سيهانوك ديبو ـ
تعقيد إضافي نال معركة إدلب بمجرد إعلان أنقرة جبهة النصرة – إحدى أهم صنائعها – في خانة الإرهاب. يُذكر في ذلك أن أنقرة كانت الأخيرة في إعلان داعش بالإرهابية، والجدير ذكره أن الإعلان عند أنقرة شيء والفعل والحقيقة شيء آخر، كما أنه في ذلك؛ أيضاً؛ بأن أنقرة هي الوحيدة المستبعدة من أية مشاركة في أهم تحريرين في التاريخ المعاصر: تحرير الموصل وتحرير الرقة.
لقد كان إعلان أنقرة بالنسبة للنصرة متأخراً جداً، ولم تكن تنطق ذلك لكنها انحصرت في خانة (اليك)؛ كما كل وضعِ أنقرة مؤخراً، وتحديداً بعد تحولها إلى حالة الرئاسية (السلطانية)، أما تأخير هذا الإعلان، والاستعصاء الكبير الذي شاب هذا الإعلان من بعد الوعد بأن تقنع النصرة بحل نفسها، فالصانع وحده من يستطيع أن يفكك؛ يمكن عدّه مصدر الحريق الذي يشب في أنقرة من قادمات أيامها السوداء. مثل هذا التعقيد يجعل القمة المرتقبة في طهران ما بين (ضامني) الآستانة الثلاث: أنقرة وطهران وموسكو؛ لا يختلف كثيراً عن قمة أنقرة المنعقد في الرابع من نيسان المنصرم. كلتا القمتين تكون نتائجها (الصفر) بالنسبة لسوريا؛ في حال لم يكن الناقص بالأساس.
أما مشهد إدلب المعقَّد اليوم؛ فإنه ناتج الآستانات الوحيد، كل تسليم من قبل (المعارضة) كان يلحقه تجميع لهم في إدلب. آخر ذلك بالذي جرى مؤخراً في درعا، ومن الصعوبة أن يكون هناك بمكان في إدلب معركة كلية شاملة؛ فإن السياقات تؤكد على أنَّنا أمام معارك جزئية لإنهاء الإرهاب بشكل كامل في إدلب. بالرغم من ذلك؛ يجب على شهود آستانا بخاصة من المحسوبين على المعارضة أن يعلموا أن الطلقة الأولى في إدلب هي اللحظة الأخيرة لهم؛ لأن آستانا لن تنتهي لحظتها الآن؛ بل انتهت حينما جرى اجتماعها الأخير في سوتشي. لقد أرادت موسكو مع طهران وأنقرة أن تخطف جنيف، وتظهر على أنَّها الوحيدة التي بإمكانها أن ترعى الملف السوري والمسؤول الأوحد عن حل الأزمة السورية. ولم تفلح في ذلك، وكي لا تبدو في المشهد الذي فشل، ساعدها البعض في إنتاج بدعة (سوتشي) والحديث عما يسمى باللجنة الدستورية. وبالطبع هذه اللجنة لا تعلم حتى اللحظة طبيعة مهامها: هل هي أمام كتابة دستور سوري جديد، أم تعديل للدستور الحالي، أم إجراء تغييرات طفيفة عليه؟ لا تعلم. ومن أوعز لها بالاجتماع والاصطفاف في هذه اللجنة أيضاً لا يعلمون. لكنهم؛ يعلمون أن روسيا التي لم تستطع من خلال مسار آستانا تحصيل سوى استسلام مثل هؤلاء؛ تريد أن تحقق نصراً سياسياً كبيراً في إدلب. لكن؛ حتى تنطبق صفة التحرير يجب أن يكون بثلاث مساعٍ، أولها: تحرير الأهالي والمدنيين الذين يعانون بالأساس من وطأة الجماعات الإرهابية الموجودة في إدلب، تشير الأرقام إلى وجود حوالي 50 ألفاً من جهاديين عابري القارات من ملل وأقوام؛ تعرف تفاصيلهم الدقيقة أنقرة على اعتبارها الأولى في الإشراف على تجميعهم وحشدهم وتدريبهم ومدهم بأخطر الأسلحة؛ غاز الكلور والسيانيد كمثل الذي استخدم في الشيخ مقصود ضد الأهالي والمدنيين وبشكل موثّق بتاريخ 7 نيسان 2016م، هؤلاء مضافاً إليهم جماعات المرتزقة يقدرون بمئة ألف يعيشون بين أكثر من مليونين ونصف المليون من المدنيين. أي أن الخطوة العسكرية ضد هؤلاء الإرهابيين يرفع من مستوى الخطر بشكل كبير على المدنيين. ورومانسية دي مستورا في استعداده الذهاب لإدلب وفتح ممر إنساني للأهالي تفتقر أساساً للمهنية. وبالأساس للبيئة المناسبة في إيجاد مثل هذا الممر المهم بخاصة أن نصف المقيمين ـ على أقل تقدير- نزحوا إلى إدلب من مناطق سيطرة السلطة السورية والكتائب الموالية لها؛ علاوة على الجماعات المسلحة وعوائلها التي أخلت المناطق التي كانت تسيطر عليها لصالح دمشق. البعد الإنساني في معركة إدلب المرتقبة غير متوفر ولو بحدِّه الأدنى. ثانيها: المتعلق بجانب الحل السوري والقرار الأممي 2254 هذا القرار الذي يمكن عدّه الأٌقرب لحل الأزمة السورية؛ دون أن يعني الأنسب. بالرغم من ذلك؛ فإن حيثيات القرار كانت مرتبطة وقتها بالتموضعات المحلية للمحسوبة على المعارضة بداعميها الإقليميين. وإذا ما كان الافتراض بأن السياق في معركة إدلب يصير وفق هذا المخطط فقط؛ فإنما يعني بأن الطرف أو الأطراف المختفية من الخارطة السياسية المحلية السورية؛ والذي راهن البعض الإقليمي وفي مقدمتهم تركيا بأن تضمن من خلالها المصالح في سوريا القادمة؛ تبدو هذه الأطراف في حكم منتهي الصلاحية، الأسباب التي أدت إلى مثل هذا القرار تنعدم اليوم إلى درجة كبيرة.