سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

إِسقاط طائرة تُركيّة فوق كركوك: رسالة عراقيّة – أمريكيّة حازِمة إلى تركيا

كاوه نادر قادر_

قام سلاح الجو العراقي بإسقاط طائرة مُسيّرة تركيّة مُتطورة من نوع “أكسونغور” باستخدام منظومة الدفاع الجوي الفرنسية “بانتسير”، حيث تم إطلاق خمسة صواريخ نحوها قُرب منطقة “جيمن”. وفقاً لما ذكره العميد عبد السلام رمضان، نائب قائد الدفاع الجوي للمنطقة الشمالية، وبيان الخلية الإعلامية الأمنية للقوات المشتركة العراقية، “في الساعة 9:30 صباحاً من يوم الخميس 29 آب2024، رصد الدفاع الجوي العراقي طائرة مُسيّرة ضمن قاطع قيادة عمليات كركوك، وفي الساعة 10:30، تم إسقاطها داخل مدينة كركوك بالقرب من أحد المنازل السكنية في حي تسعين.
تطورات الأحداث وتبعاتها
تبيّن بعد إسقاط الطائرة أنها كانت مُجهزة بِمُعدات متطورة للتجسس وأدوات لرصد وتتبع الأهداف الأرضية، بالإضافة إلى قدرتها على حمل صواريخ هجومية. وفقاً لبعض المصادر الصحفية، “كانت الطائرة تحمِل أسلحة فوسفورية ويُشتبه في أنها كانت على اتصال بداعش الإرهابي”. يعزز هذا الاشتباه تصاعد تحركات داعش في الأيام القليلة الماضية، مما يدعم النظرية بوجود علاقة بين الطائرة وداعش.
تأتي هذه العملية في سياق عدة تطورات مهمة:
التوترات العراقيّة – التركيّة: جاءت العملية بعد توقيع مُذكرة تفاهم أمني وعسكري بين بغداد وأنقرة في 15 آب 2024، والتي كان من المتوقع أن تعزز التنسيق بين البلدين؛ لضبط الحدود من خلال تقديم تركيا لمياه العراق مقابل مكافحة حزب العمال الكردستاني (PKK) ومع ذلك، يبدو أن الاتفاقية لم تحقق أهدافها المنشودة، خاصةً مع استمرار تركيا في توسيع عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية، بما في ذلك إقليم كردستان (دهوك).
الأطماع التركيّة في المنطقة: تسعى تركيا إلى التأثير في الشؤون السياسية والإدارية لمناطق ذات أهمية استراتيجية، مثل ولاية الموصل السابقة، التي تحتوي على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز. تعزز أنقرة نفوذها بدعم بعض الفصائل والجماعات السياسية المحلية المتوافقة مع مصالحها، مما يثير قلق بغداد ويعمق الانقسامات الداخلية.
التطورات السياسية في كركوك: يشير إسقاط الطائرة إلى محاولة تركيا التدخل في الشؤون الداخلية لمحافظة كركوك، حيث شهدت المحافظة مؤخراً انتخاب محافظ كردي، (ريبوار طه) من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) وتتهم أنقرة الحزب بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني (PKK) واحتضان مقاتليه في مناطق نفوذها بمحافظة السليمانية. ردت تركيا بمحاولة عرقلة عمل الحكومة المحلية الجديدة في كركوك من خلال توجيه قيادة المكون التركماني العراقي بعدم الاعتراف بالحكومة الجديدة والامتناع عن المشاركة فيها. ولهذا الغرض، تم استدعاء “حسن طوران”، رئيس ما يُسمى “الجبهة التركمانية العراقية” الموالي لتركيا إلى أنقرة لبحث التطورات في كركوك، وعلى هذه الخلفية، نُظر إلى إطلاق تركيا لطيرانها المُسيّر في أجواء كركوك باعتباره تحرشًا بالحكومة المحلية وإنذارًا لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
الرسائل والدلالات الاستراتيجية للعملية
ـ تحذير عراقي واضِح: إسقاط الطائرة يُمثّل رسالة تحذيرية لتركيا بضرورة احترام السيادة العراقية وعدم تجاوز الحدود المُتفق عليها. يعكس هذا التحرك تصاعد التوترات بين بغداد وأنقرة وزيادة القلق العراقي من تجاوزات تركيا المتكررة تحت ذريعة مكافحة  :(PKK)
ـ تفاهم ضمني مع الولايات المتحدة: يشير الحادث إلى احتمال وجود تفاهم أو دعم أمريكي ضمني للعملية العراقية كوسيلة للضغط على تركيا بشكلٍ غير مباشر. هذا قد يعكس رغبة أمريكية في استخدام حلفائها في المنطقة لتحقيق أهداف سياسية دون التورط المباشر.
ـ إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية: استخدام منظومات دفاعية غربية مثل “بانتسير” الفرنسية قد يكون دليلاً على رغبة الولايات المتحدة في إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة وتوجيه رسائل واضحة لتركيا بشأن تدخّلاتها الإقليمية. كما يمكن أن يشير إلى استياء أمريكي من السياسات التركية الأخيرة في المنطقة.
في النهاية، يعكس هذا الحادث تعقيدات العلاقات والتوازنات الإقليمية، ويشير إلى أن الولايات المتحدة قد تسعى لإعادة ترتيب الأولويات والتحالفات بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.