د. علي أبو الخير
في حواره مع جريدة “المصري اليوم” المصرية، يوم 5 تشرين الثاني 2024، قال “عمرو موسى” الأمين العام للجامعة العربي “إن خطة الشرق الأوسط الجديد، وصلت لمرحلة التنفيذ، وهو قول فيه من الصواب والخطأ، ولكن في النهاية يُعيدنا للحديث حول السلام بين مصر والكيان، فقد مضى سبعة وأربعين عاماً ،على زيارة الرئيس أنور السادات للكيان الصهيوني، إذ فاجأ الرئيس السادات الشعب المصري والوطن العربي والعالم، حين قال في خطابه أمام مجلس الشعب (البرلمان) يوم 9 تشرين الثاني 1977: “ستُدهَش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول أمامكم إني مُستعد إلى الذهاب لبيتهم نفسه، إلى الكنيست الإسرائيلي ذاته”.
وهو ما رحَّب به رئيس الوزراء آنذاك “مناحيم بيغن” والأميركيون، وتم تحديد يوم السبت الموافق 19 تشرين الثاني 1977، وبالفعل في ذاك اليوم هبطت طائرة الرئيس السادات، في مطار بن غوريون في “تل أبيب”، وزار السادات الكنيست الإسرائيلي، وألقى خطاباً أكدَّ فيه أن السلام في الشرق الأوسط ممكن، لكنه بحاجة إلى زعماءٍ شُجعان.
رفض الزيارة
حدثت أمور كثيرة، منها تظاهرات في مصر وخارجها ضدّ الزيارة، ولكن وفي النهاية، ونتيجة لزيارة السادات للقدس، تم توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي “مناحيم بيغن” في 17 أيلول عام 1978، وكان من نتيجتها مُقاطعة عربية كاملة لمصر، وشبه كاملة مع العالم الإسلامي؛ لأن الاتفاقية نصّت في ما نصّت على: “إنهاء حال الحرب بين البلدين – انسحاب إسرائيل من سيناء على مراحل خلال ثلاث سنوات – إقامة علاقات طبيعية وودّية بعد المرحلة الأولى من الانسحاب – خفض التواجد العسكري للبلدين على الحدود”.
المواقف الشعبية المصرية والعربية نابعة من الضمير الديني والقومي معاً، صحيح في داخل مصر، كثيرون من طوائف الشعب المصري، رأوا أو اعتقدوا أن الزيارة ستؤدّي إلى السلام في المنطقة، وتكفُّ نار الحرب، التي لم تهدأ منذ العام 1948، وأن مصر قدّمت مائة ألف شهيد دفاعاً عن القضية الفلسطينية، وأنها تمكّنت من هزيمة الكيان الصهيوني والعبور فوق الهزيمة، وعبور قناة السويس فانهار خط بارليف، وتحرَّر جزء من الأرض عام 1973، وقالوا لا مانع من استكمال تحرير سيناء بالسِلم من دون إراقة الدماء، تلك رؤية كان لها بالفعل أنصارها، وروَّجها النظام، ومؤيّدوه: المؤسّسة الدينية الأكبر، أي الأزهر الشريف – الصحف – المجلات – التلفزيون…إلخ.
ولكن في المُقابل؛ رأى غالبية المصريين، إن الصهيونية لا أمان لها، وأن الكيان الصهيوني لن يتوَّرع عن إخراج مصر من دائرة الصِراع، ومن ثمّ يمكن إثارة الحروب مع الدول العربية الأخرى؛ لأن الكيان الصهيوني استغلّ السلام مع مصر، فحدثت الهزائم المُتتالية للدول العربية، غزو إسرائيل للبنان ودخول بيروت عام 1982 – غزو واحتلال صدّام حسين للكويت 1990 – اتفاقية أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل 1993 – اتفاقية سلام “وادي عربة” بين الأردن والكيان الإسرائيلي 1994 – مبادرة السعودية في مؤتمر القمّة العربية عام 2002 في بيروت للاعتراف بالكيان الإسرائيلي في مقابل دولة فلسطينية تمنع عودة اللاجئين ، ولا تعترف بالقدس الشريف عاصمة لها – غزو واحتلال أميركا للعراق عام 2003.
ديمومة المؤامرة
هذا لم يمنع استمرار المؤامرة، فكان الأخطر هو ما حدث منذ العام 2011، عندما اندلع ما أسموه “الربيع العربي”، ولكنه كان خريفاً بائساً مروّعاً، فقد كاد يتحقّق ما كتبه الصحفي البريطاني، “جوناثان كوك” في كتابه “إسرائيل وصراع الحضارات”، كيف استغلّ المُتطرّفون في إسرائيل صدمة الحادي عشر من أيلول 2001، لتعميق التمزّق العِرقي والطائفي في منطقة الشرق الأوسط، فيرجع الكاتِب هذه الخطّة لأيام حُكم “ديفيد بن غوريون” قبل أكثر من ستين عاماً، والتي شرحها الكاتِب الإسرائيلي “أوديد ينون”، في مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية لعام 1982 بقوله: “علينا تحويل العالم العربي لموزاييك مُفكّك من مجموعات عِرقية وطائفية ضعيفة، يمكن أن تستغلّها إسرائيل كما تشاء… كما علينا تحويل مصر لنمرٍ من ورق، والعمل على تحطيمها اقتصادياً، وتفكيكها بصراع بين الأقباط والمسلمين، وبإضعاف مصر الموحّدة للعرب، ستستطيع إسرائيل تفتيت باقي دول المنطقة، من المحيط إلى الخليج، والسيطرة عليها، لحماية وجودها…”، وهي نفس رؤية الكاتب الصهيوني الراحل “برنارد لويس”، وقد حدث هذا كله في ظلّ السلام المصري مع الكيان الصهيوني، ويمكن تلخيص هذا كله، في أن المؤامرة تعتمد على حلفاء من الداخل الإسلامي والخارج الصهيوني، فقد تحالف الإرهاب الوهّابي الداعشي التكفيري مع الرؤية الصهيونية القائمة على تمزيق الدول العربية.
الأمة الديمقراطية تمنع الحرب وتُشرّق بالسلام
ليتحقق السلام ويسود الهدوء، لابد من نظرة جديدة ورؤية متفائلة، هي فكرة الأمة الديمقراطية، التي توحّد الشعوب وتمنع الحروب، طالما هي تساوي بين المواطنين على أسس الأمة التي تتبنى النهج الديمقراطي، وفكرة ورؤية المفكر القائد عبد الله أوجلان، الذي قاتل بشرف وانتصرت مبادئه، وهو داخل جدران السجن، ولقد رأينا السلام يخدم الكيان الإسرائيلي، واليوم تمارس الصهيونية أقذر أنواع العنصرية، وعدم التورع عن قتل الأبرياء وحرق الأرض بحماية أميركية وأوربية، ونعتقد أن الكيان سيفشل، وهذا يعود للموقف المصري، الذي منع تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة، خاصةً إذا علمنا أن التواجد العسكري المصري موجود وبكثافة في المنطقة “ج” حيث تنص اتفاقية السلام على عدم وجود قوات من الجيش المصري فيها، وذلك الوجود المصري يُعتبر ضد مصلحة الكيان، فكم للحرب من إشراقات؟ وكم للسلام من تكاليف للحفاظ عليه، بما في ذلك خوض الحرب ليتحقق السلام؟ والأمة الديمقراطية هي الحل الأمثل، وهي قابلة للتحقيق، إذا خلُصت النوايا.