الموارد الكافية لمعظم المرافق لحماية حقوق المرأة.

وكالة هاوار