تلعب المواهب بشكل عام، ولا سيما المواهب الفنية، دوراً هاماً وقفزات نوعية في حياة الفرد، بل وتحولات جذرية في حياة الإنسان، فتنقسم حياته إلى شطرين، الشطر الذي سبق اكتشافه لنفسه كفنان، والشطر الذي تلا هذا الاكتشاف، لتبقى لكلا الشطرين علامات، وبصمات واضحة في حياته.
إن الموهبة عندما تكتشف، لن تبقى موهبة فردية التأثير، أي لن تبقى خاصة بالإنسان صاحب الموهبة، فيكون لها آثار عامة وواسعة على الدائرة المحيطة بالفنان، سواء العائلة أو المدينة أو الوطن، فقد لعب العديد من الفنانين دوراً رئيسيا في نهضة الثورات في مختلف البلدان.
وفي شمال وشرق سوريا، كان للفن والفنانين بصمات واضحة المعالم في ثورتها، فقد ساهم هذا الفن وأهله في إيصال صوت، وأهداف هذه الثورة إلى كل حي، وإلى كل بيت، من خلال الأعمال الفنية، التي أخذت على عاتقها إيصال هذه الرسالة.
كما إن شمال وشرق سوريا، خرجت العديد من الفنانين، الذين لعبوا دورا كبيرا في إيصال ثورة روج آفا إلى ما وصلت إليه اليوم.
ومن بين الأسماء، التي كان لها بصمة فنية واضحة الفنان أيمن شاكر، ابن ناحية الدرباسية، والذي لم يطل الوقت به حتى اكتشف موهبته الدفينة في الفن، فعمل على صقلها ومتابعتها.
نشأة الفنان
يحدثنا الفنان أيمن شاكر عن نشأته فيقول: “أنا من مواليد عام 1973، ولدت في مدينة الدرباسية، وعشت فيها مرحلتي الطفولة والشباب، حيث درست الابتدائية والإعدادية والثانوية، في مدارسها، وانتقلت بعدها لإكمال دراستي في المعهد العالي للموسيقا في دمشق”.
ويضيف: “منذ الصف الأول بدأت الغناء في الصف المدرسي، وفي المنزل والحي، وقد شجعني على ذلك الوسط المحيط بي، سواء المعلمون والمعلمات في المدرسة، او أهلي وأصدقائي في الحي، ولا سيما والدي، وقد اشترى لي أول عود عزفت عليه، وكان ذلك من محل الفنان الراحل سعيد يوسف، وقد كانوا يدعوني للغناء، وهم يستمعون إلي، وقد كنت أشعر أن صوتي يعجبهم، وهذا كان يعطيني الدافع على الاستمرار والتقدم أكثر في هذا المجال، فاستمر الحال على ما هو عليه، حتى وصلت إلى الصف السابع، وقتذاك، اهتم بي أستاذ مادة الموسيقا في المدرسة، وكنت قد بدأت أشعر بحبي لآلة العود، لذلك ساعدني أستاذ الموسيقا في حينه على تعلم العزف على آلة العود، ومنذ ذلك الوقت، تعلمت العزف على العود، وقد أجدت العزف عليه.
المعهد الموسيقي والحرفية
ويتابع الفنان قائلا: “بعد إتمامي المرحلة الثانوية من دراستي، التحقت بالمعهد العالي للموسيقا في دمشق، وقد كان التحاقي بالمعهد؛ بسبب رغبتي في تعلم الموسيقا بأسلوب احترافي وأكاديمي، فقد تعمقت أكثر في دراسة النوتة، والصولفيج، وأساسيات الموسيقا الأخرى، كما أنني بدأت الغناء والعزف في آن واحد، حيث كنت في البداية، أغني أو أعزف، ولكن فيما بعد تعلمت الغناء، والعزف سوية، وهذا ما دفعني إلى إحياء العديد من الحفلات في دمشق”.
