خرج الآلاف من آباء وأمهات وزوجات الشهداء إلى شوارع قامشلو حاملين صور أبنائهم في مشهد لا يمكن وصفه بالكلام ولا يمكن أو التعبير عنه ولا بأي شكلٍ من الأشكال، فقد تلونت ساحات المدينة بأجمل لوحة يمكن أن تراها عيون الناس، إنه مزيج دماء الأرواح الخالدة، إنها مسيرة الفخر والكرامة والإرادة، فنحن لم نشاهد مسيرة تُعبّر عن قوة وعزيمة الشعب وبخاصةٍ النساء قبل هذا اليوم التاريخي المؤثر، فهل هناك أصعب وأقسى من مشاهدة امرأةٍ تحمل صورة ابنها أو زوجها الشهيد لتجوب بها شوارع المدينة بكل فخرٍ وعزة؟ وهل شاهدتم يوماً نساءً شامخات مرفوعات الرأس أجمل من نساء قامشلو مدينة الحب، لقد بكت قلوبنا ونحن نراقبهن وهنَّ يمشين وفي أحضانهن تلك الصور، وكأن في كل صورة شهيد؛ وروحاً تحلق في سماء المدينة، فما أكثرها تلك الأرواح وما أجملها تلك الصور.
لم يكن يوم الشهيد يوماً عادياً ولم يشبه أياً من الأيام، فبقدر ما تمزقت قلوبنا لمشاهدة ذلك العدد الكبير من صور الشهداء، وبقدر ما آلمنا انفطار قلوب الأمهات على فلذات أكبادهن، إلا أن تلك المسيرة أيقظت فينا الوجدان والضمير الإنساني، فهل قدَّرنا تضحيات أولئك الشهداء وحققنا ولو جزءاً بسيطاً مما كانوا يرمون إليه أو يطمحون لإنجازه؟ هل حملنا رسالتهم الإنسانية وتابعنا مسيرة نضالهم ليناموا قريري العين في قبورهم؟
كلي ثقةٌ بأن هذا المشهد العظيم قد أيقظ الكثيرين من سباتهم، فلا يوجد أقدس من دماء الشهداء ولا يوجد أطهر من قلوب أمهاتهم، فتلك الهتافات التي تنادي وتمجد الشهداء خرجت في ذلك اليوم من حناجر أمهاتهم ومن قلوبهن التي تنزف ألماً على فراقهم، لكنها كانت تحمل في حشرجاتها عزيمةً وقوةً لا مثيل لها، فهي إرادة المرأة الحرة، تلك الزغاريد التي لا تطلقها المرأة إلا في مناسبات الأعراس، أطلقتها اليوم وهي تزف الشهيد عريساً للوطن، لقد صدحت أصوات الحشود الغفيرة منادية بالرسالة الخالدة للشهداء، لكنها لن تبقى مجرد شعاراتٍ بعد اليوم، فهؤلاء هم ورثة القضية، سيحملونها وفاءً وكرامةً لأبنائهم، ولأن كل ما تم إنجازه قد تحقق بدماء هؤلاء الشهداء الطاهرة، لن نسمح لأحد تدنيس طهارة أرضنا التي رويت بهذه الدماء، لأننا نخجل من دموع تلك الأمهات، نخجل من صوت زغاريد مختنقةٍ في حناجرهن، ونخجل من أنفسنا لأن ما قدمناه أو نقدمه لا يساوي شيئاً مقابل تضحيات الشهداء.