لم يتم الإعلان عن كل البنود التي اتفق عليه كل من الرئيس الروسي بوتين والرئيس التركي أردوغان في اجتماعهما الأخير في آستانا، إلا أن هنالك تسريبات من صحف روسية ومن مصادر أخرى موثوقة تفيد بوجود توافق جديد بين تركيا وروسيا على فتح الطريق أمام تركيا لمغامرة عسكرية جديدة. ولكن؛ هذه المرة في تل رفعت والتسبب في حالة احتلال جديدة لأراض سورية.
أرى أنه لا يجب التغاضي عن مثل هذه المعلومات، فهي هامة جداً؛ ذلك أن ثمة إشارات كثيرة في تل رفعت ترفع من احتمالية حصول هذا الأمر، على سبيل المثال الحشود العسكرية الأخيرة في مناطق متاخمة لتل رفعت وتحركات الجيش التركي الأخيرة في المنطقة مشابهة لتلك التي حصلت قبيل احتلال عفرين.
في حقيقة الأمر؛ لم يكن لآستانة أي إسهام إيجابي في حل الأزمة السورية منذ البداية، فقد استرجع النظام الكثير من المناطق وفقاً لاتفاقية خفض التوتر وحصلت تركيا في المقابل على كل من الباب وجرابلس وإعزاز وإدلب وعفرين. كان يراد لآستانة في البداية أن يكون بديلاً لمسار جنيف إلا أنه وبعد فترة وجيزة تحول إلى مكان؛ يتم فيه ترسيخ العلاقة الروسية التركية على حساب الأراضي السورية ومصالح الشعب السوري، وكانت عفرين من ضمن ضحايا هذا المشروع، هذا أمر، والأمر الآخر؛ إن هذه الاجتماعات تُعقد من أجل سوريا دون أن تتواجد فيها أي إرادة سورية، حيث يتم التفاوض وتقاسم النفوذ فيها وفقا لمصالح وأجندات هذه الدول حتى دون التشاور مع الأطراف السورية المتحالفة معهم كالنظام والائتلاف السوري.
إذا ما صحت هذه التسريبات؛ فهذا يعني أولاً بأن روسيا قد حصلت على سلطة مطلقة في إبرام أي اتفاق يخص الوطن السوري وثانياً أنها على استعداد بأن تطلق يد تركيا في مناطق سورية جديدة على أمل إبعاد الأخيرة أكثر فأكثر عن حلف الناتو حتى وإن كان الثمن احتلال مناطق جديدة من قبل تركيا في سوريا، وثالثاً فتح الطريق أمام كارثة إنسانية جديدة وموجة نزوح ولجوء جديدة بحق نازحي عفرين وسكان مناطق الشهباء في حالة أي هجوم تركي محتمل على تل رفعت ويعني أيضاً تهديد حلب بشكل أكبر؛ لأن سقوط تل رفعت بيد الأتراك والقوى السلفية المتحالفة معها يضع حلب – الهشة أصلاً – بين فكي كماشة هذه القوى وتحت رحمتها.
فإذا كانت روسيا تنحو فعلاً هذا الاتجاه؛ فإنها حتماً ترتكب خطأ فادحاً، فهي بذلك تقوم بترسيخ حالة الاحتلال التركي لأراض سورية؛ ما يؤدي في النهاية إلى نتيجة لا مفر منها وهي تقسيم سوريا وبشكل نهائي لمناطق نفوذ، كما أنها تدفع باتجاه ديمومة حالة اللا استقرار ومنح فرصة حياة جديدة للقوى السلفية المتطرفة التي ستنظم نفسها من جديد وتصبح مناطق النفوذ التركية ملاذاً آمناً وقلاعاً لهذه التنظيمات كما أصبحت إدلب مرتعاً لجبهة النصرة.
روسيا بانتهاجها لهذا المسار لا تخسر الكرد فقط، إنما العرب أيضاً؛ ذلك إن منطقة الشهباء تضم عشرات الآلاف من السكان العرب إلى جانب الكرد كما إن الرهان على أردوغان في هذه المرحلة قد لا يكون جيداً كما كان في السابق، فلا التوازنات الدولية هي نفسها كما كانت حين احتلال عفرين ولا أردوغان في وضع مريح داخلياً يخوله أن يصول ويجول كما حصل سابقاً في عفرين، بالإضافة إلى ما سينوب روسيا من سخط جماهيري إذا ما تسببت باحتلال أراض سورية جديدة.
إذاً الرهان هذه المرة صعب للغاية وسيكون مكلفاً وخطيراً بالنسبة لكل الأطراف، فهل بالفعل روسيا ارتكبت هذا الخطأ مرة أخرى؟ ستحمل لنا الأيام المقبلة جواب هذا التساؤل.