سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

اتفاقية أضنة المشؤومة… أساس اقتطاع الأراضي السورية

حمزة حرب_

على مدار ستة وعشرين عاماً، يعاني الشعب السوري تداعيات اتفاقية أضنة التي أبرمها النظامان السوري والتركي، وأدت إلى اقتطاع أراضٍ سورية، فيما بقيت النوايا لضم أراضي أخرى كعفرين وسري كانيه وكري سبي وغيرها من المناطق المحتلة.
“لا أريد أن أرى سوريا التي استضافتني منذ 19 عاماً، تحت ضغط شديد بسببي. هذا ليس موقفاً مشرفاً” قال هذه الكلمة وخرج القائد أوجلان من سوريا، في التاسع تشرين الأول 1998، واعتقل في مؤامرة دولية في 15 شباط 1999 لتفرض الفاشية التركية على حكومة دمشق حينها اتفاقية مشؤومة أطلق عليها اسم ” اتفاقية أضنة “.
على الرغم من خروج القائد عبد الله أوجلان في التاسع من تشرين الأول 1998 من سوريا متوجهاً إلى اليونان بجواز سفر قبرصي، من أجل التوجه إلى المحاكم الأوروبية، لعرض قضية الشعب الكردي وحلها بالطرق السلمية، إلا أن تركيا لم تقبل سوى باستمرار الضغوط على سوريا، خاصة في ظل مرض رئيس حكومة دمشق السابق حافظ الأسد، وفرضت عليه بالتالي “اتفاقية أضنة”، والتي تم توقيعها في 20 تشرين الأول، أي بعد مغادرة القائد سوريا بـ 11 يوماً لتحاول البناء على هذه الاتفاقية المشؤومة بشرعنة احتلال المزيد من الأراضي السورية وساهم في ذلك تراخي حكومة دمشق الحالية في التعامل مع هذا الواقع الذي يحاول المحتل التركي فرضه على الأرض مستنداً إلى اتفاقية لا يرى فيها السوريون شرعية لأنها ساهمت في تقسيم بلدهم وضحت بجزء من الأراضي السورية كلواء إسكندرون واليوم يتم التمهيد لتعديل هذه الاتفاقية من أجل اقتطاع المناطق المحتلة وشرعنة ضمها لدولة الاحتلال التركي.
رضوخ دمشق للذرائع التركية
بدأت تركيا حشد قواتها على الحدود الشمالية لسوريا، مهددة باجتياحها في حال لم يغادر عبد الله أوجلان أراضيها، وبالفعل جيء بالجيش الثالث، وأصبحت اللاذقية في مرمى نيرانه. تدخّل الرئيس المصري الأسبق حسنى مبارك بالأمر، وبدأ بجولات مكوكية.
وبعد أن شعرت دمشق بتهديد التحالف التركي-الإسرائيلي في العام 1996، ونظراً إلى اعتمادها على مياه الفرات، والضغوط من مصر والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإسرائيل رضخت في نهاية المطاف إلى الضغط التركي، وبعدها غادر القائد عبد الله أوجلان سوريا.
ومع خروج القائد عبد الله أوجلان إلى سوريا، التي كانت تحتضن حركات التحرر العربية والعالمية، بدأت الضغوط عليها من تركيا خاصة في مسائل المياه والحصار ودعمها لحركة حرية كردستان.
وازدادت هذه الضغوط بشكل مكثف عبر إسرائيل، التي كانت تريد حل القضية الكردية وفق رؤيتها، وخاصة بعد توقيع معاهدة تحت مسمى” مكافحة الإرهاب” بين الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، وتركيا، وكان هدفها الرئيسي هو حزب العمال الكردستاني، والقائد عبد الله أوجلان.
يتحدث القائد من خلال تقييماته حول تلك المرحلة: “إسرائيل هي القوةُ الأساسية التي أَخرَجَتني من سوريا. ولا ريب أنّ التهديداتِ السياسيةَ الأمريكيةَ والضغوطَ العسكريةَ التركيةَ أيضاً لَعبَت دورها في ذلك. علينا ألاّ ننسى أنّ إسرائيل كانت ضمن معاهداتٍ سريةٍ مع تركيا منذ أعوام الخمسينات”.
ويقول القائد عبد الله أوجلان في المجلد الأول: “المعادلة التي مهَّدَت لهذه المرحلة بخروجي من سوريا أكثرُ لفتاً للأنظار، فالمفهوم الذي أخرجَني من سوريا يرتكز في مضمونه مجدداً إلى تصادمِ التناقض بين الخط الذي رسمتُه للصداقة، وبين سياسةِ إسرائيل تجاه الكرد، فإسرائيلُ المنهمكة بِرُبُوبِيَّتِها للقضية الكردية، وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية، أضحَت بالغةَ الحساسية تجاهها، لدرجةِ أنها لم تحتمل طراز الحل الكردي الثاني، الذي تَزايَدَ تأثيرُه ووقْعُه متمثلاً في شخصي. ذلك أن طرازي في الحل لم يَكن يتناسب وحساباتِهم على الإطلاق.
