الأمريكان يشغلون العالم بمسرحهم السياسي وكأن الانتخابات الأمريكية ستُقرر مصير العالم ومستقبله، وبمجرد إشغال العالم بِسجال الانتخابات والمناظرات يضعون البشر في معادلة قيادتهم، إذن المشهد دراماتيكي أكثر من كونه سياسي.
يؤسر العالم مرتين وتربط أعصاب العقول في متابعة دورة كأس العالم لكرة القدم وسجال الانتخابات الأمريكية! هل يحدث ذلك اعتباطا؟ أم يندرج في سياق خطط الاحتواء والسيطرة ضمن مسلسل برمجة عقول البشر بهدف ديمومة النظام الدولي القائم حالياً. الرئيس السابق دونالد ترامب يشير دائماً إلى ما يُسمى بالدولة العميقة! فهو بارع يُجيد تسويق بضاعته السياسية وأفكاره إضافةً لمهارته في عقد الصفقات، الرجُل ليس غامضاً وسبق أن تصدّر الرئاسة الأمريكية وأثبت جدارته في إدارة بعض الملفات المُعقدة وحقق منجزات تُحسب لصالحه على صعيد السياسة الداخلية والخارجية، يمكن أن نعتبره رائد الشعبوية المتصاعدة في الغرب حالياً. نعود إلى مفهوم الدولة العميقة، وما هي الدولة العميقة التي يقصدها الرئيس ترامب؟
أولاً: هل يقصد المؤسسات المتجذرة التي تُدير النظام الأمريكي؟
ثانياً: أم يقصد اللوبيات المؤثرة على صناعة القرار؟
وبعد المناظرة الرئاسية بين المرشح الرئاسي ترامب وهاريس، الصراع جمهوري ديمقراطي في طابعه
يطرح المقال التساؤل الأهم التالي:
هل ستتغير سياسة الرئيس الأمريكي القادم للبيت الأبيض تجاه النظام الدولي الحالي؟ وما أبرز مظاهر الاستمرار والتغيير في تلك السياسة؟
ويندرج تحت التساؤل الأهم عدة تساؤلات فرعية وهي:
1ـ حالياً العالم يعيش أصعب مراحل تشكيل نظام دولي جديد، بمعنى أدق نعيش حالة مخاض ولادة نظام عالمي يتخللها الكثير من الصعوبات وحتى الكوارث. إذن ما هي رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة؟
2أ كيف سيتعامل قادة البيت الأبيض في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية مع منطقة الشرق الأوسط، خاصةً وإن منطقة الشرق الأوسط حُبلى وجاء دور الولادة.
3ـ رؤية الرئيس الأمريكي القادم عن الحشود والأساطيل الأمريكية في الشرق الأوسط، لاسيما إن هذه الحشود لم تأتِ لحماية إسرائيل فقط، هنالك ما هو أكثر أهمية في سبب تواجدها، في إعادة رسم خرائط نفوذ الاستعمار الغربي.
4ـ ما هي رؤية الرئيس الأمريكي القادم في علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع كل من الصين وروسيا، ومن ضمنها الأزمة الروسيّة الأوكرانية.
5ـ ما ملامح الاستمرار أو التغيير في سياسة الرئيس الأمريكي القادم تجاه إيران؟
6ـ كيف سيتعامل الرئيس الأمريكي القادم مع الحرب في غزة؟
7ـ كيف سيتعامل الرئيس الأمريكي القادم مع (الدولة العميقة) في أمريكا كما أشار لها ترامب لأكثر من مرة؟
ربما موضوع الدولة العميقة حقيقة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ليس بالصورة التي يشتت أذهاننا ترامب عنها.
وبناءً على ما تقدّم، كل ملفات المنطقة كانت مؤجلة بلا حلول، ويجب حل كل الملفات المعلقة وإلا الوضع سينفجر وتتغير خرائط المنطقة. بالتالي، يوجد لدى دوائر صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية خطط مُسبقة يجب أن يتم تنفيذها خصوصاً في الملف النووي الإيراني وحدود التمدد الروسي. (عملية ترتيب أوراق تحت الطاولة) حلول لمشاكل معلقة. والمعادلات السياسية تخضع لضوابط سرية خارجة عن تصور المحللين (تصريف مياه جيوسياسية). لكن؛ الحقيقة هي أن أمريكا تحتاج من يعالج مشاكلها الداخلية أكثر من سياستها الخارجية.
ترامب يلوّح الى وجود ما هو أكبر وأهم مما ذكرنا، الرجُل يريد أن يقول للشعب الأمريكي دولتكم مختطفة. باراك حسين أوباما وكامالا هاريس والرئيس جو بايدن واجهة ليس أكثر لمنظمة أخطبوطية تختطف الولايات المتحدة الاميركية. ربما كان فشل محاولة الاغتيال التي تعرض لها طوق نجاة لأمريكا من الغرق في فوضى الحرب الأهلية لو نجحت عملية الاغتيال. عليه؛ فإن المرشح الرئاسي ترامب يحاول أن يقدم نفسه بطل أمريكي وصمام أمان لسد ثغرات الخلل في النظام الدولي وتحديداً في أحداث أوكرانيا وإسرائيل، أو مواجهة الصين ونفوذها المتنامي اقتصادياً، فإنه يقدم نفسه مُنقذ لأمريكا ويحذّر من حرب عالمية ستنشب بسبب سياسة الحزب الديمقراطي، فهو ضد سياسة الحزب الديمقراطي وأعلن ذلك مراراً ويعد بوقفها فوراً حال انتخابه. بالمقابل، هناك من يرى أن كمالا هاريس هي الأنسب لهذه الاستراتيجية، فهي مجرد امتداد لسياسة بايدن التي لم تكمل أهدافها.
بلا شك توجد سكة للقطار الأمريكي ودور أي رئيس للولايات المتحدة الأمريكية لا يزيد عن كونه سائق للقطار ولا يمتلك صلاحية الخروج عن السكة. بمعنى أن الرئاسة الأمريكية بطولة غير مسموح لبطلها الخروج عن السيناريو المرسوم له، لكن أحياناً يخرج البطل عن السيناريو ويجتهد ضمن نهج محدد له، أما القرارات المصيرية فهي خارج صلاحياته. في الوقت نفسه أمريكا تحتاج إلى سياسة ناعمة لكي تبسط نفوذها على عالم متغير سريع التقلبات؛ لأن هناك من يرى أن السياسة حلبة صراع ويحاول إيقاع الخصم بالضربات.
تأسيساً لما تقدّم، ترامب وبايدن وغيرهما مجرد واجهة لسياسة أمريكا، حيث توجد استراتيجية ثابتة في الولايات المتحدة الأمريكية لا يستطيع ترامب ولا غيره تجاوزها أبداً. لاسيما أن صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية معقدة جداً والرئيس له دور الناطق الرسمي ليس أكثر، وأقصى صلاحية لأي رئيس أمريكي أن توضع أمامه خيارات عليه أن يختار أحدها. بالتالي يجب أن نقرأ استراتيجية السياسة الأمريكية لكي نقيم من هو المناسب لرئاسة أمريكا بعد بايدن، ثم أن الأمريكان يعرفون جيداً مع من يتبعون سياسة التلويح بالعصا الغليظة لتحقيق انتصارات عن طريق التفاوض وإجبار الخصم بتقديم تنازلات بمعنى (سياسة نعومة القوة أو مرونتها)، وبموجبها سنعلم من يؤدي دور الرئيس.