سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

إدلب… التحالفات المتناقضة ونتائجها؟!

بدران جيا كرد –
معركة إدلب هي معركة مصيرية لجميع الأطراف المتحاربة حيث ستكون نهاية لمرحلة المجموعات المسلحة السنية التي تعشعشت في كل بقعة من الجغرافية السورية وبداية لمرحلة جديدة للنظام السوري في الإعلان عن انتصاراته المدمرة بعد نزيف عانه المجتمع السوري. لذلك تستعمل كل طرف جميع أوراقه المتبقية للحيلولة دون الهزيمة ومن هذه النافذة تُتداول معركة إدلب لتأخذ أبعاداً إقليمية ودولية وتثير الصراعات والتناقضات الأكثر خفية وتبدو وكأن المعركة ليست محصورة في إدلب، بل ستأخذ أبعاداً جديدة في الصراع الدولي عامة والإقليمي بخاصة والسوري طبعاً.
مع العلم أنَّه ثمة استراتيجية دولية اتفقت عليها جميع الاقطاب المتنافسة ألا وهي محاربة الإرهاب على الأقل نظرياً، حتى الدول الراعية للإرهاب تدَّعي محاربتها للإرهاب بطريقتها الخاصة في تحديد الأهداف والمناطق والأسماء التي تختارها. ويتوضح أنَّ لكل جهة سلوكاً خاصاً بها في التعامل مع الإرهاب حسب المكاسب التي تجنيها في كل مرحلة ومدى الأهمية الاستعمالية للفصائل الإرهابية.
ما نراه في إدلب هو وجود ثلاثة أقطاب متنافسة تتمحور القوى المختلفة فيها بهدف كسب نتائج المعركة كل منها لصالحها.
تركيا هي الخاسر الأوحد في معركة إدلب
أولاً المحور التركي وحلفاؤُه من المجموعات الإرهابية والمعتدلة التي تسميها. وتحاول الحفاظ على هذه المجموعات في هذه البقعة الجغرافية لتكون خنجراً مسموماً في ظهر كل المشاريع السياسية الديمقراطية وطعناً مميتاً للحل السياسي الديمقراطي، ومسماراً في جدار سورية تعلِّق عليه المشاريع الاستعمارية والعدوانية ضد مكونات المجتمع السوري وبالتالي جعله منفذاً لترسيخ النفوذ العثماني ليست في سورية وحدها بل لتكون مدخلاً إلى الشرق الأوسط لنشر الفكر الإسلامي الراديكالي بشكل مبطن تحت يافطة الإسلام السياسي الأخواني، حيث كانت هذه المنطقة تشكل مع مجموعاتها الرصيد والرأسمال الذهبي لتركيا، فجنت كل هذه الثروة من جهود كبيرة ومضنية من خلال خوض صراعات وعمليات إرهابية وصفقات غير محدودة وبالتالي كونت هذه الخزينة الإرهابية لتتمكن من خلاله تنفيذ خطتها المستقبلية. ولكن تركيا الآن بين فكي كماشة بين وعودها للمجموعات الإرهابية من جهة وبين ضغوطات المحور الروسي من جهة ثانية. حيث أنها إما أن تقوم بالدفاع عن تلك المجموعات في مواجهة المحور الروسي وهذا سيسقط تركيا في مأزق وصراع كبيرين قد يؤديان إلى المعركة الرابعة عشرة الخاسرة مع القياصرة الروس وتنتهي بنتائج كارثية على تركيا. وإما أن تقف إلى جانب المحمور الروسي مثلما اتفقت أول مرة معها على محاربة هيئة تحرير الشام والمجموعات المرتبطة بها أو تصفيتها أو نقلها من هناك ومن ثم ضم المجموعات الأخرى التي شكلتها تحت اسم الجيش الوطني إلى عمليات المصالحة على غرار المناطق الاخرى بحيث لا تبقى أي مجموعة مسلحة في نهاية الأمر ولكن حتى الآن ليس هناك أي تقدم لا في إقناع  هيئة التحرير بتسوية سياسية أو الفصل فيما بين تلك الفصائل ما بين معتدلة وإرهابية وهذه الخطة بالنسبة لتركيا تعني مواجهة جديدة سواء مع تنظيم القاعدة  التي لم تستهدف تركيا حتى الآن لكونهما حليفين وهذا هو التصدُّع العميق الأول في الجبهة التركية والثانية وهي تصفية المجموعات التي كانت يتبنَّاها الائتلاف السوري المعارض وهذه الكتلة ايضاً ستنهار؛ أي أنَّ كل ما ادخرته تركيا من أوراق سياسية انتهت وأفلست السياسة التركية وبالتالي سيأتي دور المواجهة الداخلية السياسية والاقتصادية والعسكرية الهشة أصلاً.
