الدرباسية/ نيرودا كرد ـ يتجه “إدريس برو” كل صباح إلى محله الصغير في مدينة الدرباسية، ليبدأ باستقبال زبائنه بابتسامته المعهودة، وهو يمارس مهنته اليدوية التقليدية، التي تمسك بها لأكثر من ربع قرن، وغير ناوٍ عن التخلي عنها.
حالما تتركز أنظار العاملين في عالم الموضة على الأحذية الفاخرة والعصرية، تظهر مهنة إصلاح الأحذية ملاذاً للحرفيين الذين يحترمون التقاليد والمهارات اليدوية القديمة، فإصلاح الأحذية فن ومهنة تتطلب الدقة والموهبة والتفاني من الحرفيين في إعادة إحياء وتجديد الأحذية ببراعة.
حرفة عريقة
ويعكس إصلاح الأحذية تراثاً حرفياً عريقاً يتوارثه الحرفيون من جيل إلى جيل، ويعبر عن اهتمامهم بالتفاصيل والجودة، حيث يقوم حرفيو إصلاح الأحذية بتصحيح المعطل والمعوج، وتغيير الكعب، وتبديل النعل، وإعادة تلميع الجلد ليبدو الحذاء جديداً تمامًا.
بالإضافة إلى الجانب الحرفي والجمالي، فمهنة إصلاح الأحذية أيضاً استدامة واقتصادية، فيمكن إصلاح الأحذية وإعادة استخدامها بدلاً من شراء أحذية جديدة؛ ما يحافظ على الموارد ويحد من تأثيرات صناعة الملابس على البيئة.
ومن خلال توجيه الضوء نحو حرفة إصلاح الأحذية، نكرم الحرفيين ونرسخ القيمة الحقيقية للمهارات اليدوية والابتكار. إنهم الحراس الصامتون لتراث الأحذية القديمة والحديثة، وهم مثال للصبر والاجتهاد في عالم يتسارع فيه الزمن، وهم يبذلون جهودهم للحفاظ على جمالية القدم وأناقتها بأرضية ثابتة تحمل تاريخاً وتقاليد.
البدايات
“إدريس برو“، ابن بلدة القرمانية التابعة لمدينة الدرباسية في مقاطعة الجزيرة، أحد الأشخاص، الذين حافظوا على هذه المهنة، وذلك لما تركته من تأثير كبير في نفسه، خاصةً، وإنه اعتمد على ذاته في تعلمها، من ألفها إلى يائها، دون استشارة أو مساعدة أحد.
وللحديث أكثر عن تاريخ هذه المهنة ومعانيها، التقت صحيفتنا “روناهي”، صاحب أقدم محل لإصلاح الأحذية في مدينة الدرباسية “إدريس برو”: “بعد أدائي الخدمة الإلزامية عام1997، بدأت رحلتي للبحث عن عمل أكتسب منه رزقي، لأني لا أحتمل الجلوس دون عمل”.
وتابع: “وفي يوم من الأيام، كنت في زيارة إلى منزل أختي في بلدة زركان، وقلت لها إنني أبحث عن عمل، فأخبروني أن بلدة زركان تفتقر لمصلح للأحذية، فعدت واستشرت والدي في الموضوع، فأيدني وشجعني على البدء بالعمل”.
وأضاف: “ومنذ اللحظة الأولى، بدأت العمل بمفردي، ولم أتلقَ أي تدريب من أي شخص، أي أنني اعتمدت على ذاتي في تعلم المهنة، ولم يأخذ مني ذلك وقتاً طويلاً، فسرعان ما أتقنت المهنة وبدأت العمل بها رسميا”.
وزاد: “وفي نهاية عام 1998، انتقلت لافتتح محلاً في مدينة الدرباسية، خاصةً وإن أهلي ومسكني كانوا في بلدة القرمانية التابعة لمدينة الدرباسية، وقد بدأت عملي في الدرباسية متنقلاً بين عدة محلات كنت استأجرها، إلا أنني منذ قرابة خمس سنوات اشتريت محلي هذا”.
مهنة مستمرة
وفي معرض حديثه، أشار برو إلى أنه على الرغم من التطور الحاصل في مختلف المجالات عموماً، ومن ضمنها ما درج من موضات للألبسة والأحذية، إلا أن مهنته لا تزال تحافظ على ذاتها في مدينة الدرباسية، حيث لا يزال الأهالي يتوجهون لإصلاح أحذيتهم بدل من استبدالها بأخرى جديدة.
ولفت، أن حبه لعمله يمنعه من الاستغناء عنه، ويشجعه على اتقانه، فهو يرى بأن حب المهنة هو السر الأول في إتقانها.
وتابع: “وإلى جانب إصلاح الأحذية، فإنني أبيع في محلي مختلف مستلزماتها، كـ “الضبانات والرباطات” وغيرها، وذلك لئلا اضطر لشراء هذه الأمور من السوق العادية، فذلك سيأخذ مني وقتاً قد يؤثر على مدة إصلاح الحذاء.
صعوبات العمل
ويعاني برو في عمله من بعض الصعوبات، والتي تتمثل بالدرجة الأولى في ندرة قطع التبديل اللازمة لماكينات الخياطة التي يستعملها، حيث ينتظر بعض الأحيان لأكثر من شهر كي يؤمن قطعة ما، تلزمه لاستئناف عمله، ويرجع ذلك إلى بعد المسافات بينه وبين التاجر المستورد، ويرى أن هذا الأمر يؤثر على عمله بعض الشيء، فلا يستطيع القيام بالكثير من الأعمال إذا تعطلت إحدى ماكيناته.
واختتم صاحب أقدم محل لإصلاح الأحذية في مدينة الدرباسية “إدريس برو” حديثه: “أنا كشخص تعلقت بهذه المهنة وأحببتها، لذلك صبرت على كل المحن والمصاعب التي واجهتني خلال مسيرتي العملية”، مضيفاً: “فيجب على كل من يود امتهان هذه المهنة، أو غيرها من المهن، أن يحب مهنته أولاً، وأن يتحلى بالصبر وألا يستسلم أمام الصعوبات التي تواجه طريقه”.