No Result
View All Result
المشاهدات 5
تحقيق/ فيروشاه أحمه –
بالرغم من تعدد أشكال العمامات والعباءات في إيران إلا أنها تنتهج سياسة أحادية الجانب تجاه شعوب المنطقة، والعالم بأسره، فمنذ مجيء الخميني 1979م وسقوط حكومة الشاه تبنت فكراً ومذهباً خاصاً بها، ومارست خلالهما استراتيجية تجاه كل الأنظمة والحكومات في المنطقة وكأنها تريد إعادة عصر امبراطوريات فارسية أكل عليها الدهر وشرب.
هذا التحول الخطير في المجتمع الإيراني الذي عاش في ظل حريات عامة وثقافات متعددة وسياسات أقل عدوانية، وما أجج هذا العدوان أكثر الحرب التي أعلنتها العراق قبل أن يسترد النظام الإيراني أنفاس استراحته، وهو منتش بسقوط الشاه، ولأنها قوة عسكرية قوية في المنطقة لم تستسلم أمام غطرسة العراق الحديثة، وتتالت الأحداث السياسية على إيران من كل حدب وصوب، وكانت وما زالت تحاول أن تتعامل مع كل أزماتها الداخلية والخارجية بسياسات لينة أحياناً وصلبة أحياناً أخرى.
إيران كمنظومة مذهبية مختلفة عن أغلب الدول العربية والإسلامية من حيث المذهب أولاً والسياسات المختلفة ثانياً تبنت العداء لكل مختلف وأن بعدت المسافات، هذه العدوانية في سلوكها تجاه شعوبها وشعوب المنطقة نتاج بنية تحتية قوية وقوة بشرية أعلنت تمسكها بنظرية ولاية الفقيه، التي تسهل لكل مواطن أن يرتقي ويتسلق في الرتب الاجتماعية والدينية والسياسية.
أول ثورة مدنية في إيران
قد لا يروق للبعض بأن لحكومة رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق تداعياتها السياسية والاجتماعية حتى الآن، ففي عام 1953 وخلال عملية (اجاكس) تأمرت الاستخبارات البريطانية والأمريكية والشاه بخلع مصدق وإنهاء حكومته بعد محكمة صورية، ولم يتوان الجنرال فضل الله زاهدي بقصف منزل مصدق وسط طهران والحكم عليه بالمؤبد ثم خفف إلى ثلاث سنوات وإقامة جبرية مدى الحياة، ناهيك عن اغتيالات لشخصيات من حزبه.
عمل مصدق من خلال حكومته على شقين الأول إعادة العمل بدستور 1905م الذي يلزم الشاه بتسليم البروتوكولات والمراسم بينما يتولى الحكم رئيس مجلس الوزراء المنتخب جماهيرياً، والشق الثاني كان متعلقاً بتأميم النفط وإخراجه من هيمنة الشركة الأنجلو ـ إيرانية، وتعتبر حكومة مصدق أول ثورة مدنية في إيران والشرق الأوسط، لهذا كله تآمر الداخل والخارج على إسقاط حكومته.
عودة الشاه وسياسة الحزب الواحد
لم يتسلم محمد رضا بهلوي السلطة في إيران بوسائل ديمقراطية (انتخابات) أو سلمية، بل كان تسلمه للسلطة في ظروف كثرت فيها القلاقل والاضطرابات والتداخلات التي كانت تعصف بالعالم والمنطقة، ونتيجة هذه التدخلات في شؤون إيران الداخلية لم تهدأ الاضطرابات فيها، وبخاصة حين ألزمت حكومة مصدق الشاه بمغادرة البلاد. لكن؛ بمؤامرة خارجية عاد ثانية واستعاد العرش عام 1953م، وفور عودته ألغى الأحزاب السياسية وحافظ على الحزب الحاكم، وشدد قبضته على كل نشاطات الشعب من خلال الأمن السري (سافاك) ورغم الانتعاش الذي ظهر في عموم إيران إلا إن الأحوال بقيت مضطربة وبخاصة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال على يد أحد أعضاء (توده) الحزب الشيوعي المحظور.