هذا يعني أنَّه لا خيار لتركيا وأحلاهما مرٌّ وأن شهر العسل الذي دام سنين انتهى وانتهى عصر العنتريات والثرثرة وعليها أن تتخذ قرارها وتحدد خيارها المر ولا يمكن لها أن تستمر أكثر في الازدواجية السياسية والاستفادة من الكل أصبح الجسر يتضايق والحبال تشتد يوماً بعد يوم.
النصر في إدلب يمنح الروس الهيمنة المطلقة على الشرق الأوسط
أما المحور الثاني وهو الروسي – الإيراني – السوري وهم المصرون على الاستمرار في مسار حلب غوطة ودرعا .و….؛ أي تصفية جميع المجموعات المسلحة سواء بالسبل العسكرية أو ضمهم لعمليات المصالحة وإعلان النصر النهائي بعد معركة ادلب.
تريد الدولة الروسية بالدرجة الأولى حسم نتائج المعركة لصالحها لترسِّخ دعائمها بشكل استرتيجي في سورية والمنطقة بشكل خاص لتصبح قوة منافسة حقيقية للحلف الأطلسي في حوض البحر الأبيض المتوسط والقواعد البحرية والبرية الموجودة في سورية تثبت مدى عمق الاستراتيجية التي تتبعها الدولة الروسية وبالتالي بعد حسم معركة إدلب لصالحها ستتفرد بالحل السياسي الذي ترتئيه هي حسب منظورها وإقصاء تركيا وإيران وأمريكا والقوى الدولية الأخرى ونسف آستانا نهائياً وإبعاد الملف السوري عن جنيف وما القيام بالمناورات العسكرية الضخمة جداً في منتصف الشهر القادم والتي تُعد الأولى منذ مرحلة الاتحاد السوفيتي عام ١٩٨١م ليس إلا دليلاً واضحاً على أنَّ روسية تريد كسب المعركة في أقصر مدة زمنية لتتوج نفسها قوة دولية ثانية منافسة للولايات المتحدة حيث مداخلة الدولة الروسية في الملف السوري منتصف عام ٢٠١٥م  كان مدخلاً لروسيا للصعود على الحلبة الدولية والآن في إدلب ستعلن فوزها في المباراة الدولية الأولى، كما كانت حملتا الرقة والموصل استراتيجيتين بالنسبة للتحالف الدولي وبخاصة أمريكا في دحر داعش من جهة وكانتا مدخلاً واسعاً لترسيخ قواتها في المنطقة وبخاصة في شرق وشمال سورية وهكذا يمكن القول: إنَّ إعلان الحرب العالمية الثالثة ضد الإرهاب مع بداية القرن الحادي والعشرين كان سبيلاً لتوسع نفوذ القوى العالمية المهيمنة في الشرق الأوسط وهذه الحرب ستكون لها نتائج تقسيمية جدية مختلفة عن الحربين العالمية الأولى والثانية.