ويضيف القائد “لم تَرغَبْ إدارةُ سوريا العربية بتاتاً بتجاوزِ شكلِ العلاقات التي يغلب عليها الطابع التكتيكي مع قيادة PKK، علماً بأن رئاسة حافظ الأسد تحققت اعتماداً على صراع الهيمنةِ بين كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، ومع انهيار السوفييت، لم يكن الوضعُ الحَرِج يساعده في الحفاظ على أية علاقةٍ تكتيكية، فعندما كان (حافظ الأسد) يُحَقِّقُ التوازنَ مع تركيا من خلالي أنا (عبر PKK)، كان يبحث عن ردٍّ إزاء تهديداتِ جمهورية تركيا لسوريا والمبتدئة منذ عام 1958 من جهة، وانحيازها المتطرف لإسرائيل من جهة ثانية”.
وعلى الرغم من مغادرة القائد عبد الله أوجلان سوريا إلا أنه تم توقيع الاتفاقية بعد 11 يوماً من ذلك، لتستغلها تركيا في محاربة الكرد بشكل أساسي بالإضافة إلى تحقيق أطماعها باقتطاع أراضٍ سورية والمضي قدماً لتطبيق اتفاقها الملي بالسيطرة من حلب الى الموصل بدأتها من لواء إسكندرون واليوم تمهد لتكرار السيناريو بعفرين وسري كانيه وكري سبيي وجرابلس ومارع والباب وعموم المناطق المحتلة.
التعريف باتفاقية أضنة
اتفاقية أضنة وُقّعت عام 1998، تضمنت أربعة ملحقات الأول تضمّن أسماء الدول التي رعت الاتفاق بوصاية أميركية وهما مصر وإيران والتي وُقّعها وكيل وزارة الخارجية في دولة النظام التركي أوغور زيال وعدنان بدر الحسين نيابة عن سوريا، والملحق الثاني تضمّن إخراج القائد أوجلان من سوريا، والثالث تضمّن انتهاء الخلافات الحدودية بين الجانبين.
وبموجب هذه الاتفاقية وبخطوة وصفت كوصمة عار على جبين حكومة دمشق حينها تنازلت دمشق عن حق سوريا في المطالبة بلواء إسكندرون الذي احتلته تركيا وضمته رسمياً لحدودها السياسية عام 1939؛ لذلك تم حذف اللواء من الخريطة السورية عام 2004 بشكلٍ رسمي في الخرائط المعتمدة من الحكومة في دمشق.
الملحقات التي لم تكشف تفاصيلها رسمياً تضمنت في الأول منها تعهد سوريا بالتعاون التام مع تركيا في الحفاظ على ما أسمته حينها الأمن القومي التركي، وإنهاء أشكال دعمها لحزب العمال الكردستاني، وإخراج القائد عبد الله أوجلان من دمشق، وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان ومنع تسلل مقاتليه إلى تركيا.
بينما الملحق الثاني نص على أن لتركيا الحق في ممارسة ما تمت تسميته حقها في الدفاع عن النفس وفي المطالبة بـتعويض عادل عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها لحزب العمال الكردستاني فورا، بينما نص الملحق الثالث على عدَّ الخلافات الحدودية بين البلدين “منتهية” بدءا من تاريخ توقيع الاتفاق، دون أن تكون لأي منهما أي “مطالب أو حقوق مستحقة” في أراضي الطرف الآخر. أي عملياً تخلي سوريا عن مطالبتها بلواء إسكندرون نهائياً ومنه يعتبر السوريون على عكس حكومتهم أن هذه الاتفاقية هي اتفاقية إذعانٍ وإخضاع وهي اتفاق لا شرعية لها عندهم.
أما الملحق الرابع على أن لتركيا الحق في ملاحقة مقاتلي العمال الكردستاني في داخل الأراضي السورية، حتى عمق خمسة كيلومترات وإلى الآن تتذرع تركيا بهذه الاتفاقية الأمنية لتوسيع رقعة احتلالها.