تحت وطأة الأحداث المتلاحقة في المنطقة والعالم ساهمت إيران في تشكيل حلف بغداد الذي ضم بريطانيا والعراق وتركيا وباكستان للوقوف في وجه التمدد الشيوعي في الشرق الأوسط، وبقيت إيران لاعباً رئيسياً في رسم سياسات المنطقة وتحولاتها الاقتصادية بدعم من أمريكا التي تبنت حكومة الشاه.
الكرد في ظل نظام الشاه
لا يمكن الحديث بعجالة عن تاريخ الكرد قديماً وحديثاً والذي يمتد آلاف السنين قبل الميلاد، بل يمكن المرور بعناوين رئيسية حول الحركة الكردية السياسية منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي، الذي استخدم أبشع الوسائل ضد الكرد، من خلال تهميشهم من المشهد السياسي الإيراني، وحصارهم في مناطقهم النائية، هذه الممارسات بحق الكرد قديمة منذ قيام الدولة الأخمينية 535 قبل الميلاد وحتى الآن كونهم ينتمون لأبناء ميديا.
ففي عام 1943 تشكل حزب كردي باسم (لجنة الشباب الكردي) وسرعان ما تحول إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني KDPI 1945 بقيادة “قاضي محمد” الذي طالب بالحكم الذاتي وحظي هذا المطلب بتأييد من السوفييت، وشكل الحزب خطراً على الحكومة الإيرانية التي تصدت وبكل وحشية لجمهورية مهاباد والقضاء عليها وإعدام رئيسها قاضي محمد، رغم حجم المأساة لم تتوقف الحركة من عملها السياسي والعسكري حين تبنى وفاقاً مع الديمقراطي الكردستاني في العراق، لكن بسبب تسارع الأحداث الدموية والتوترات المتصاعدة في المنطقة انهار هذا الوفاق عام 1967م، وجدد الحزب نشاطه أكثر من خلال تجدد نهجه وسلوكه واختيار عبد الرحمن قاسملو رئيساً له، تحت شعار الديمقراطية لإيران والاستقلال الذاتي لكردستان.
لهذه الأسباب وغيرها، اتخذ الحزب موقفاً محايداً من الحرب العراقية الإيرانية التي لا ناقة للكرد فيها ولا جمل، في الوقت نفسه؛ أضمر نظام الملالي موقفاً عدائياً منه، وبعد انتهاء الحرب استدرج النظام الإيراني عبد الرحمن قاسلمو للتفاوض من أجل إنهاء المشكلة وإعطائها حقها المشروع، لكن الأمن السري الإيراني (الباسيج) كان الأقرب من كل الحلول حين اغتالوا قاسملو ورفاقه في فيينا عام 1989م.
بعد انتهاء الوفاق بين الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الإيراني والديمقراطي الكردستاني العراق في 1967 تم الإعلان عن تأسيس الحزب الثوري لشغيلة كردستان (كوملة) وهي مجموعة كردية معارضة ذات توجه يساري تهدف إلى الانفصال عن نظام الشاه، وتبنى استراتيجية الانتماء إلى الحركة الثورية الكردستانية، معتمداً على نهج يتضمن تشكيل حكومة فيدرالية وتأسيس سلطة الشعب في كردستان.
الكرد في ظل الخميني والإعدامات بحقهم
الكرد في روجهلات كردستان وإيران من أقدم شعوبها التي تتميز بتاريخ ولغة وثقافة مختلفة عن كل شعوب إيران، وقد تبنت الحركة السياسية الكردية هناك نهجاً وأيديولوجية تطالب من خلالهما بالحقوق القومية المشروعة للكرد.
حين عودة الخميني من منفاه (باريس) أقر بحقوق القوميات والأقليات، تهيأت النفوس قليلاً لدستور جديد يقر بذلك، لكن المتشددون في الحكومة الجديدة لم يسمحوا لهذه الفرصة بالحياة، وهذا ما جعل أبواب الحروب مشرعة من جديد بين النظام والكرد والتي دامت عشر سنوات.