لماذا تحاول أمريكا عرقلة معركة إدلب؟
أما المحور الثالث المتمثل بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وهي قلقة إلى حد ما من التطوُّر على الساحة السورية الجنوبية والشمالية بخاصة لأنها فاقدةٌ لزمام المبادرة في المعارك الأخيرة والآن في إدلب فليس لها دورٌ وهذا ما يجعلها تقلق أكثر وتدرس تداعيات هذه المعركة بكل عمق وما تكسبه روسيا وإيران في المنطقة وما هي الاسترتيجية التي سيتم اتباعها بعد هذه المعركة. فهي ستقضي على مسار جنيف وتنسف قرار ٢٢٥٤ وتبقي بشار الأسد في الحكم من دون التطرُّق إلى الحكومة الانتقالية أي أنَّ المسار السياسي الذي تنتهجه الولايات المتحدة من خلال إنعاش جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة ستصبح في خبر كان وسيستعيد النظام السوري عافيته بدعم روسي وإيراني ويبسط سيطرته على غالبية الجغرافية السورية ويحصر التحالف في شرقي الفرات بينما يتوسع الروسي إلى العمق الاستراتيجي السوري في الجنوب والساحل.
وانطلاقاً من هذه المعادلة ومن أنَّ التحالف الدولي يريد تغيير الموازين أولاً وعرقلة المد الروسي والإيراني وهذه هي الأسباب التي تدفع أمريكا لطرح إنشاء منطقة حظر جوي وبري في مناطق الشمال والشرق فربما قد تحاول أن تتمدَّد روسية والنظام حتى هناك آراء من قبل مسؤلي الولايات المتحدة مفادها أن يتمددوا براً ويُنشئوا حظراً جوياً على كامل سوريا وقد تؤدي إلى إضعاف القوة القتالية للجيش السوري وإن اصطدموا مع روسيا.
وأيضا تحاول مماطلة وعرقلة معركة إدلب بوسائل ملتوية وليس عطفاً على تركيا أو على المجموعات المسلحة إنما لسد الطريق أمام إعلان الروسي انتصاره النهائي.
وما نراه في التصعيد الأخير من قِبل التحالف الدولي من تجييش وتمركز للأساطيل البحرية المحملة بالصواريخ المتطورة جداً من قبل الطرفين قبالة السواحل السورية ما هو إلا حد للعملية العسكرية في إدلب من قبل أمريكا وأن تكون شريكاً وتهديداً لدمشق وإضعافاً لموقفها وفي نفس الوقت إصرار روسي من جهة أخرى على العملية العسكرية في إدلب.
إنَّ التصريحات المتبادلة في حال استخدام السلاح الكيماوي والتصعيد على خلفية مثل هذه التصريحات دليل على أنَّ موضوع استخدام السلاح الكيماوي لم يُجزم به وأنَّه ستار لقضية خلافية جوهرية بين المحورين ونوع من التهديد والتصعيد الممارس من قبل أمريكا مع تصريحات مشابهة للأمم المتحدة وستحدث كارثة إنسانية إن تم الهجوم على إدلب إلى جانب مغازٍ أُخرى لمثل هذه التصاريح.
وبالتأكيد سيكون التصعيد سيد الموقف من قبل الجانبين ويمكن أن تتوسَّع ساحة الصراع بأشكال مختلفة على الساحة السورية، وهكذا ستكون مرحلة معركة إدلب بداية جديدة لمستقبل سورية سياسياً وعسكرياً وقد تكون مستقبلاً أكثر كارثية إن لم تتفق القوى الدولية على خطة مشتركة لمحاربة الإرهاب وإنهاء الاحتلال التركي.
ومع معركة إدلب؛ ستشهد المنطقة تغييرات هامة عسكرياً وسياسياً مع الإنهاء الفعلي والشكل السياسي المجسم للمجموعات الإرهابية على الأرض؛ وسيأخذ الصراع منحىً وأبعاداً أخرى سورياً وإقليمياً إلى أن تتمَّ إعادة هيكلة وترتيب جديد لمنطقة الشرق الأوسط أي أنَّ الأنظمة الاستبدادية المفرزة للإرهاب ستكون بالمرصاد للقوى الدولية وبموجبها ستتشكل الأحلاف والكتل والأنظمة السياسية في الشرق الأوسط.