في منطقة الشرق الأوسط التي كانت مهداً لبزوغ تاريخ الإنسانية والتي شهدت أولى مراحل تكوين الحضارة واحتضنت ميلادها، باتت اليوم منطقة لا حول ولا قوة لها. الشرق الأوسط الذي كان مقصداً رئيسياً لجميع القادة والموفدين من كافة أنحاء العالم والقبلة المقدسة والبقعة الهامة لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم، أصبح اليوم تلك الديار لا تطاق الحياة فيها بعد أن كانت مهداً ومنبعاً للحياة.
الشرق الأوسط الذي كان جنة من جنات الجمال والعطاء على وجه الأرض، أضحى اليوم خراباً ودماراً على أيدي حكام السلطة وشبكات الفساد والطغمة الطائفية المتحكمة بأحلام أبنائها. هذه البقعة الثرية بشتى مقوماتها، نلاحظ أن أبناءها اليوم يفرون منها، ويبحثون عن منفذٍ جديدٍ للخروج هرعاً وراء الأمن والأمان اللذين كانا موجودين في بلادهم.
المشرق الذي كان منبع الخير والعطاء وقبلة الحب والسلام والكعبة السامية لكل الإنسانية باتت اليوم تفتقد لأبسط مقومات الحياة، حيث فظائع الحروب والدمار، صارت معرضة للعنف والمجازر التي تفرزها سياسيات حكام السلطة المهيمنة التي تمارس بحق الشعوب المظلومة. ففي كل دقيقة يتعرض الآلاف من سكان هذا المشرق الحزين لأبشع أنواع القمع والاستغلال، فهم ضحية لذهنية نظام متسلط ومهيمن. حيث بتنا نرى في شرقنا مسلسلاً لا تنتهي حلقاته التراجيدية متمثلاً بمشاهد ومظاهر البؤس واليأس، واقتصادٍ متهالكٍ، حيث فتك الجوع والفقر بالأبرياء، فالخوف من المجهول يدق أبواب الجميع وموجات النزوح من المدن والعيش في مخيمات اللجوء بازدياد.
ولا يمكن لنا أن ننسى أبداً بأنه لا يكاد يمر يومٌ لا نسمع جرائم قتل النساء وتعرضهن للعنف بشكل متواصل، نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة تمر بها المنطقة، إضافةً إلى العادات والتقاليد البالية التي تحول دون تجاوز هذه المعاناة.
أن تعيش في الشرق الأوسط يعني العيش بدون أحلام ويوتوبيا، لأن أحلامك ستحطمها الانفجارات والمجازر التي تخلفها من ورائها، أن تعيش في الشرق الأوسط يعني أن تُحرَمَ من التعليم ركب العلم والمعرفة، نتيجة الصراعات والنزاعات الطائفية، أن تكون شرقياً أوسطياً يعني أن تكون إنساناً مجرداً من المشاعر والأحاسيس، لأن الألم والبؤس اللذين تخلقهما المعاناة لك يجرداك من كل شيء جميل في حياتك.
في المشرق أصبحنا ننام على أصوات القذائف والصواريخ ونستيقظ على أزيز الرصاص وأصوات الانفجارات والقنابل الناسفة وضربات الطيران وحرق في نيران الموت، هذا مستقبل أبناء هذا المشرق الجريح وللأسف. مع كل هذه المأساة والمعاناة لا حل واضح في الأفق القريب أو البعيد سوى أن نضع أسساً لنظامٍ شرق أوسطي ديمقراطي قادرٍ على لملمة جراح الشعوب المتعطشة للحرية والحياة الكريمة. وأن تستعيد المرأة حقوقها كاملة، وكذلك أن يعيش الأطفال طفولتهم التي اغتصبت منهم دون أي ذنب، حيث أن النظام العالمي الرأسمالي الذي يمر بأزمة سياسية واقتصادية كبيرة يحاول دائماً استعادة قوته على دم الشعوب المضطهدة وخاصةً في المشرق الجريح. إلا أن إرادة الشعوب دائماً تكون هي الأقوى من مخططات النظام العالمي الفاسد، فهي تتوعد أبناءها بمستقبل واعد وتقول، إن الحرية قادمة لا محالة رغم كل المخططات والسياسيات التي تمارسونها بحقنا.