وتبقى لاتفاقية الجزائر وقعها الخاص في تاريخ الكرد والمنطقة، الاتفاقية المخضرمة التي عاصرت نظامين مختلفين في الشكل متشابهين في المضمون والمعنى، هذه الاتفاقية التي وقعها الشاه محمد رضا بهلوي وصدام حسين في الجزائر عام 1975م حين توقف الشاه من دعم ثورة الكرد في باشور كردستان بقيادة البارزاني مقابل تنازل العراق عن شط العرب وترسيم حدود وفق إرادة الشاه (خط القعر) هذه الاتفاقية ما زالت تمثل وصمة عار في تاريخ السياسة العراقية والإيرانية.
أنتهز صدام حسين حداثة الانقلاب في إيران وخرق الاتفاقية بإعلان حرب دامت ثمان سنوات، خلفت مليون قتيل ومئات الآلاف من الجرحى وملايين اليتامى والأرامل بالإضافة إلى خراب ودمار البنية التحتية وقد كلفت الحكومتين “400 مليار دولار”.
وما زال نظام الملالي يعلق شباب الكرد بأعمدة المشانق في كل صباح، ويزج بهم في السجون والمعتقلات ويلاحق كل ناشط في سبيل حريته.
مشروع الهلال الشيعي
الهلال الشيعي مصطلح سياسي ومذهبي، أطلق على المناطق ذات الغالبية الشيعية، وقد أكد الملك عبد الله الثاني ولأول مرة على خطورته وأبدى تخوفه من استراتيجيته إذا ما تسلم العراق حكومة موالية لإيران، ولم يتأخر حسني مبارك ومسؤولين سعوديين عن إبداء تخوفهم من هذا المصطلح الذي تعول عليه إيران بإنشاء منطقة تمتد من البحر الأبيض المتوسط وسوريا ولبنان والعراق وصولاً لليمن وحتى السودان وإلحاق هذه الدول بها. انطلاقاً من هذه الأسباب مهما يحاول الساسة الإيرانيون إخفاء أطماعهم في المنطقة وإبراز دورهم الإنساني والاجتماعي فالدلائل تؤكد بأنهم تبنوا خارطة سياسية لدولة الشيعة الكبرى، ومع ظهور الحوثيين في اليمن بدأ المخطط بالتنفيذ من خلال التقسيم الحاصل والمتصاعد في البنية الاجتماعية والسياسية لأغلب الدول في المنطقة، بذات السياق يمكن العودة إلى بدايات هذا الهلال الذي هو تكريس لمشاريع سياسية أخرى.
فمشروع الشرق الأوسط الجديد الاستعماري الذي ولد بعد تقسيم المنطقة عام 1918، وتوضح ملامح المشروع الشيعي بعد الهجمات التي تعرضت لها أمريكا عام 2011 حينها أعلن البروفيسور الأمريكي صامويل هنتنكتون عن مشروع (صدام الحضارات) بينما أكد (برنارد لويس) مستشار بوش الابن على ضرورة إحياء وتفعيل المخطط على أسس عرقية ومذهبية.
تسارعت الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة جاءت لتدعم مفاهيم وسياسات هذا المشروع وبخاصة بعد سقوط صدام حسين في العراق وعلي عبد الله صالح في اليمن والأزمات المتلاحقة التي ترهق سوريا ومصر ولبنان منذ سنين، وما يؤكد مصداقية المشروع الشيعي قول قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري: “إن تدخلات إيران في اليمن وسوريا تأتي في اطار توسع خارطة الهلال الشيعي في المنطقة” وبمجرد قراءة بسيطة لها الكلام نجد بأن المشروع بات أمراً وواقعاً سياسياً مسلم به.
إيران تتوسع…أين وكيف؟!