دمشق والالتزام المذل بهذه الاتفاقية
دمشق التزمت باتفاقية أضنة على مدار سنوات طويلة، وتعاونت مع الأنظمة التركية المتعاقبة ضد حزب العمال الكردستاني ومقاتليه وضيقت عليهم وعلى أقاربهم وعائلاتهم بقبضة أمنية خانقة، وهذه الإجراءات كانت كفيلة بـ”بناء الثقة” وتوطيد العلاقات بين تركيا وسوريا في الأشهر الأخيرة من حكم حافظ الأسد، وتعززت ووصلت إلى أعلى المستويات عندما تسلم السلطة بشار الأسد، الذي زار تركيا سنة 2004، لتكون أول زيارة وصفت بـ”التاريخية” لرئيس سوري منذ الاستقلال سنة 1946.
ومع تسلم بشار الأسد الحكم، نمت العلاقات السورية – التركية وقام وقتها باعتقال عشرات الناشطين الكرد وشدد القبضة الأمنية، وأصبحت هناك علاقة شخصية قوية بين الأسد الابن وأردوغان تمثلت بزيارات بين الطرفين، كما تخلى بشار الأسد عن كثير من المصالح السورية إرضاء لأردوغان وأبرزها فتح الأسواق السورية للبضائع التركية ما أثر ذلك بشكل سلبي على الصناعات السورية وخصوصاً الحلبية.
وفي 22 كانون الأول 2010 وقّع وزيرا خارجية دمشق وليد المعلم، وتركيا أحمد داود أوغلو، اتفاقية أمنية اعتُبرت، في مقدمتها، على أنها “تعديل” لاتفاقية أضنة، وذلك بتشديد الإجراءات وتوسيع التعاون ضد الكرد وما وصفهم بالجماعات الإرهابية الأخرى.
تساهل حكومة دمشق مؤخراً مع تركيا ساعد الأخيرة على التغلغل في المجتمع السوري واستغلت ذلك عند انطلاق الأزمة السورية في عام 2011 حيث كان صديق بشار الأسد القديم، رجب طيب أردوغان أول من عمل على إسقاط نظامه واحتلال الأراضي السورية.
ومع دعم تركيا للجماعات المرتزقة في سوريا، لم تتمكن حكومة دمشق من تثبيت وجودها وحماية المنطقة وانسحبت إلى مناطق رأتها أكثر أهمية وفائدة، هنا نظم الكرد أنفسهم، وشكلوا أحزاباً سياسية وقوات عسكرية تطورت فيما بعد لتشكل نواة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والتي تضم مختلف مكونات المنطقة الآن.
واستغل أردوغان هذه الاتفاقيات لتبرير تدخله في الأراضي السورية إلا أنه ناقض هذه الاتفاقيات فيما بعد حيث تنص هذه الاتفاقيات على التنسيق والتعاون المشترك ما بين تركيا ودمشق إلا أن تركيا حاربت جميع من وقف بطريق تحقيق أهدافها بما فيه الجيش السوري وعلى عكس الاتفاقيات التي اشترطت سيطرة قوات حكومة دمشق على الحدود السورية فقد احتل الجيش التركي مناطق إدلب والباب وجرابلس وإعزاز والراعي وعفرين وسري كانيه وكري سبي، وبحسب هذه الاتفاقيات يجب على الجيش التركي الانسحاب من هذه المناطق.
وأثبتت الأحداث أن الأطماع التركية في الأراضي السورية تعود إلى مرحلة استقلال البلاد وما قبلها ومنذ ذلك الوقت كانت تبحث تركيا عن أي فرصة تسنح لها لتحقيق هذه الأطماع، وسعت خلال تلك الفترة إلى تحقيق ذلك تارة عبر القوة وتارة أخرى عبر خداع الأنظمة الحاكمة لسوريا عبر إقامة علاقات وإبرام اتفاقيات خبيثة تشرعن تدخلها عندما تحين الفرصة.
الآن ومع فشل أردوغان ونظامه في إسقاط حكومة دمشق وعرقلة الإدارة الذاتية لمشروعه في دعم الإسلام السياسي والإرهابيين، تحاول دولة الاحتلال التركي إبرام اتفاقية جديدة ومعدلة لاتفاقية أضنة تطمح من خلالها وبخبث لإبقاء احتلالها المناطق السورية، كما حصل بخصوص لواء إسكندرون وإدخال أدواتها من الائتلاف والمجموعات المرتزقة في العملية السياسية.
فاتفاقية أضنة لم تجلب لسوريا سوى الدمار الاقتصادي والسياسي والعسكري، وما نراه اليوم من أحداث مؤلمة في سوريا تعتبر الحلقة الأولى من مسلسل نتائج اتفاقية أضنة، وهنا لابد من الذكر بإن كلا البلدين ونظامهما البعثي العفلقي لم يجلبا أية مكتسبات لشعبيهما من خلال اتفاقياتهم سوى الخراب والدمار”.