بمن تأثر الفنان؟
يحدثنا الفنان أيمن شاكر عن عمالقة الفن، الذين ساهموا في تكوين شخصيته الفنية فيقول: “إن ميولي الفنية منذ البداية كان ميلاً للطرب، ولذلك عشقت آلة العود من بين الآلات الموسيقية الأخرى، حيث أن العود خُلق للفن الطربي، وقد تأثرت بالعديد من عمالقة الطرب مثل السيدة أم كلثوم، والأستاذ عبد الحليم حافظ، إضافة إلى بعض الفنانين الذين استطاعوا الدمج بشكل موفق بين الطربي والمعاصر من الفن، ومن أبرزهم الفنان كاظم الساهر، والذي التقيته في إحدى الحفلات بدمشق في عام 1996”.
وأضاف شاكر: “إلى جانب كل ذلك، لعب الغِناء، الذي تتميز به الموسيقا، والفن الكرديين دورا كبيرا في تكوين شخصيتي الفنية، حيث أن الطرب الكردي يمتلك قامات عالية تساهم في تكوين شخصية أي فنان، وقد استفدت من هذا الفن بشكل كبير، وقد قمت بإعادة توزيع ألحان عدد من الأغاني الكردية العريقة، بحيث تحافظ على أصالة تراثها مع شيء من التجديد، أي أن الفضل الرئيسي في صقل موهبتي الفنية يعود للفن الكردي العريق”.
محطة فنية جديدة
يستكمل الفنان حديثه معنا قائلا: “بعد إتمامي لدراستي بقيتُ في دمشق، وقد أحييت العديد من الحفلات في مطاعمها، ولكن بعد انطلاق ثورة روج آفا عدت إلى الدرباسية، وقد أوليت اهتماما أكبر لتراث المنطقة، ومن ضمنها الأغاني الجزراوية، والأغاني المردلية على وجه الخصوص، وقد غنيت العديد من هذه الأغاني”.
ويتابع الفنان شاكر: “التحقت بثورة روج آفا من خلال فني، فقد انتسبت لحركة الثقافة والفن، وأيضا عملت تحت كنف هيئة الثقافة في إقليم الجزيرة، كما أنني عملت، ولا زلت، في فرقة زيلان التابعة لمركز الثقافة والفن بمدينة الدرباسية، إضافة إلى كل ذلك، ألفت العديد من الأغاني الثورية، التي من شأنها رفع معنويات المقاتلين، مثل أغنية “روج آفا عروسة سوريا” والتي لاقت رواجا وانتشارا واسعين في المنطقة، وهي من كلماتي وألحاني وتوزيعي الموسيقي وغنائي.
كما أنني أهوى الأغاني المرتبطة بالأم، لذلك ألفت أغنية “اشتقتولكي يادي” وهي أغنية من التراث المردلي تتحدث عن الشوق للأم، وهي أيضا من كلماتي وألحاني وتوزيعي وغنائي، وأعدّ هاتين الأغنيتين مفصليتين في حياتي الفنية، حيث لاقتا رواجا وقبولا واسعين”.
وعن مشاركته في الثورة قال الفنان: “بين الحين والآخر، نُحيي حفلات على خطوط الجبهات، ونغني فيها الأغاني الثورية والقومية، لرفع معنويات المقاتلين، أي إننا لعبنا كفنانين دورا كبيرا في ثورة روج آفا، وسنتسمر في هذا لكون الثورة هي الطريق لتحرر الشعوب وافكارها، وايضا تحرر الفن من القيود المفروضة عليه تاريخيا”.
الفنان أيمن شاكر اختتم حديثه مع صحيفتنا بتسليط الضوء على مشاريعه المستقبلية حيث قال: “نعمل على افتتاح مدرسة خاصة بتعليم الموسيقا في ناحية الدرباسية، وستكون هذه المدرسة بإشراف هيئة الثقافة في إقليم الجزيرة، والتي أبدت استعدادها لتقديم الدعم الكامل لهذا المشروع، والعمل جارٍ على استكماله”.