من العراق والفوضى التي ألمت بها بعد الغزو الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين 2003م. دخلت إيران هذه الأجواء واستغلت ضعف بنيتها الفوقية والتحتية وخلافاتها القومية والمذهبية والطائفية ففرضت هيمنتها ونفوذها على مناحي الحياة العراقية كافة، حين دعمت المليشيات الشيعية وعملت على إيصال القادة الموالين لها لسدة الحكم، لم تكتفي بذلك، بل أدخلت الآلاف من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني في القتال كي تسهل لنفسها التدخل في كل صغيرة وكبيرة.
بذات السياق لم يتأخر الساسة في إيران من عبور العراق إلى العمق العربي واستغلال شعوبها وساستها، فمن بغداد انطلقت لدمشق ودعمت النظام بعد انطلاق الأزمة السورية في 2011 ، مصالح إيران في سوريا تلزمها بالوقوف ومساندة ودعم النظام سياسياً وعسكرياً، لم تكن رحلة إيران في سوريا مخملية بقدر ما كانت دموية فقد فقدت نتيجة هذا التدخل الآلاف من مقاتليها والمليارات من الدولارات من خزانتها.
ما يدعو للحيرة السياسية في بنية هذا النظام المعمم أنهم لا يرتوون من دماء الآخرين المختلفين عنهم، فها هي تقفز من بيروت إلى ساحات اليمن تدعم المعارضة الحوثية عسكرياً ومادياً، زد على ذلك فقد أربكت السعودية أيضاً كونها تعيش متاخمة لها، فزجت قواتها الجوية في المعارك الحاصلة هناك، هذا التدخل شكل تناحراً سياسياً بين طهران والرياض، بل تطور إلى توترات وتجاذبات بين الطرفين، بهذا التباين بين السعودية وإيران انقسم العرب فصارت عربين، عرب مع قم وعرب مع مكة، ولكن لا بد من تساؤل واحد، إلى متى تستطيع إيران تحمل أعباء هذه التدخلات في دول المنطقة؟.
بكل تأكيد لا يمكن لإيران وحدها أن تتحمل هذه الأعباء، فمع بداية ثورات ربيع شعوب المنطقة صرفت عشرات المليارات من الدولارات من خلال إمداد حلفائها بالسلاح، والشعب الإيراني أحوج لهذه الأموال، وهو يعيش تهميشاً وفقراً وبطالة، وتبقى الاعتصامات والمظاهرات في الداخل الإيراني السلاح الأقوى بتوقف هذه التدخلات والخروج من دول المنطقة.
من الأعباء المادية التي أثقلت كاهل النظام في إيران جراء تدخله في دول المنطقة إلى آلاف مقاتليها وهم يرجعون إلى بلادهم جثث هامدة، ثمة سؤال يراود أذهان شعوب المنطقة، إلى متى هذا الكابوس يخيم على صدورهم؟
من الناحية التاريخية تجد إيران نفسها كما كانت إمبراطورية تلتهم شعوب المنطقة ولا تكترث بالأعباء، ففي الوقت الذي كانت تنافس الروم والإغريق بتقاسم خيرات الشعوب، تجد من الواجب التاريخي أن تنتهج هذا السلوك الآن.
ولا يخفى على أحد أن مشروع الهلال الشيعي الذي يدعو إلى تفكيك وتجزئة الدول والشعوب متوافق مع مشروع الأنظمة المهيمنة (الشرق الأوسط الجديد) الذي يحمل في طياته مبدأ تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم، وكأن إرادة هذه الشعوب أصبحت مرتبطة بمشيئة الأنظمة الحاكمة، وهذا ما لم تحسبه هذه الأنظمة بأن إرادة الشعوب هي الأقوى ولا بد أن تنتصر ولو بعد حين.
المراجع.
مختصر تاريخ الأكراد والثورة الكردية ……………عبدالجواد سيد.
الحركة الكردية في العصر الحديث ………………. جليلي جليل.
جريدة واشنطن بوست …………………………..الملك عبدالله الثاني (حديث)
جريدة اليوم السابع ………………………………. رامي نوار ـ هدى زكريا.
No Result
View All Result