رامان آزاد_
نفذت أنقرة في سوريا مشاريع ومخططات مجاناً، فقد احتلت مناطق فيها بواسطة مرتزقة سوريين، ثم جعلتِ المناطقَ المحتلة تابعة إداريّاً للولايات التركيّة المقابلة، واستفادت ماديّاً من المشاريع الاستثماريّة في مجال الخدمات (المياه والكهرباء والضرائب واعتماد العملة التركيّة)، واستفادت من اللاجئين السوريين اقتصاديّاً، وتسولت على حسابهم، وهي ماضية في تثبيتِ الاحتلالِ عبر التغييرِ الديمغرافيّ بعناوين “إنسانيّة”، لتصرفَ عوائد الخطة انتخابيّاً وفي مواجهةِ المعارضةِ!
مؤتمر المانحين
تلاعبت أنقرة بملف اللاجئين السوريين بكلّ التفاصيل، والصحيحُ أنّها لا تعتبر السوريين على أراضيها “لاجئين” وفقاً للقانونِ الدوليّ، بما يفرضه ذلك من التزاماتٍ قانونيّة، بل أدرجتِ اللاجئين السوريين تحت مُسمّى “الحماية المؤقتة”، ومنحتهم بطاقات حماية (كيملك)، وفي 18/3/2016 عقدت اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبيّ تضمن حصول أنقرة على مساعدات ماليّة مقابل تعهدها بإغلاق طريق الهجرة إلى أوروبا أمام السوريين.
ولوّح أردوغان في كثيرٍ من المناسباتِ بملف اللاجئين السوريين، وإمكانية ضخّ اللاجئين إلى أوروبا، وبذلك ابتزت دول الاتحاد ماديّاً وسياسيّاً.
وآخر مناسبة للدعم الدوليّ للاجئين جاء عبر انعقاد مؤتمر المانحين في بروكسل الثلاثاء 10/5/2022، بمشاركة ممثلين عن 55 دولة و22 منظمة دوليّة، لكنه استبعد روسيا، وخاطب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا، غير بيدرسن الحشد، قائلاً: “رسالتي تظل نفسها التي نقلتها لمجلس الأمن؛ لا تفقدوا التركيز على سوريا”، وقال مفوض الاتحاد الأوروبي، أوليفر فاريلي، إن «التعهدات الإجمالية تصل إلى 6.4 مليار يورو، أو 6.7 مليار دولار، وجاءت على النحو التالي: المفوضية الأوروبية 3 مليارات يورو، ألمانيا 1.3 مليار يورو، الولايات المتحدة 800 مليون دولار، اليابان 90 مليون دولار، السويد 73 مليون دولار، قطر 50 مليون دولار، التشيك 4.7 مليون يورو، كرواتيا 1.5 مليون يورو. والسؤال أين ستذهب هذه المبالغ وما هي آليات إنفاقها؟
وفي إشارةٍ إلى تصريحاتِ مسؤولين أتراك لإعادةِ ما يزيد على مليون لاجئ سوريّ في تركيا، قال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبيّ إلى تركيا، نيكولاس لاندروت: “إنَّ ظروفَ في سوريا غير مواتية لعودةٍ واسعةٍ النطاقِ للاجئين السوريين في تركيا”.
قالت “ليندا توماس غرينفيلد” سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، إن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لا بد أن تتم على أساس العودة الآمنة والكريمة والطوعية، وهذه الظروف “غير متوفرة في الوقت الحالي”.
قالت منظمة “أنقذوا الطفولة” إن نتائج مؤتمر بروكسل السادس حول سوريا كانت مخيبة للآمال، مشيرةً إلى أن احتياجات الأطفال في سوريا ودول الجوار “هائلة”، وأن 99٪ من الأسر السورية في لبنان ليس لديها ما يكفي من المال لشراء الطعام.
السوريون منتجون
الواقع أنّ معظم السوريين في تركيا منتجون وليسوا عبئاً عليها، وحديث الحكومة عن نفقات على اللاجئين السوريين مبالغ فيه لدرجة الكذب الفاضح، وتقول الإحصائيات التركيّة إنّ مجموع السوريين في المخيمات هو فقط 56191، موزعين على سبعة مخيمات في أضنة وهاتاي ومرعش وكيليس وعثمانيّة، ففي إسطنبول وحدها 525 ألف، وفي عينتاب نحو 450 ألف، وفي هاتاي 435 ألف، وفي أورفا 424 ألف وفي كِلّس 105 آلاف.
ذكر وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في 5/5/2022، إنَّ عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركيّة الاستثنائيّة، منذ عام 2011 وحتى اليوم، 200 ألف و950 لاجئ سوريّ، وعدد البالغين بينهم 113 ألف و654، وأشار إلى وجود 47 ألف سوريّ “تركمانيّ” ممن تجنّسوا، أي أنّ هؤلاء أضحوا مواطنين أتراكاً، ولا يجوزُ احتسابهم على السوريين، وبينهم كثير من حملة الشهادات الأكاديميّة والمستثمرين! كم أشار إلى أنَّ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، لم يزداد منذ عام 2017، رغم ولادة 700 ألف طفل، وقال صويلو إنّ حجم الصادرات التركيّة زاد بفضل السوريين بنحو 3 مليارات دولارات.
بحسب تصريحات سابقة لوزيرة التجارة التركيّة، روهصار بك جان، وصل عدد الشركات التي يملكها سوريون في تركيا إلى 13 ألفاً و880 شركة، بنسبة 29% من مجموع الشركات المملوكة لأجانب في البلاد، ووفّر رجال الأعمال السوريين، منفردين أو بالتشارك مع الأتراك، نحو 450 ــ 500 ألف فرصة عمل في تركيا.
