No Result
View All Result
المشاهدات 1
تحقيق/ فيروشاه أحمد –
حين بدأت فصائل المعارضة المسلحة في سوريا بالاستسلام للنظام (مقاتلو الزبداني) ليعمد النظام بالتعاون مع الروس إلى تجميعهم في إدلب، وتتالت المشاهد في ضواحي دمشق وحمص وغيرها وتوافدت قوافل هؤلاء الفصائل مع عوائلهم وأسلحتهم لهذه المدينة، فيما لعبت تركيا دوراً بارزاً في رسم معالم هذه الخارطة (التغيير الديمغرافي) حين استوطن قسم من هذه الفصائل في عفرين وقراها، إلى جانب إدلب.
باتت إدلب الآن متخمة بتنوع فظيع من السياسات والانتماءات التي تعمل وفق اتجاهات وإملاءات وأجندات محورية، بحيث لا تجد فصيلاً واحداً يعمل بخصوصية وطنية ويمتلك قاعدة شعبية، أو يعمل على تحقيق السلام لسوريا، كون هذه الفصائل تعمل بالوكالة عن دول وأنظمة خارجية، لأنها تتلقى الدعم العسكري والمادي منهم.
مما تقدم يتضح أن أغلب مصالح الدول الإقليمية والدولية متوافقة بتجميع تلك الفصائل في إدلب، ولكل دولة معايير سياسية يمكن من خلالها أن تتفاوض كي تحقق أكبر نسبة من أجندتها، وكأن هذه المدينة وبما تحتوي باتت عرضاً سياسياً تتنافس وتتسابق كل المتصارعين بالفوز بها، والفوز بأكبر نسبة من الغنائم السياسية والاقتصادية.
آفاق ما قبل نيويورك
قبل أن يعقد مؤتمر أو لقاء الدول الثلاث الضامنة في نيويورك، التقت واجتمعت تلك الدول في محطات كثيرة، ولم تستطع وضع حلول دائمة لها؛ لأن هذه الدول جزء من مجموعة دول تتصارع على سوريا، لهذا كان مؤكداً لدى كل متابع بأنها لقاء عابر على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ بين وزراء خارجية هذه الدول لا يمكن أن يضع حلولاً نهائية للأزمة السورية بشكل عام وحل الوضع في إدلب بشكل خاص، لأن أمريكا كدولة عظمى لا يمكن تجاهلها، وتسعى هي الأخرى إلى تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها. وحل الأزمة السورية يكون باللامركزية في الإدارة والحوار السوري ـ السوري بعيداً عن التدخلات الخارجية.
ولكي لا تقع أمريكا في المستنقع السوري، وتخسر صوتها وقدراتها ومصالحها في المنطقة إن انسحبت من سوريا؛ سارعت إلى بناء قاعدتين جويتين في شمال سوريا وجهوزية (2000) جندي للعمل مع قوات سوريا الديمقراطية على محاربة الإرهاب.
تبقى تركيا جزءاً من حل المعادلة السياسية وهي في الوقت نفسه تعمل على تعقيد الأزمة في سوريا، وتحاول أن تتأكد من حجم قدراتها على سحب البساط من تحت أرجل روسيا وأمريكا وغيرهما، وتفرض شروطها من خلال علاقات اقتصادية وتنازلات سياسية كي تفشل المشروع الديمقراطي في شمال سوريا، في السياق ذاته؛ تعمل إيران كعادتها وبهدوء إعلامي على سحب خيوط اللعبة لصالحها، وتحصل على نصيبها بعد التسوية السياسية، فكل القوى الإقليمية والدولية الداعمة للنظام أو التي تبنت المعارضة تعمل بدفع الأحداث السياسية والعسكرية إلى دائرة مصالحها لسببين اثنين.
الأول: إجبار كل القوى المعارضة على حمل السلاح للمواجهة، والثاني يكمن بممارسة سياسة المحاور من قبل القوى الكبرى بحق تلك المعارضة والتحكم في أجنداتها وفق مصالحها، هذين السببين سهَّلا لتلك القوى تقسيم السوريين وفق مناطقهم وانتماءاتهم، وبات التحكم في المستقبل السوري من نتاجهم، ولا يخفى على أحد بأن سوريا أصبحت سوقاً لمنتوجات شركات تلك القوى.
قراءة في لقاء نيويورك
من مؤتمر نيويورك الذي جمع الدول الضامنة نقرأ عناويناً تخص مستقبل سوريا، ولا يمكن رسم خارطة سياسية جديدة لسوريا دون وضع حلولٍ دائمة لمنطقتين هامتين، الأولى هي إدلب والتسوية السياسية لها، والثانية ما يتعلق بشرق الفرات والجزيرة السورية ووضع الكرد السياسي المستقبلي فيها، من هنا لا يمكن وضع حلول مرقعة وآنية لهاتين المنطقتين، فبقدر ما تكون الحلول سياسية ووطنية قوامها دستور يشارك في صياغته كل السوريين بقدر ما يمكن التكهن بمستقبل يليق بالأمن والاستقرار.
شاويش أوغلو طار إلى نيويورك بمقترحين اثنين الأول وقف كامل لإطلاق النار والثاني التركيز على الحل السياسي. ولا يمكن وقف إطلاق النار إذ لم تكن هناك نية طيبة من الطرفين، فالمعارضة لا ترى الدول الضامنة ممثلة للطرف الأول بكل مقوماته، وكل فصائل المعارضة لا ترى في تركيا الحليف الضامن، والبعض لا يرى إيران إلا عدواً تاريخياً، أما الروس ففي ذاكرة المعارضة هم قتلة، وغياب أمريكا عن اللقاء لم تعطيه فرص النجاح، من جهة أخرى إذا كان هناك تقارب روسي وأمريكي بهذا الخصوص، فمسألة تقليص الدور الإيراني وتحجيمه سبب توافقهما، أما سبب خلافاتهما فيتركز حول دور تركيا ومدى استغلال موسكو لأنقرة وعقد صفقات متعددة، وفي أغلب الجوانب قد تصبح مصالح استراتيجية فيما بعد (صواريخ إس 400ـ غاز قبرص وأذربيجان)، وتصبح هذه الصفقات بوابة جديدة بانتشار روسيا وحلفائها في الشرق الأوسط، حينها تصبح مصالح أمريكا مهددة وتقلق الأوروبيين أيضاً وقد تجبرهم على التحرك.
ضبابية المشهد
في هذه المرحلة المفصلية من الأزمة السورية وما يجري من تسارع في الأحداث من كل القوى المحلية والإقليمية والدولية، والكل يحاول أن ينهي الأزمة في إدلب كآخر محطة وبما تتوافق واستراتيجيته، أمريكا باتت أقل فريق يملك حلفاء له وربما ممثلو شمال سوريا هم بوابتهم للدخول والاستقرار في شمال سوريا، حيث أثبتوا ومنذ أعوام فعاليتهم وتواجدهم الميداني كشريك رئيس في صنع سوريا المستقبل، وقد عملوا مع التحالف بمحاربة الإرهاب.
كي تحظى تركيا بأكبر قدر من تحقيق مصالحها رفعت من وتيرة دبلوماسيتها وتواجدها الميداني في إدلب، ومن جهة أخرى تحاول أن تعيد علاقاتها مع أمريكا من باب الندية وليس كعلاقة تبعية، لكن مع الجفاء السياسي بين البلدين لا يمكن كسر جليد الخلافات بينهما، والتي بدأت مع حرب الخليج الثالثة 2003، فواشنطن الآن تحاول أن تتعامل مع أنقرة وفق قواعد جديدة، منها أن تركيا ستدفع ثمناً باهظاً لقاء شراء أسلحة روسية، وتجاهلها العقوبات الأمريكية بحق إيران.
بذات المعنى تحاول أنقرة أن تعلن رفضها وتمردها على الوصاية والهيمنة الأمريكية، وما علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع الروس، وإيران وغيرهما من الدول يمكنها أن تتجاهل أمريكا، وكأنها تتعامل بالمثل حين تتجاهل واشنطن رغبة أنقرة ومطالبها بشأن المشروع الديمقراطي في شمال سوريا، ويرى المراقبون بأن هذا التجاهل أحدث شرخاً بين الدولتين.
أمريكا تدرك جيداً رغبة تركيا السياسية المستقبلية في إدلب وشمال سوريا، وكونها قوة سياسية وعسكرية يمكنها أن تتعامل مع الكل وفق استراتيجية الربح الأعظمي أي الربح والاستفادة منهم دون خسائر، ومن الممكن إعطائهم شيئاً يسيراً بشرط ألا تخسر، وفي حال تم تهديد مصالحها الاستراتيجية لن تتأخر بافتعال حروب وأزمات وصراعات حتى مع القوى الكبرى (روسيا) أو مع القوى الإقليمية التي تقف أمام مصالحها.
حلول غائبة
يدرك أردوغان تماماً بأنه بعد التسوية السياسية والعسكرية في إدلب سوف تتفرغ كل الأطراف إلى تسوية سياسية وعسكرية في شمال سوريا، هذا الشمال الذي يقلق مضاجع أغلب الساسة والدول في المنطقة، وتمتد المنطقة من شرقي الفرات حتى غربي دجلة، وهي مناطق تحميها قوات سوريا الديمقراطية وفق أسس الإدارة الذاتية. من جهة أخرى هي مناطق نفوذ أمريكية وبتواجد قواتها وقواعدها لا يمكن لأي قوة (تركيا ـ النظام) أن تهاجم هذه القوات. لذلك؛ لجأت رغم كل تحفظاتها وتمنعها إلى إيجاد صيغة توافقية استباقية لوضع اتفاق مبدأي مع روسيا حول إدلب لا يمكن إنجازه إلا على مراحل عدة، ورغم ما انطوى عليه الاتفاق على مكاسب وخسارات عديدة لكلا الطرفين، إلا أن نجاح الاتفاق يبقى مرهوناً بتقيد الأطراف الأخرى به، وتنفيذها لتلك البنود التي تبدو شبه مستحيلة.
ويبقى السؤال التقليدي في الشارع السوري، هل ستصبح إدلب مفتاح الاستقرار والأمان لسوريا بشكل عام؛ وللكرد، وبقية المكونات في شمال سوريا؟
No Result
View All Result