ونقلت صحيفة Turkiyegazetesi في كانون الثاني 2022، عن رئيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين العرب، (أسياد)، عبد الغفور صالح عصفور، أنّ استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا تجاوزت 10 مليارات دولار أمريكي، والواقع أنّ حجم الاستثمارات أكبر من ذلك!
في 9/5/25022، قال نائب وزير الداخلية التركي، إسماعيل جاتاكلي، في لقاء تلفزيونيّ: إنّ “هناك فهماً خاطئاً بين المواطنين الأتراك بأنَّ كلَّ أصحابِ البشرةِ الداكنة هم لاجئون، وما تتناقله بعض وسائل الإعلامِ المعارضةِ عن اللاجئين السوريين هو في مجمله كذبٌ، والأرقام يتم تضخيمها عمداً، ثم يتم تداولها كأنّها حقيقة”.
ونفى المسؤول التركيّ أنَّ السوريين يتقاضون راتباً، مؤكداً أنَّ بعضهم “يتلقَّون دعماً بقيمة 155 ليرة تركيّة على بطاقة الهلال الأحمر، وهي مساعداتٌ مموّلةٌ من الاتحادِ الأوروبيّ، كما يدفعُ السوريون فواتير المياه والكهرباء والغاز، وفي التعليمِ الجامعيَ، هم يعامَلون مثل بقية الأجانب، وليس هناك منحة أو تخفيض للسوريين كما تشيع المعارضة”.
كما نفى جاتاكلي بالمطلق الشائعات حول مجانية خدمات السيارات للسوريين، وعدم دفعهم الضرائب السنويّة، وتسهيل الحصول على الجنسية التركيّة الادعاءات، وقال: “السوريون يدفعون الضرائب وتكلفة الخدمات مثل المواطنين الأتراك”.
وأضاف “قانوناً، يمكن الحصول على الجنسية التركيّة بعد خمس سنوات، لكن حاملَ (الحماية المؤقتة) لا يُعاملُ كذلك، حتى لو انتظر 30 عاماً تحت الحماية المؤقتة، وحول منح السوريين حق التصويت في الانتخابات البرلمانيّة والرئاسيّة القادمة ذكر أنّ العدد الإجمالي للسوريين الحاصلين على الجنسية التركية لا يتجاوز 200 ألف”.
خطة للتغيير الديمغرافيّ
الخطة التي أعلنها أردوغان في 3/5/2022، بعنوان العودة الطوعيّة لمليون سوريّ، والتي تتضمن مشروع بناء 250 ألف منزل في 13 منطقة في الشمالِ السوريّ، تهدفُ في حقيقتها إلى تثبيتِ التغيير الديمغرافيّ، والزعم أنّ اللاجئين سيعودون إلى مناطقهم، كذبةٌ مفضوحةٌ، لأنّ عودةَ المرءِ إلى بلدته ومنطقته لا تتطلبُ مشاريعَ سكنيّةً، وإنّما تتطلب فقط ضمانات العودة الآمنة.
من جهةٍ ثانيةٍ يحاول أردوغان استغلال ملف اللاجئين السوريين لغايةٍ انتخابيّةٍ، كما يعمل على استثمار العدوان على شمال سوريا واحتلال مناطق فيها والترويج على أنها تخدم الأمن القوميّ التركيّ… رغم أنّ تركيا لم تكن مستهدفةً على طول الحدود، ولم تواجه أيّ مخاطر، إلا أنها أرادت نقل مشكلتها الداخلية عبر الحدود إلى سوريا، وهل تدخّلت في ليبيا وأذربيجان بسبب المخاوف الأمنيّة؟
كلُّ الجعجعةِ التركيّةِ حولَ اللاجئين السوريين تتعلقُ بنحو 56 ألف سوريّ في المخيماتِ، والسؤالُ ما حجمُ الخيراتِ التي تمَّ نقلها من سوريا إلى تركيا اعتباراً من معاملِ حلب إلى زيتِ عفرين وتجارة الآثار وقمح الجزيرة؟
معروفٌ أنّ المعاملَ والمصانع التركيّة كانت ترغب بتشغيلِ السوريين وتفضّلهم على الأتراكِ بسببِ تدنّي الأجورِ، وبحسابِ فرق الأجر الذي يتقاضاه مئاتُ آلافِ السوريين كان بالإمكان تقديمُ خدماتٍ نوعيّةٍ للاجئين السوريين دون أيّ مساعدات حكوميّة أو خارجيّة.
في 21/1/2018، وهو ثاني يومٍ للعدوان على عفرين، حيث تنكّر أردوغان لحقيقةِ أنّ نسبة الكرد فيها تتجاوز 95%، وقال في تجمع أمام أنصاره ببورصة إنَّ 55% من سكان عفرين عرب، و35% هم من الكرد جاؤوا لاحقاً، والهدف الأساسيَ لعملية عفرين هو إعادتها لأصحابها الأصليين، وكان ذلك أولى إشاراتِ خطةِ التغييرِ الديمغرافيّ، وقبيل العدوان في 9/10/2019 على مناطق في شمال سوريا، صرّح عدة مراتٍ أنّ حكومته أنفقت نحو 40 مليار على اللاجئين السوريين، وكان ذلك لمجردِ الدعايةِ لتبرير العدوان، وحمل أردوغان خريطة أمام اجتماع العامة للأمم المتحدة في 24/9/2019، ليتحدثَ عن “المنطقة الآمنة”، لتكون الإطار المكانيّ لبناء 200 ألف منزل، لإعادةِ مليوني لاجئ سوريّ بكلفةٍ 27 مليار دولار!